مشكلة تأليف الحكومات في لبنان لم تكن يوماً مشكلة صلاحيات أو تضارب صلاحيات، خصوصاً بين رئيس الجمهورية من جهة، ورئيس الحكومة من جهة أخرى، لا في حكومات ما قبل الطائف ولا في حكومات ما بعد الطائف. فأزمات التأليف لم تغب يوماً عن المشهد السياسي اللبناني، نظراً إلى ارتباط البعض بالخارج وبإملاءات الخارج. وبدلاً من أن يكون الجميع بعداً للبنان في الخارج، كما يريد ويردد فخامة الرئيس، صار بعداً للخارج في لبنان، مع الأسف. فهل أزمة التأليف التي نعيشها اليوم تشبه أزمات التأليف السابقة، أم ماذا؟إن هذه الأزمة التي نعيشها اليوم تشبه في الشكل الأزمات الحكومية السابقة، إن لناحية تعثر الولادة وإن لناحية طول مدة التشكيل، ولكن المضمون مختلف. ففي السابق، كانت العرقلة تتعلق بتحقيق مطالب سياسية معينة واضحة أكثر مما هي متعلقة بالأمور التقنية وحجم التمثيل ونوعيته. وكانت هذه المطالب يعبر عنها على نحو واضح وصريح. أما اليوم، فإننا نعاني من خبث كبير في الإفصاح عن المطالب ومقاصد العرقلة، فيطالب البعض بأعداد ووزارات، وذلك رغم خروج البلاد من انتخابات نيابية شفافة أظهرت على نحو واضح وعلمي الأحجام الحقيقية لمختلف الأطراف. لكن هذا البعض يصرّ على العرقلة ولا يريد الاعتراف بالنتائج ولا بالمعيار الواحد للتأليف. من هنا فإن للعرقلة أهدافاً تتجاوز الأرقام والأحجام لتدخل في مفهوم العرقلة للعرقلة.

رمي الكرة في ملعب العهد
تدخل البلاد الشهر الرابع بعد التكليف ولم نرَ ولادة الحكومة بعد، وهذا قد يعني للبعض أن العهد مأزوم وأنه لا يستطيع مجرد تأليف حكومة؟ وبذلك، كيف بإمكانه العمل والإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد؟ ربما هذا البعض «الغيور» على سمعة العهد ومصلحة الناس والبلد، نسي أو تناسى أن مهمة التأليف هي قبل كل شيء آخر مشكلة الرئيس المكلف. لذلك فإن نجاح التأليف أو فشله هو من يحمل مسؤوليته، وذلك بغض النظر من محاولة بعض الأفرقاء السياسيين رمي الكرة في ملعب الرئيس وتحميله مسؤولية العرقلة.

الرئيس وكرة النار
منذ دخوله المعترك السياسي، وهو لم يكن بعد إلا رئيساً للحكومة العسكرية التي سمّاها رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل في الساعات الأخيرة من عهده في ٢٢ أيلول/ سبتمبر ١٩٨٨، وفخامة الرئيس العماد ميشال عون يحمل بين يديه كرة النار، وهو لم يتخلّ أو يتراخَ عن حمل المسؤولية حتى في أشد المراحل خطراً، التي مرت على لبنان، وأخيراً وإبّان غياب رئيس الحكومة القسري في السعودية، لم يتوانَ الرئيس عن حمل كرة النار والخروج بالبلاد إلى برّ الأمان.
والرئيس نفسه اليوم حرّك مياه التأليف الراكدة وسرّع وتيرة المشاورات التي أدت إلى مشروع تشكيل حكومة، وإن كان هذا المشروع بحاجة إلى روتشة من هنا وتعديل من هناك ليتلاءم والخط البياني الواضح الذي رسمه الرئيس لتشكيل الحكومة العتيدة، ألا وهو احترام نتائج الانتخابات واعتماد معيار واحد للتأليف. وإذا كان صحيحاً أن رئيس الحكومة المكلف هو من يشكل الحكومة، ولكن لا حكومة من دون موافقة الرئيس، فالرئيس المكلف يعرض التشكيلة ورئيس الجمهورية يوافق عليها، فقبل الطائف وبعد الطائف، توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيل ضروري وواجب لولادة الحكومة العتيدة.
* كاتب سياسي