حين تراقب تطوّر بنية الدَّين في الأردن، تلاحظ ظاهرةً لافتة: ابتداء من عام 2007-2008، تحوّلت الحكومة الأردنية من الاقتراض من الخارج الى الاقتراض بكثرة من السّوق الداخلي لتغطية العجز في الموازنة العامّة ( قبل ذلك الزمن، ومنذ الخمسينيات، كان الدين العام الأردني بأغلبه من مصادر خارجية). خلال سنواتٍ قليلة، أي مع نهاية عام 2012، كان الدّين الداخلي قد أصبح هو الغالب على ميزان القروض، بفارقٍ كبير، وقد تضاعف الدّين العام الإجمالي ــــــ خلال الفترة ذاتها ــــــ مرّتين تقريباً (من أقل من عشرة مليارات دينار الى ما يقارب العشرين ملياراً).يجب أن نتذكّر، وهذا أساسي، أنّ هذه العملية ابتدأت قبل حرب سوريا وقبل انقطاع الغاز المصري وأزمة الكهرباء (فظيعة هي الحجج التي تبثّها النّخب لتبرير تخريبها للبلاد وللتهرّب من مسؤولية أفعالها، إمّا عبر لوم الشّعب على «إسرافه» أو عبر لوم الظروف الخارجية وضربات القدر). لا يمكنك أن تصدر حكماً قبل أن تعرف تفاصيل تلك المرحلة في الأردن، وما جرى خلف الكواليس في تلك السنوات؛ ولكن ارتفاع الدين الداخلي في بلاد الجنوب، حين يحصل بهذا الشكل السريع والفجائي، فهو غالباً ما يؤشّر الى صفقةٍ بين الحكومة من ناحية وبين المصارف وأصحاب الأموال من ناحية أخرى: تمويل انفاق الحكومة مقابل فوائد مجزية، ومنفذٌ لتوظيف الأموال بشكلٍ مضمون. يجب أن نتذكّر ايضاً أن هذا الاقتراض الداخلي كان يجري في سنوات الأزمة المالية العالمية وسياسات التسهيل الكمّي في الغرب، حين انخفض معدّل الفوائد في اميركا واوروبا الى ما يقارب الصّفر؛ أي أن الكثير من الرساميل المحلية والعربية كانت تبحث عن بابٍ للاستثمار المجدي. بل كان يكفي (لو كنت مصرفاً أو متموّلاً) أن تقترض من اميركا بالدولار بفائدة اثنين في المئة مثلاً، ثم تقرضها الى الحكومة الأردنية بسبعة في المئة، حتى تحقّق أرباحا كبيرة من دون عملٍ أو مخاطر.
في الوقت ذاته، فإنّ الدورة هنا تتعدّى «صفقة» الاقتراض ومصالح المصارف وكبار المودعين، بل إنّ مصادر التمويل هذه ــــــ وقد أُتيحت للحكومة ــــــ تسمح بالتوسّع في الإنفاق، وإطلاق مشاريعٍ ونفقات لا يقدر البلد ــــــ في ظروفٍ طبيعية ــــــ على تحمّل كفلتها. أي أنّ القروض تتحوّل الى التزاماتٍ ومشاريع وصفقات يستفيد منها، ايضاً، المتموّلون والمتعهّدون ومن يساندهم في الدّولة، ويزداد الاستهلاك والنموّ وتبدو الأرقام مشجّعة (من المشاكل الكثيرة في الاعتماد على معيار النمو الاقتصادي أنّه لا يحتسب الكلفة المستقبلية للنمو الحاصل اليوم، أي أن في وسعي أن اقترض بفائدة مليون في المئة، ولكن بفترة سماح لثلاث سنوات، ثم أنفق هذا المال على استيراد سيارات وساعات سويسرية، وسيظهر هذا النشاط على هيئة نموٍّ واستهلاكٍ وعائدات للدولة، ويمكنني أن أزعم أن اقتصادي يسير على أحسن ما يرام ــــــ حتى تبدأ الأقساط بالاستحقاق). منذ عام 2013، بدأ المسؤولون الأردنيون بتحويل الدين العام الدّاخلي، مجدّداً، الى قروضٍ وسنداتٍ تُباع في الخارج، وهذا يحصل ايضاً (كما في لبنان) لأنّ كلفة الدين الداخلي أصبحت مرتفعة للغاية، فتقترض من الأسواق العالمية حتى تدفع أقساط المتموّلين والمصارف «الوطنية» والفوائد. في هذه الأثناء، أصبح الدّين العام الأردني يُقارب حجم الناتج الوطني بأكمله.

عيوب الاستدانة
حين تناقش في حالةٍ بلدٍ مثل لبنان أو الأردن أو اليونان، انضمّ الى نادي الدّول المفلسة، فإنّ هناك أمراً أساسيّاً (وان كان صعباً) يجب حسمه من البداية: على المواطنين في هذه الدّول أن يفهموا أنّهم (بصرف النظر عن الأسباب ومن المسؤول) لن يتمكّنوا، ابداً، من دفع الدّين العام الذي تراكم عليهم. وكلّما وصلوا الى هذه القناعة بشكلٍ أبكر كلّما كان ذلك أفضل وأقلّ كلفةً على البلد والمجتمع. الأمثلة من حولنا كثيرة، منذ صدمة الدّين الأولى في السبعينيات، والخلاصة واضحة: لا يوجد بلدٌ نامٍ، ليس فيه موارد نفطية كبيرة، يقدر على سداد ديونٍِ بهذا الحجم عبر استخراجها من مجتمعه؛ والنتيجة ــــــ إن حاولت ــــــ ستكون إفقار النّاس تدريجياً تحت عبء الديون والضرائب. جرّبت بريطانيا أن تفي بدينها الكبير ــــــ بعد الحروب ضد نابليون ــــــ فاستمرّت بتسديد الأقساط لمدةٍ تقارب القرن (ولكن بريطانيا كانت امبراطورية، ولديها فوائض هائلة وموارد تسمح لها بالتعايش مع دينٍ كبير، ونحن لسنا بريطانيا. وحتى في حالة بريطانيا العظمى، فإنّ الدّين العام لم يُطفأ حتى حلّت الحرب العالمية الأولى، وحاق بالبشرية الدّمار وأصبح المال ورقاً، وأكل التضخّم الدّين).
من الأمور التي غرسها فيّ والدي هي النفور الشديد من فكرة الاستدانة، وبشكلٍ له مسحةٌ أخلاقية، أي أن الدَّين هو «عيب»، كالقمار أو الكذب. لا يجب أن تستدين، ولو مكرهاً، حتّى في حالات الاضطرار القصوى؛ كرامتك هي في نقصٍ طالما انت مَدين، ولا يحقّ لك أن تنام مرتاحاً، أو أن تعيش حياتك بشكلٍ طبيعيّ وفوق رأسك دَينٌ وأقساط حتّى تسدّدها وترجع حرّاً (في المجتمعات الزراعية، من اوروبا الاقطاعية الى بلادنا، كان الوقوع تحت الدّين، والعجز عن سداده، هو الخوف الأكبر لدى الفلّاح والتهديد الأساسي لكيانه واستقلاليته. أما في العالم الرأسمالي الحديث، فقد قامت الثقافة بتطبيع المواطن مع فكرة الاستدانة والحياة مع القروض).
إن كانت الاستدانة إشكالية على المستوى الفردي، فهي أخطر بكثير على مستوى الدّول، فلا أسهل من الوقوع في مصيدة الدّين. حين تستدين، انت لست تنفق أموالاً لا تملكها فحسب، بل انت ترتّب على نفسك فوائد وكلفة مستقبليّة. فلو لم تكن هذه القروض لأسبابٍ مجدية ومدروسة لأقصى الحدود، ولها عوائد أكبر بكثير من الفوائد المترتّبة عليها، فأنت ستنزلق بسهولة الى مصيرٍ بائس (لهذه الأسباب كانت الحكومات، قبل توافر السيولة في الأسواق العالمية، حذرة للغاية من معدّلات العجز والانفاق، فهي تعرف أنّها، بعد هامشٍ قليل، لن تجد من يقرضها، وستضطر الى خفض الانفاق فوراً وبأي طريقةٍ، أو تهتزّ العملة وتنخفض). الآن، أغلق عينيك لثانية، وتخيّل طاقم الحكّام في الأردن أو لبنان وهو يتّخذ هذه القرارات الحسّاسة، وكيفية انفاق الأموال وتنفيذ المشاريع، وستفهم بسهولة كيف وقعنا في حفرة الدَّين.
هذا لا يعني أنّ الأردن سيفلس وينهار مالياً غداً، أو في وقتٍ قريب، وهذا جزءٌ من المشكلة. على العكس، من الممكن أن يحصل للأردن ما حصل للبنان، وأن يجرّوه على طريق الأقساط والتقشّف لعشرين سنةٍ، يتخلّلها مساعدات ومؤتمرات دولية و«حبوب تقوية» تشتري مزيداً من الوقت. الإشكال هو في الكلفة التي يدفعها المجتمع خلال مرحلة «الاستخراج» هذه، وما هو الهدف النهائي؟ بحسب خطة الحكومة الأردنية وصندوق النّقد، فإنّ إجراءات التقشّف ورفع الدّعم وفرض المزيد من الضرائب والرسوم هي جزءٌ من استراتيجيّة أقرّت عام 2016 للتعامل مع الدّين. وما الهدف من كلّ هذا التقشّف؟ أن ينخفض حجم الدين الى الناتج العام من 95 بالمئة الى 81.7 بالمئة. وبعدها ماذا؟ خمس سنواتٍ أخرى حتّى يصبح الدّين العام «فقط» 70% من الناتج الأردني؟ وماذا سيحصل للمجتمع بعد عشر سنواتٍ من التقشّف، وزيادة كلفة الطعام والخدمات على الفقراء، وتقليص الاستثمار في التعليم الرسمي والنمو الانتاجي؟
الجواب سهل: سيحصل ما حصل للبنان في العقدين الماضيين. إفقارٌ للأغلبية (من كان في الوسط أصبح على الحافة وحياته قلقة، ومن كان على الحافة أصبح فقيراً؛ وأولاد الفقراء الذين كانت لهم «فرصة» تعليمٍ مجاني، يدخلهم السوق الحديث على قدر المساواة مع غيرهم ويسمح لهم بالترقي الطبقي، أصبحوا خارج المعادلة ومحكومٌ عليهم بالفقر والجهل والحظوظ الدنيا في الحياة). هناك فئةٌ ثانية ستنفر من البلد وتؤسس حياتها في الخارج. وهناك فئةٌ ثالثة: قلّة من حولك استفادوا من النظام الجديد، سيصعدون بشكلٍ سريعٍ، ويحظون بمستوى انفاقٍ واستهلاك لم يحلم به الجيل السابق لهم، أو حتى الأميركيون الموسرون. هذا الإفقار وتجويف المجتمع و«عكس التنمية» (بتعبير علي القادري) هو الخطر الحقيقي الذي يواجه الأوطان، وليس صورتنا أمام المصارف العالمية وبيوت المال.
لهذه الأسباب، كان أول أو ثاني مقال أكتبه في حياتي عن بلدي، لبنان، مكرّساً لعرض قضية الإفلاس وأنها الحلّ الوحيد والأمثل والذي لا يجب تأجيله. ولو أنّنا، حقّاً، أشهرنا إفلاسنا (مع بعض التخطيط والذكاء) قبل عشر سنوات، لكنّا انتهينا اليوم، وكنا خرجنا من تلك المرحلة وآثارها الى اقتصادٍ مبنيٍّ على أسسٍ جديدة ــــــ ولكن لا رأي لمن لا يُطاع.

كلفة النموذج
من الممكن أن ننسج نظريةً تفيد بأنّ «النموذج الأردني» (أي الاقتصاد السياسي القائم، منذ الخمسينيات، على مزيجٍ من العجز المزمن والمساعدات وتحويلات المغتربين) قد وصل الى أزمته منذ عام 1989، وهو يعيش مذّاك على شراء الوقت. أزمة أواخر الثمانينيات، باختصار، نتجت عن صدمة نفطيّة ابتدأت عام 1986، حين انخفضت أسعار النفط الى الحضيض، وتوقّفت المساعدات العربية عن الأردن، وتقلّصت التحويلات من الخارج، فانكشفت هشاشة النظام وتهاوت العملة وعجزت الدولة عن دفع مصاريفها وارتفع الدين العام الى مستويات قياسية. هنا ايضاً، لا تهمّ الأسباب، وهي قد تكون أنّ نظاماً اقتصاديا لتحصيل الريع وتوزيعه في بلدٍ عدده مليوني ساكن لا يصلح لبلدٍ أصبح قاطنوه يقاربون العشرة ملايين؛ النتيجة واحدة، وهي أن النموذج قد استنفد نفسه ولم يعد قادراً على الاستمرار.
قد يقول قائلٌ بأنّ أزمة اليوم تشبه أزمة أواخر الثمانينيات (صدمة نفطية خارجيّة، أزمة دين، مشروع لبرلة مع صندوق النقد، الخ) ولكن التاريخ لا يدور في دوائر، والسّياق اليوم مختلفٌ تماماً. عام 1989 كنّا في بداية مرحلة النّزف واليوم أصبحنا في آخرها. حتّى نشرح بوضوحٍ أكثر؛ عمليّة «شراء الوقت» واستمرارية النمط الاقتصادي القديم كان يتمّ، مثل الدّين العام بالضّبط، عبر التسييل والتدمير، في الداخل والخارج. أُعفيت الحكومة من أكثر ديونها بعد مؤتمر مدريد وسيرها في ركاب عملية السلام والتطبيع، ولكنّك ستسالم اسرائيل مرّةً واحدة. غطّت الحكومة العجز في الألفينات عبر التخصيص وبيع المؤسسات العامّة، ولكنّها بيعت ولم تعد ملكك الى الأبد. كما أنّ الحكومة حصلت على مساعداتٍ كبيرةٍ ودفقٍ استثماري بعد عام 2003 بفضل دورها في غزو العراق، ولكنّك خسرت العراق (والعراق كان سوقه مفتوحا للأردن، ويستورد عبره، ويقدّم له النفط بأسعارٍ تفضيليّة ـــــــ واستيراد الطاقة وانتاج الكهرباء هما من أكبر عوامل العجز التجاري وارتفاع كلفة الأعمال في الأردن). انت تحتاج، مع الزمن، الى دعمٍ أكبر، ولكن خياراتك أقلّ ـــــ لم يعد هناك عراق، ولم تعد هناك سوريا، وعليك أن تعتمد حصراً على اميركا والسعودية والامارات.
هناك عاملٌ آخر، كما تقول الأكاديمية الاميركية لوري براند، فإنّ الملك حسين كان يفهم الاقتصاد على أنّه عاملٌ استراتيجي، مسألة أمن قومي، بالنسبة الى نظامٍ كنظامه، ولكن الابن لا يشبه أباه. قُبيل حرب العراق، كتب الباحث سكوت غرينوود مقارناً بين سياسة الملكين (ميدل ايست جورنال، ربيع 2003) وتعاملهما مع الإصلاحات. حسين، يقول غرينوود، كان «براغماتياً» في موضوع اللبرلة والعلاقة مع صندوق النقد وخططه. دليله الأساسي لم يكن آدم سميث، بل الاحتياجات السياسية لنظامه، وضرورة إرضاء المكوّنين الأساسيين اللذين تستند عليهما الملكية: عشائر شرقي الأردن، الذين يقابلهم الحكم بوظائف ومستوى حياةٍ مقبولٍ وضرائب قليلة، ورجال الأعمال الذين يضعون أموالهم في المصارف والاقتصاد. كان الملك حسين يفهم أنّ الإصلاحات الليبرالية، لو ذهبت الى مداها، فهي ستقوّض هذه «الصفقة». لهذا السبب، بحسب غرينوود، كان حسين ينفّذ الإصلاحات بشكلٍ جزئي، أو يؤجل البعض ويضع شروطاً على التخصيص لضمان استمرار التوظيف، الخ…
أمّا الملك عبد الله الثاني، فهو ينفّذ الإصلاحات بقناعة، بل إنّه اصطدم مع رئيس وزرائه الأوّل، عبد الرؤوف الروابدة، لأنّه رفض المضي قدماً في إصلاحاتٍ هيكليةٍ عميقة. يكتب غرينوود أنّ الأزمة استمرت لعامٍ كامل قبل أن يأتي رئيس الوزراء الجديد، علي ابو الراغب، الذي كان يشاطر الملك نظرته الى تحرير الاقتصاد. إن كنت تستغرب، في الأردن تحديداً، وجود سمةٍ عامة بين الكثير من التكنوقراط الطامحين: مظهرٌ غربيّ مبتسم على الدوام، الشهادة من الجامعة الغربية، خطابٌ تفاؤلي ليبرالي يشبه كلام التنمية البشريّة، على طريقة «نعم نستطيع» وأن الأردن يمكن أن يصبح سنغافورة، وعمىً كامل عن سياسات بلدهم في محيطه وتأثيرها على من حولهم، فهذا يفسّره ابن خلدون الذي تكلّم عن تطبّع البطانة بأطباع ملوكهم، وتقليدهم بلا وعيٍ لسلوكه ولغته، وتقمّصهم لأفكاره وأولوياته.

خاتمة
لهذه الأسباب كلّها، لا يبدو الكلام على شخصية رئيس الوزراء أو الكلام عن «إعطائه فرصة» واقعياً، بمعنى أنّ السؤال الحقيقي ليس هنا. داعمك الخارجي، بالفعل، قد لا يريدك أن «تنهار»، ولكن هذا لا يعني أنه سيجعلك تعيش حياةً جيّدة. إلغاء ضريبةٍ، في هذا السياق، ليس إنجازاً، بل هو تأجيلٌ للمشكلة. المطالبة بـ«تغيير النهج الاقتصادي» سهل، ولكن ماذا يعني هذا الكلام تحديداً؟ وكيف تخلق «اقتصاداً» انتاجياً في بلدٍ يرزح تحت خدمة الدّين، وكلفة كلّ شيءٍ فيه مرتفعة؟ المسألة ليست فقط في أن الأردن لا يمكن أن يصبح سنغافورةِ، المسألة هي أنك ــــــ مع هذه الرسوم والضرائب وأقساط الديون ــــــ تضمن أن الأردن لن يصبح يوماً سنغافورة (أو حتى سريلانكا)، بصرف النظر عن السياسات وشخصية الرئيس.
العدالة في التوزيع، التي يطالب بها الكثيرون، تأتي من مصدرين لا ثالث لهما؛ إمّا عبر توزيع الثروة الوطنية، أو إعادة التوزيع عبر الضرائب. في الأردن، لم تعد هناك ثروة وقطاعات منتجة في يد القطاع العام (والثروة الوطنية ليست فقط النفط والفوسفات، بل هي ايضاً المطار والمرفأ والكهرباء والاتصالات ومشاريع صناعية وزراعية، أي كل ما تمّ تسليمه الى القطاع الخاص والأجانب)، والضرائب في الأردن منخفضة على المداخيل والأرباح ــــــ وهل تعتقد أن في وسعك، بسهولة، أن تستأثر بثروة الأغنياء عبر قانون؟ هم سيرحلون من البلد ويأخذون أموالهم معهم.
من هنا، يمكنك ــــــ كما في لبنان ــــــ أن تنتظر حتى يصل النظام الى أزمته الكبرى، أو «صدفةً جيدة» تطيل في عمره سنواتٍ إضافية، وأن تنزف ببطءٍ في الانتظار. ولكن طريق التغيير الفعلي، مع الأسف، هو الذي لن يطرقه أحد، فالنّظام القائم ــــــ ببساطة ــــــ غير قادرٍ عليه. هذا يبدأ بضرورة التحرّر من جبل الدّين واسترداد الثروة الوطنية والمؤسسات والموارد، ولو عبر التأميم، حتى يتمّ إنفاقها على الشّعب وحاجاته. هذا يفترض ايضاً نظرة مختلفة الى موقعك في المنطقة والعالم ودورك تجاه فلسطين، وفهم الحاجة الى التكامل مع إقليمك، ومصلحتك في أن تزدهر دوله وأن تكون سيّدة وقويّة؛ وليس انتظار الأزمة والغزو والحرب في الجوار على أمل أن تستفيد من مآسي الغير (فكلّ من حولك قد طحنته الحرب والمأساة، ولم يتبقّ سواك).