كان الغزو الصهيوني لفلسطين، الذي استهل بطريقة غير منظمة في بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر وتعاظمت وتيرتُه مع نهاية القرن وبداية القرن العشرين، قد وصل ذروتَه إبان الغزو والاحتلال البريطاني قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، مدشناً بذلك الحقبة الأولى لما سيسمى في ما بعد بـ«النكبة». فبينما أطلق المفكر السوري قسطنطين زريق في شهر آب/ أغسطس ١٩٤٨ وصف «النكبة» على ما كان يحل بفلسطين وشعبها في تلك السنة (كان شهر آب/ أغسطس ١٩٤٨ هو الشهر الذي أصدر زريق خلاله كتابه الشهير المعنون معنى النكبة)، أطلق آخرون وصف «الكارثة» على ما حدث، كما فعل الضابط الأردني وحاكم القدس الشرقية عبدالله التلّ في كتابه كارثة فلسطين الصادر عام ١٩٥٩، أو وصفَ «مأساة»، كما فعل المفكر والقومي الفلسطيني محمد عزة دروزة في كتابه مأساة فلسطين، الصادر عام ١٩٥٩ أيضاً. لكن تسمية ما حصل بـ«النكبة» شاع وأصبح الوصف الأكثر دقة لمعاناة الفلسطينيين. ففي كتابه الضخم المؤلّف من عدة مجلدات الذي أرّخ فيه لأحداث عام ١٩٤٧ إلى عام ١٩٥٢، أصرّ المفكر والصحافي الفلسطيني عارف العارف، الذي شغل منصب رئيس بلدية القدس الشرقية أيضاً، على استخدام الوصف كعنوان لكتابه. يستهل العارف كتابه بالتساؤل: «وكيف لا أسميه (النكبة)؟ وقد نُكبنا، نحن معاشر العرب عامة والفلسطينيين خاصة... فسُلبنا وطننا، وطردنا من ديارنا، وفقدنا عدداً كبيراً من أبنائنا وأفلاذ أكبادنا، وأصبنا فوق هذا وذاك بكرامتنا في الصميم».فإذا كانت أهم سمات النكبة هي سرقة الأرضِ الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني منها وإخضاع الأراضي التي لم تتم سرقتها بعد ومَن تبقّى من الشعب الذي لم يتم طرده بعد للاضطهاد والسيطرة التامة، فإنه، وكما حاججتُ منذ عقد من الزمن، من غير الدقيق البتة أن نعتبر النكبة حدثاً منفصلاً يشير إلى حرب عام ١٩٤٨ وتداعياتها، بل ينبغي أن يتم تأريخ النكبة كعملية مستمرة بدأت منذ مئة وأربعين عاماً، استهلت بوصول الغزاة الصهاينة الأوائل واستيطانهم أرضِ فلسطين في بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر. بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ كيف أن قادة إسرائيل لا يزالون يُتحفون شعبهم وبقية العالم بالتأكيد على أن النكبة ليست عملية ماضية أو حاضرة لسرقة أرضِ فلسطين وطرد شعبها، بل بأنها عملية ينبغي أن تستمر من أجل الحفاظ على بقاء دولة إسرائيل في المستقبل. وبذلك يصبح جليّاً أن النكبة ليست حدثاً ماضياً أو عملية مستمرة في الحاضر، بل على أنها مُصاب ينتظره بالتأكيد مستقبل يتم التخطيط له. وإن كان بالفعل الأمر كذلك، فما هو، يا ترى، هذا المستقبل؟
لم يتوقف الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، منذ تخلصه من راعيه الكولونيالي في عام ١٩٤٨ وإقامة مستعمرته الاستيطانية كدولة، عن القلق من إمكانية محو الفلسطينيين والعرب لآثار النكبة في المستقبل. فإذا كان المثقفون والساسة الفلسطينيون البراغماتيون، الليبراليون والنيوليبراليون، قد استجابوا في العقود الثلاثة الأخيرة للدعاية الصهيونية والإمبريالية بأن إسرائيل باقية ولن تزول وبأن نكبة الفلسطينيين حدث تاريخي لا يمكن إزالة آثاره، فلا يوافقهم قادة المستعمرة الاستيطانية اليهودية في قناعتهم هذه.
بل، في حقيقة الأمر، لا يتوقف قادة إسرائيل وساستها لحظة واحدة عن التخطيط المستمر لمنع إزالة ومحو آثار النكبة وتداعياتها. فالاحتفالات الجارية الآن بالذكرى السبعين لمُصاب الشعب الفلسطيني يملؤها القلق والارتياب. ففي أثناء التحضيرات للاحتفالات، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً عن مخاوفه وآماله. وقد أعلن أثناء انعقاد جلسة من الجلسات الدورية لدراسة التوراة في بيت رئيس الوزراء في القدس الغربية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بأنه: «ينبغي على إسرائيل الآن أن تجهّز نفسها لتهديدات مستقبلية لوجودها إن كانت تصبو للاحتفال بعيد ميلادها المئة». وأضاف، بحسب صحيفة «هآرتس»، «لقد امتد عمر المملكة [اليهودية] الحشمونائية [القديمة] ثمانين عاماً فقط»، وبأنه «يعمل على ضمان تخطي إسرائيل هذه المدة وأن تعمِّرَ كي تحتفل بعيد ميلادها المئة».
لكن سياق جلسة دراسة التوراة سياق كاشف، حيث إنها ليست سمة من سمات قادة المستعمرة الاستيطانية الذين غدوا أكثر تديّناً مؤخراً، بل هي طقس كان قد بدأَه ديفيد بن غوريون وقام نتنياهو بالعودة إليه منذ أربع سنوات. فإذا كان بن غوريون والقادة اليهود الصهاينة العلمانيون، شأنهم شأن المسيحيين العلمانيين الصهاينة لكن على النقيض من المسيحيين البروتستانت الصهاينة، يعتبرون التوراة كتاب تاريخ وجغرافيا ألهمهم باستعمار فلسطين واستيطانها، فإن نتنياهو وقادة المستعمرة الاستيطانية اليهود المتدينين يرَونها اليوم على أنها تفويض ديني وإلهي لاستعمار فلسطين.
لا يتوقف قادة إسرائيل عن التخطيط المستمر لمنع إزالة ومحو آثار النكبة وتداعياتها


وبينما يرى قادة إسرائيل أن الخطر الذي يتهدّدها هو إزالة آثار النكبة، يقوم استراتيجيو المستعمرة بالتخطيط لديمومتها المستقبلية. أما «صفقة القرن» التي يتوعدنا بها دونالد ترامب، فهي أحدث حملة علاقات عامة تصب في هذا الاتجاه. حيث إن صفقةَ القرن ليست إلا اتفاقية أوسلو (وإن كانت النسخة الأخيرة منها أسوأ من سابقتها) التي ضمنت لإسرائيل مستقبل المستعمرة الاستيطانية وأبدية النكبة الفلسطينية.
تتميّز خطط إسرائيل بأبعاد متعددة، تتضمن المحو التام للنكبة من الذاكرة الشعبية، والقضاء على الشهود، لا سيما اللاجئين الذين نجوا من القتل، والقيام في الوقت نفسه بانتزاع اعتراف من الناجين الذين لا تستطيع القضاء عليهم بأن لإسرائيل وللصهيونية الحق بارتكاب النكبة وبأن الفلسطينيين هم المسؤولون عما أصابهم. يشعر نتنياهو بقلق كبير من هذه الناحية، حيث إنه أعلن أثناء جلسة دراسة التوراة ذاتها بأنه ينبغي تنفيذ الشروط التي ستضمن مستقبل إسرائيل والنكبة. يقول: «على أي شخص يتحدث عن عملية السلام أن يتحدث أولاً على أنه ينبغي على [الفلسطينيين] أن يعترفوا بإسرائيل: دولة الشعب اليهودي». ستزودنا مراجعة الاستراتيجية الصهيونية لارتكاب نكبة الماضي والحاضر ببضع أدلة حول استراتيجية إسرائيل الحالية لمستقبلها، على الأقل إلى أن تبلغ المستعمرة الاستيطانية عيد ميلادها المئة.
لقد شكّلت عملية التحديث العثمانية، التي تضمنت القانون الجديد لعام ١٨٥٨ الذي حوّل الأراضي الأميرية الممتلكة من الدولة العثمانية إلى ملكية خاصة، المشهد الافتتاحي لخسارة الفلسطينيين لأرضهم وطردهم منها بقوة القانون. فعندما رفض الفلاحون الفلسطينيون تسجيل أراضيهم بأسمائهم، بعد خصخصتها، خوفاً من الضرائب السلطانية، بيعت أراضيهم بالمزاد العلني خلال العقد التالي لتجّار المدن، من بيروت والقدس ومدن أخرى. وقد مكّن هذا التحوّل المستعمرين الصهاينة الأوروبيين من الهرولة إلى فلسطين. وصلت الموجة الأولى عام ١٨٦٨. وكان المستعمرون من البروتستانت الألمان الألفيين، وقد أطلقوا على أنفسهم اسم «التمبلارز»، أو الهيكليين، وأقاموا عدة مستوطنات في البلاد لتسريع المجيء الثاني للمسيح. وفي هذه الأثناء، باع أصحاب الأراضي العرب الغائبون الأراضي لعائلة روثتشايلد التي تبرعت بها لجيل جديد من اليهود الروس أطلقوا على أنفسهم اسم «أحباء صهيون» كي يقيموا مستوطناتهم. وقد زوّد المستوطنون الصهاينة الألمان المستوطنين اليهود بخبرتهم حيث إنهم كانوا قد اكتسبوا تجربة خمسة عشر عاماً من الاستعمار الاستيطاني قبل وصول الأخيرين. وحيث إن مصير المستوطنين الألمان كان قد حُسِمَ في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث استولى الصهاينة اليهود على أراضيهم وقام البريطانيون، والإسرائيليون من بعدهم، بطردهم من البلاد، كان المصير الذي ينتظر المستوطنين اليهود أكثر ازدهاراً.
كانت علاقة المستوطنين الألمان مع الفلسطينيين جيدة نسبياً، وهو ما لم يكن الحال مع المستوطنين اليهود الذين أصروا على طرد الفلاحين الفلسطينيين من الأراضي التي اشتروها. وكان بعض قادة المستوطنين اليهود المسؤولون عن طرد الفلسطينيين قد شعروا بوخز الضمير. فقد أورد المستوطن اليهودي البولندي وخبير الزراعة حاييم كالفاريسكي في عام ١٩٢٠، عندما كان أحد مدراء جمعية الاستعمار اليهودية، وهي إحدى أذرع الحركة الصهيونية، بأنه نتيجة دوره بطرد الفلسطينيين من أراضيهم لمدة ٢٥ عاماً، أي منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، «ظهرت مسألة العرب أمامي بجدية لأول مرة فور قيامي بشراء أول قطعة أرض هنا. كان علي طرد الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها كي يستوطنها أخوتي... ولم يتوقف نواح [الفلسطينيين] الذي ملأه الألم من الرنين في أذني لفترة طويلة من بعدها». عبّر كالفاريسكي عن شعوره بالذنب للمجلس الصهيوني المؤقت بأنه لم يكن أمامه إلا خيار طردهم لأن «جمهور اليهود طالبني بذلك».
على الرغم من أن طرد الفلسطينيين من أراضيهم بعد أن اشتراها الصهاينة كان قانونياً بحسب القانون العثماني، أقام الاحتلال البريطاني نظام طرد جديداً بعيد سيطرته على البلاد. فكان قانون المواطنة الفلسطينية الذي فرضه البريطانيون على البلاد في عام ١٩٢٥ من أوائل وأهم الأدوات التي استخدمها البريطانيون لتجريد الفلسطينيين من وطنهم، ما أدى إلى طرد عشرات الآلاف منهم. فبعد توقيع معاهدة لوزان في عام ١٩٢٣، والتي حددت وضع المناطق التي كانت خاضعة للحكم العثماني بعد الحرب العالمية الأولى، منحت المادة الثانية من قانون المواطنة الفلسطيني الآلاف من المغتربين الفلسطينيين فترة سنتين لا أكثر للتقدم بطلب لحيازة الجنسية الفلسطينية، وهي مدة اختزلها المندوب السامي البريطاني في فلسطين لأقل من تسعة أشهر. وكما بيّن المؤرخ القانوني الفلسطيني معتز قفيشة: «لم تكن هذه الفترة التي تقل عن تسعة أشهر... كافية للفلسطينيين الذين كانوا يعملون أو يَدْرُسون في الغربة للعودة إلى الوطن. ونتيجة ذلك غدا كل هؤلاء المغتربون بلا جنسية. فمن ناحية، كانوا قد خسروا جنسيتهم التركية [العثمانية] بعد توقيع معاهدة لوزان، ومن ناحية أخرى، لم يكن باستطاعتهم الحصول على الجنسية الفلسطينية نتيجة قانون المواطنة». ويقدّر عدد من تم تجريدهم من فلسطينيتهم بهذه الصورة أربعين ألف شخص على الأقل.
كان السجال القائم بين الصهاينة منذ تسعينيات القرن التاسع عشر بخصوص ما أسموه بعملية «نقل» الفلسطينيين أو «الترانسفير» سجالاً ثرياً بالتفاصيل، وعكَس إجماعاً بين الأكثرية من الصهاينة العماليين والصهاينة التصحيحيين (الذين انفصلوا عنهم فيما بعد وأقاموا فصيلهم)، لكن لم يكن هنالك مفر من النتيجة التي وصلوا إليها: ينبغي طرد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم. لكن كي يقوموا بذلك، كان على الصهاينة أن يستولوا على السيادة أولاً. وقد كانت هذه هي خطة ثيودور هرتسل الأصلية في كتيبه دولة اليهود الصادر عام ١٨٩٦. يقول هرتسل: «سيؤول تسلل [اليهود] إلى نهايةٍ سيئة. فتسللهم سيستمر حتى اللحظة التي لا مهرب منها حين يشعر السكان الأصليون بالخطر يتهددهم ويرغمون الحكومة على إيقاف استمرار هجرة اليهود. ولذلك ليس ثمة نفع من الهجرة إلا إذا امتلكنا الحق السيادي لمواصلة هجرة كهذه».
وافق القادة الصهاينة هرتسل في رأيه هذا. وكان قائد فصيل الصهاينة التصحيحيين فلاديمير جابوتنسكي واضحاً في هذا الخصوص، بينما كان ديفيد بن غوريون، الذي حرص على أهمية الدعاية السياسية الموجهة، أكثر حذراً في كيفية تعبيره عن هذه الخطة لحين أصبح طرد الفلسطينيين السياسة الرسمية للقوة السيادية. وهنا استجاب الغزاة البريطانيون عبر إصدارهم تقرير لجنة بيل في عام ١٩٣٧ أثناء إعادة اجتياحهم لفلسطين لقمع الثورة الفلسطينية الكبرى. وقد كان هذا التقرير الحكومي أول اقتراحٍ بريطاني رسمي لسرقة أراضي الفلسطينيين وطرد مئات الآلاف منهم.
وقد طالب التقرير بتقسيم فلسطين بين المستوطنين الأوروبيين اليهود وأهل البلاد الفلسطينيين واقترحوا أنه ينبغي لإنجاز ذلك سرقة أراضي الفلسطينيين وطردهم. وأشار التقرير إلى سابقة «التبادل» السكاني بين الأتراك واليونانيين في عام ١٩٢٣. أما اقتراح «التبادل» السكاني في فلسطين، فكان سيتطلب طرد مئتين وخمس وعشرين ألف فلسطيني من الدولة اليهودية المقترحة، وألف ومئتين وخمسين يهودياً من الدولة العربية المقترحة. وبما أن الفلسطينيين كانوا يملكون تقريباً ثلاثة أضعاف الأراضي الزراعية في الدولة اليهودية المقترحة.
وفي حين كان اليهود يمتلكون ٥,٦ في المئة من أراضي فلسطين في هذه الفترة (استملكها اليهود عبر شرائها وعن طريق الاحتلال البريطاني الذي منحهم أراضي) والتي تركزت في مناطق الساحل، (اقترح تقرير بيل إعطاء اليهود ثلث مساحة البلاد، بما فيها منطقة الجليل التي كان الفلسطينيون يملكون أراضيها كاملة)، ما كان سيؤدي إلى مصادرة أراضي الفلسطينيين كاملةً بحسب التقرير. وعلى ضوء الاقتراح البريطاني الرسمي بطرد الفلسطينيين، أفضى بن غوريون في كتاب يومياته بأنه «يمكن للنقل القسري للعرب من وديان الدولة اليهودية المقترحة أن يمنحنا شيئاً لم نملكْه أبداً، حتى عندما كنا مستقلين في عهد الهيكل الأول والهيكل الثاني... [أي أن تكون منطقة الجليل تقريباً خاليةً من الأغيار، أو غير اليهود]. لقد مُنحنا فرصة لم نكن نجرؤ أن نحلم بها حتى في أكثر خيالاتنا جموحاً. فهذه أكثر من دولة أو حكومة أو سيادة... هذا تمكين وتوحيد قومي في وطن حر».
وقد أعلنت الحكومة البريطانية بعد إصدار التقرير أنها موافقة على استنتاجاته وكانت تسعى لتقديمه لعصبة الأمم لتوافق بدورها على تقسيم البلاد. لكن البريطانيين اضطروا في آخر المطاف لرفض خطة التقرير كونها ستتطلب الطرد القسري للفلسطينيين، والذي كان يتنافى مع شروط عصبة الأمم، عدا عن إشكالات أخرى كان سيتسبب بها.
لكن الصهاينة كانوا على حق عندما اعتبروا أن تقرير لجنة بيل يمنحهم الفرصة والحق بأن يكونوا أكثر صراحة بخصوص خططهم لسرقة الأراضي وطرد السكان. فقد أعلن بن غوريون في حزيران/ يونيو ١٩٣٨، معبراً عن توافقه بالرأي مع دعوة جابوتنسكي المبكرة للطرد الجماعي للفلسطينيين: «إني أدعم الطرد القسري، ولا أرى أي شبهة غير أخلاقية فيه». وقد جاء إعلانه هذا بعد تبني الوكالة اليهودية لهذه السياسة – والوكالة اليهودية كانت المنظمة الصهيونية الرئيسة المسؤولة عن الاستعمار اليهودي لفلسطين. وقد أَنشَأت الوكالة أول «لجنة لنقل السكان» في تشرين الثاني/ نوفمبر١٩٣٧ لوضع استراتيجية الطرد القسري للفلسطينيين. وكان أهم عضو في اللجنة يوزف فايتس، مدير «دائرة الاستيطان» في الوكالة اليهودية. ولم يكن هذا بمحض الصدفة. فبما أن الاستعمار الاستيطاني وطرد السكان الأصليين جزءان من السياسة ذاتها، كان رأي فايتس ودوره مركزيين للاثنين. وقد عبّر فايتس عن هذا الأمر بإعلان معروف. قال: «فيما بيننا الأمر واضح بأنه ليس هنالك مكان للشعبين معاً في هذا البلد... وليس هنالك سبيل سوى نقل العرب من هنا إلى البلاد المجاورة. كلهم، ما عدا ربما بيت لحم، والناصرة، والقدس القديمة. لا ينبغي الإبقاءُ على أية قرية أو أية عشيرة». وكما أفاد المؤرخ الفلسطيني، نور مصالحة، أنشأت الوكالة اليهودية لجنة ثانية «لنقل السكان» في عام ١٩٤١، ولجنة ثالثة أثناء الغزو الصهيوني لفلسطين في أيار/ مايو ١٩٤٨.
وبينما قامت الثورة الفلسطينية بتعطيل الخطة البريطانية، ولم يكن البريطانيون سيستطيعون التعامل مع انتفاضات إضافية في فلسطين بعد قيام الحرب العالمية الثانية، كان على مشروعِ طرد الفلسطينيين أن ينتظر حتى نهاية الحرب العالمية. لكن قرار التقسيم الذي أصدره مجلس عموم الأمم المتحدة في عام ١٩٤٧ قام بتقديم خطة جديدة. فإن كانت خطة لجنة بيل قائمة على سرقة الأراضي الفلسطينية، الممتلكة للدولة والممتلكة للأشخاص، وعلى طرد الفلسطينيين قسرياً، فما أوصى به قرار التقسيم كان تقسيم أراضي الدولة فيما بين سكان البلد الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، مانحاً للمستوطنين الذين شكلوا حينها ثلث السكان أكثر من نصف مساحة الأراضي. لكن، وعلى النقيض من خطة لجنة بيل، منع قرار التقسيم صراحة مصادرة الأراضي الخاصة أو طرد السكان. وما كان إلا أن قَبِلَ الصهاينة بقرار التقسيم وإن انتهكوا كل قواعده، وتعاملوا معه على أنه خطة لجنة بيل، مضافاً إليها ختم الأمم المتحدة هذه المرة.

يبدو أن نتانياهو محق في قلقه من أن إسرائيل ربما لن تبلغ المئة


وقرار التقسيم نفسه لم يكن قراراً ملزماً حيث إن مجلس الأمن لم يتبناه أو يصادق عليه، وبالتالي لم يكن يتمتع بالصفة القانونية. مع ذلك، ومن الأهمية بمكان أن نوضح ما عناه القرار بـ«الدولة اليهودية» وبـ«الدولة العربية»، حيث إن الحكومة الإسرائيلية ما تنفك تستخدم القرار على أنه يشرعن إقامتها وعن مطالبة الفلسطينيين والعالم بالاعتراف بحقها بأن تكون «دولة يهودية» لا دولة إسرائيلية لكل مواطنيها. لكن القرار كان واضحاً في المادة الثانية من الفصل الثاني بأنه «لن يكون هنالك أي نوعٍ من التمييز بين السكان على أساس العرق، أو الدين، أو اللغة، أو الجنس»، وعلى أنه «لن يسمح بمصادرة الأراضي الممتلكة لأي عربي في الدولة اليهودية (أو أي يهودي في الدولة العربية)... إلا للمنفعة العامة. وفي كل حالة مصادرة سيتم تحديد التعويض الكامل لخسارة الأرض من قبل المحكمة العليا» كما جاء في المادة الثامنة من الفصل الثاني. ولكن، عندما تم إصدار «إعلان إقامة دولة إسرائيل» في ١٤ أيار/ مايو ١٩٤٨، كان الصهاينة قد طردوا بالفعل حوالى أربعمئة وأربعين ألف فلسطيني من أراضيهم، وقاموا بطرد ثلاثمئة وستين ألف فلسطيني في الأشهر التالية. يترتب على ذلك أن الزعم الإسرائيلي بأن الصهاينة أقاموا دولة يهودية، وهي دولة فَرَضت التفوق الديموغرافي عن طريق التطهير العرقي، وفق ما نص عليه قرار التقسيم زعمٌ باطل من أساسه حيث إنهم أقاموا دولتهم بالأحرى وفق قرار لجنة بيل. ولم يكن أيضاً لزعم إسرائيل بأن يهودية دولتها تتبع نصوص قرار التقسيم أساس من الصحة، حيث إن الدولة التي أقامتها هي دولة تمنح امتيازات عرقية ودينية للمواطنين اليهود دون غيرهم على أسس قانونية ومؤسساتية.
كان قرار التقسيم، الذي تبني إسرائيل شرعيتها عليه، اقترح بداية دولة يهودية بأغلبية عربية، وتم تعديل الاقتراح تعديلاً بسيطاً في ما بعد حيث شكّل العرب خمسة وأربعين بالمئة من السكان؛ وبالتالي لم يقترح قرار التقسيم أبداً بأن تكون الدولة اليهودية خالية من العرب كلياً، كما تمنت إسرائيل أن يكون عليه الوضع، وكما يتمنى الكثير من يهود إسرائيل اليوم. بل في حقيقة الأمر، تم تقسيم فلسطين إلى ست عشرة مقاطعة، وقعت تسع منها داخل حدود الدولة اليهودية المقترحة، وكان الفلسطينيون الأغلبية السكانية في ثمان منها. وليس هنالك أي ذكر في قرار التقسيم بأن ما يعنيه القرار بـ«دولة يهودية» يسمح بالتطهير العرقي أو باستعمار أحد الشعبين للأراضي المصادرة للآخر، لا سيما أن قرار التقسيم خَطَّطَ لوجود «أقلية» كبيرة من العرب سيستمر وجودها في الدولة اليهودية، وحدّد بالتالي حقوق الأقليات في كل من الدولتين.
لم يكن هذا الوضع الديموغرافي سيؤثر على الدولة العربية، إذ إنه وفق قرار التقسيم، كانت نسبة اليهود في الدولة العربية المقترحة لا تتعدى ١,٣٦ في المئة. وبينما فهم الصهاينة تماماً تناقضات قرار التقسيم، وبناءً على ذلك، عملوا على طرد أغلبية السكان العرب من الدولة اليهودية المستقبلية وفق توصيات لجنة بيل، أخفق الصهاينة في تحويل دولتهم إلى دولة خالية تماماً من العرب، ما عقّد الأمر مع مرور الزمن. فاليوم يشكل الفلسطينيون خمس سكان إسرائيل وهم ممنوعون من الانضمام أساساً للقومية اليهودية ويعانون من تمييز قانوني ومؤسساتي كونهم ليسوا يهوداً. لقد حاجج الصهاينة، بمن فيهم المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، بأن وجود العرب في الدولة اليهودية هو ما يضطرها لتكريس عنصريتها في كل هذه القوانين. بينما لو كانت إسرائيل استطاعت طرد كافة السكان الفلسطينيين من دولتها، لم تكن ستحتاج إلا إلى قانون واحد للحفاظ على يهوديتها، وهو قانون للهجرة يضمن ذلك.
على النقيض إذاً من قرار التقسيم، ما تعنيه الدولة اليهودية لإسرائيل هو طرد أغلبية السكان العرب، ورفض عودتهم، ومصادرة أراضيهم، ووضع عشرات القوانين للتمييز ضد من تبقى منهم في البلاد. فعندما تصر إسرائيل اليوم على أنه ينبغي على السلطة الفلسطينية والدول العربية الاعتراف بحقها بأن تكون دولة يهودية، فهي لا تقصد أن يعترفوا بما أفاد به قرار التقسيم، بل وفق تعريفها هي وكيفية ممارستها لهذا التعريف على الأرض.
صمدت الخطة الصهيونية لتحقيق النكبة منذ عهد هرتسل حتى الآن. فإذا كانت توصيات لجنة بيل أول دعم حكومي غربي لهذه الخطة، أخفق قرار التقسيم في دعمها كاملة. وعلى ضوء هذا الوضع، تم تنفيذ النكبة عبر ثلاث مراحل رئيسة، سبقت الأولى قرار التقسيم، وتبعت المرحلتان الأخيرتان القرار بعد فشله بتحقيق النكبة:
ـــ المرحلة الأولى (امتدت من عام ١٨٨٢ وحتى عام ١٩٤٧): قام الصهاينة خلالها بإقامة تحالفات مع الدولة ذات السيادة (أولاً مع العثمانيين ومن ثم مع البريطانيين) وقاموا بشراء الأراضي وتم استملاكهم أراضي الدولة التي منحتها لهم دولة الانتداب البريطانية، وقاموا بطرد الفلسطينيين قانونياً عن الأراضي التي استولوا عليها وبدأوا بإقامة بنية دولة تمييزية واقتصاد تمييزي منعوا الفلسطينيين من المشاركة فيه كجزء من تحضيرهم للاستيلاء القسري على باقي الأراضي والطرد الجماعي للسكان. وفي مجال العلاقات العامة، تم تصوير الفلسطينيين المطرودين كخاسرين لم يتقبلوا خسارتهم، وأن طردهم كان قانونياً وأخلاقياً ولا يستحق الندم (بغض النظر عن تحفظات كالفاريسكي التي ذكرناها).
ـــ المرحلة الثانية (امتدت من عام ١٩٤٧ وحتى عام ١٩٩٣): غزا الصهاينة الأرض وطردوا السكان كما حصل في فترة ١٩٤٧-١٩٥١ وفترة حرب ١٩٦٧-١٩٦٨، لكن طردهم والاستيلاء على أراضيهم تم هذه المرة بسبل غير قانونية. وقامت إسرائيل بسنّ قوانين لشرعنة الاستيلاء على الأراضي ومنع عودة المهجّرين وأقامت نظام حكم عرقياً ديمقراطياً يحرم من تبقى من السكان العرب الأصليين من المساواة ويحدّ من حقوقهم في الأرض والإقامة. وقامت إسرائيل باحتواء أو إنشاء طبقة من المتعاونين ونصّبتهم قادة على الشعب الفلسطيني (المخاتير في أراضي ١٩٤٨، و«روابط القرى» في أراضي ١٩٦٧) وأزالت الشرعنة عن اللاجئين والمهجرين كضحايا لخطأ في حساباتهم هم، وذلك بزعمها أنهم هاجروا بمحض إرادتهم وأن الصهاينة لم يقوموا بطردهم. وقد تم اتباع هذه الاستراتيجية متعددة المستويات بنجاح وإن بطرق مختلفة داخل إسرائيل والأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، باستثناء استراتيجية إنشاء قيادة فلسطينية متعاونة والتي نجحت جزئياً ومؤقتاً فقط، على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها إسرائيل في سبيل ذلك.
ـــ المرحلة الثالثة (امتدت من عام ١٩٩٣وحتى عام ٢٠١٨): غدا الطرد الجماعي غير القانوني مستحيلاً في هذه الفترة وإن استمر الطرد الفردي للفلسطينيين. لكن مصادرة الأراضي استمرت بشكل ضخم في هذه الفترة تحت غطاء قانوني. نلاحظ هنا تغييراً رئيساً في ما يتعلق باحتواء القيادة الفلسطينية. فبدلاً من الاستراتيجية الفاشلة لإنشاء قيادات بديلة لتحل محل القيادة الفلسطينية الشرعية المناوئة للاستعمار، انصب التركيز الإسرائيلي على احتواء القيادة الوطنية التاريخية، أي منظمة التحرير، وتحويلها إلى فريق من المتعاونين ومنفذين للاستعمار الصهيوني على شاكلة السلطة الفلسطينية. ومن ثم تم انتزاع اعتراف رسمي من هذا الفريق بأن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني كان وما يزال شرعياً، وأن الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وطردهم كانا وما يزالان شرعيين. وقد تم تحقيق ذلك ضمن اتفاقية أوسلو والاتفاقيات التي تلتها بين إسرائيل والسلطة.
وبناءً على هذه الاستراتيجيات التي تم اتباعها في هذه المراحل الثلاث، يمكننا استقراء الخطة للثلاثة عقود القادمة كي تبلغ إسرائيل سن المئة ويتم تأبيد النكبة وجعل آثارها غير قابلة للإزالة.

المرحلة المستقبلية
لقد شرعت إسرائيل مؤخراً باتباع هذه المرحلة عبر حثّ الجهود للتخلص من ثلثي الشعب الفلسطيني وحقهم في الأرض. وقد تم تحقيق ذلك جزئياً أثناء المرحلة الثالثة، وذلك عبر التخلصِ من منظمة التحرير كمنظمة تمثل كل الشعب الفلسطيني ومن خلال إنشاء السلطة الفلسطينية التي يقتصر تمثيلها على فلسطينيي الضفة الغربية (باستثناء فلسطينيي القدس) وقطاع غزة (وإن كانت فعلياً لا تمثل إلا نفسها). وقد تحول تأجيل النظر في وضع اللاجئين للمرحلة النهائية (التي لم تأت حتى الآن) من المفاوضات إلى التخطيط للتخلص تماماً من حق العودة المكفول من قبل الأمم المتحدة، وذلك من خلال التخلص من اللاجئين كتصنيف له صفة قانونية طرًا. وتهدف الجهود المبذولة مؤخراً من قبل الحكومة الأميركية وإسرائيل لتقويض منظمة الغوث (أونروا) لتسريع هذه العملية. وتصرّ المرحلة «المستقبلية» على التخلص من كل المظاهر الوطنية لدى السلطة الفلسطينية لضمان أن فريق السلطة من المتعاونين لن يطالب حتى صورياً بالتخفيف من تبعات النكبة المستمرة على الفلسطينيين. وأخيراً، تهدف هذه المرحلة إلى محاصرة الناجين الفلسطينيين من النكبة بأعداء من العرب، الذين باتوا الآن من أصدقاء إسرائيل المقربين أو على الأقل أعداء علنيين لأي فلسطيني تسوّل له نفسه مقاومة النكبة – ويضم هذا الأنظمة الأردنية والمصرية والسورية واللبنانية وأنظمة الخليج (ربما باستثناء الكويت).
وبينما وافق الساسة والمثقفون الفلسطينيون الليبراليون والنيوليبراليون والقيادات العربية غير المنتخبة أن يكونوا جزءاً من هذه الخطة لضمان مستقبلهم المرتبط الآن بمستقبل إسرائيل وأبدية النكبة، يواصل الشعب الفلسطيني مقاومته لهذه الاستراتيجية. وتستمر مقاومة الفلسطينيين لحاضر النكبة ومستقبلها، في داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية وفي غزة والقدس والشتات على الرغم من جهود إسرائيل في قمعها. وبما أن التناقضات داخل المستعمرة الاستيطانية وفي السياق العالمي تمنع إسرائيل اليوم من القيام بطرد جماعي وقسري للسكان الفلسطينيين، تقوم إسرائيل بتقديم اقتراحات لطرد غير قسري لمواطنيها الفلسطينيين من خلال صفقة أخيرة (تشبه خطة لجنة بيل) مع الفريق المتعاون في السلطة الفلسطينية. لكن لسوء حظ إسرائيل، ثبت أن اقتراح هذه الخطط على الورق أسهل من تنفيذها في الواقع.
بما أن أهم معالم النكبة هي غزو الأرض وطرد السكان، فثمة سلسلة من العقبات تقف اليوم في وجه خطط إسرائيل بشأن مستقبل النكبة. هذه فترة انتقالية. فعلى المستوى المحلي، تم تحشيد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل ضد الطبيعة اليهودية والكولونيالية للدولة ويطالبونها بتفكيك جميع قوانينها العنصرية. أما فريق المتعاونين في السلطة والذي ما زال يتربع عليها في الضفة الغربية، فهو على وشك خسارة آخر صلة له بالشرعية مع الخروج المرتقب لمحمود عباس. ولم يتم إضعاف المقاومة في غزة في هذه الأثناء، لا المقاومة الشعبية ولا مقاومة الجناح العسكري لحماس، على الرغم من الاجتياحات الإسرائيلية المتوحشة والمستمرة والتي قتلت الآلاف منذ عام ٢٠٠٥ عندما سحبت إسرائيل مستوطنيها من القطاع وأعادت نشر قوات احتلالها من داخل غزة إلى محيطها حيث أقاموا حصاراً وحشياً. فإن دلّت مسيرات العودة في الأسابيع الأخيرة على شيء، فهي تدل على صمود إرادة الشعب الفلسطيني وصلابتها.
أما على المستوى الدولي، فتواصل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل المعروفة عالمياً بـ«بي دي إس» (BDS) نموها ونجاحها في عزل إسرائيل، ما عدا داخل أروقة الحكومات الغربية والعربية. وبينما تقدم الحكومات الغربية والعربية دعمها غير المشروط للمستعمرة الاستيطانية، ترفض كلية تفويض إسرائيل بالطرد القسري للستة ملايين ونصف فلسطيني الذين ما زالوا يقبعون تحت حكمها الاستعماري، لا من أراضي ١٩٤٨ ولا من أراضي ١٩٦٧. ولكنها تسمح لها بالاستمرار بمصادرة أراضي الفلسطينيين، وباضطهادهم وقتلهم وسجنهم. وبهذا تقوم هذه الحكومات بدعم نصف خطة إسرائيل للنكبة المستقبلية ولا تدعم النصف الثاني.
هذا هو الوضع المحيّر التي عانت إسرائيل وتعاني منه حتى اليوم. فعندما سألت غولدا مائير رئيس الوزراء ليفي إشكول بعد غزو عام ١٩٦٧ عما ستفعله إسرائيل بمليون فلسطيني، بما أنها لن تعيد الأراضي المحتلة ولم تعد قادرة على الطرد الجماعي والقسري للفلسطينيين، أجابها قائلاً: «لقد نال جهاز العروس إعجابك، لكنك غير معجبة بالعروس نفسها». ونتيجة هذا الوضع، يبدو أنه لن يكون ثمة مستقبل للنكبة إلا إن اعتقد قادة إسرائيل أنه بإمكانهم طرد ملايين الفلسطينيين دون معارضة دولية.
إذاً، وبمناسبة حلول الذكرى السبعين لإقامة المستعمرة الاستيطانية، يبدو أن نتنياهو محق في قلقه من أن إسرائيل ربما لن تبلغ المئة، ومن أن مستقبل النكبة، كمستقبل إسرائيل نفسها، يقبع وراءها.

المراجع
(1) انظر كتاب توم سيغف، فلسطين واحدة كاملة (نيويورك: منشورات بيكادور، ٢٠٠١).
(2) انظر معتز قفيشة، «الجنسية الفلسطينية في فترة ١٩١٧-١٩٢٥»، نشرت فيBulletin du Centre de Recherche français à Jerusalem, No. 21, 2010, http://bcrfj.revues.org/6405
(3) انظر كتاب شبتاي تيفث، بن غوريون والعرب الفلسطينيون (أكسفورد، منشروات جامعة أكسفورد، ١٩٨٥)
(4) نور مصالحة، طرد الفلسطينيين: مفهوم النقل (الترانسفير) في الفكر السياسي الصهيوني، ١٨٨٢-١٩٤٨ (واشنطن دي سي: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ١٩٩٢).
(5) انظر وليد الخالدي، إعادة ولادة فلسطين، (لندن: آي بي توريس، ١٩٩٣)

* أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك