عندما يلفت رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق، كيان الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي، إيهود باراك، إلى احتمال عقد مقارنة مستقبلاً بين بعض ممارسات قد يقوم بها أفراد من دولته العنصرية ونظام التفرقة العنصرية البائد في جنوب أفريقيا، فإنه يكذب تماماً. فكيان العدو جمع خبرة كل قوى الاستعمار العالمي في عالم الجريمة، ويمارسها جهاراً يومياً في فلسطين منذ بدء استيطان العصابات الصهيونية أرض فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن الماضي.
ليس في جمع تلك الخبرات أي سر على الإطلاق، إذ يمكننا الاستعانة بمؤلف «التحالف المسكوت عنه» للكاتب الصهيوني الجنوب أفريقي ساشا بولاكوف-سورانسكي، لإدراك مدى العلاقة التي كانت قائمة بين الطرفين على مدى عقود. تلك العلاقة لم تكن قائمة على أسس انتهازية نفعية فقط، وإنما أيضاً انطلاقاً من أرضية عَقدية مشتركة. ومن المعروف أن أسس التنظيمات الصهيونية في فلسطين كانت اليمين المتطرف. فعلى سبيل المثال، أبا أخمير، أحد أهم مساعدي مجرم الحرب مناحيم بيغن، صرح بأنه يعارض الديموقراطية الليبرالية ومؤيد متعصب للاغتيالات السياسية. كما رأى أن المسيح سيأتي [مرة ثانية!] في دبابة وليس ممتطياً حماراً. بل إن مَثَلََي اليمين الصهيوني المتطرف كانا الفاشي موسوليني والنازي أدولف هتلر.
بالعودة إلى تعلّم نظام جنوب أفريقيا العنصري من كيان العدو، أشار الكاتب ساشا بولاكوف-سورانسكي إلى قيام قائد جيشها بزيارة عام 1977 لمناطق الاستعمار الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، المسماة «الضفة الغربية»، لإلقاء نظرة على نظام الحواجز والتفتيش الدقيق والتعلم منها لتطبيقها في جنوب أفريقيا. وقد تعلم وقتها وأبدى إعجابه به، إذ يجعل تفتيش المواطن الفلسطيني يستغرق نحو ساعة ونصف ساعة، ويستغرق نحو ثلاث إلى أربع ساعات في حال ضغط حركة سير المركبات على الحاجز.
لقد انصب اهتمام نظام بريتوريا العنصري على تعلم كيفية تمكّن كيان العدو من التحكم في حركة الفلسطينيين. كما قامت مجموعة من جنود قوات نظام بريتوريا العنصري وضابط بتفقد «الضفة الغربية» بصحبة جنود من جيش العدو في ثمانينيات القرن الماضي. مراسل لـ«رويترز» رأى ذلك، وأرسل الخبر إلى وكالته، لكن قيادة قوات العدو منعت نقل الخبر وفرضت عليه الرقابة العسكرية.
تعاون الكيانين العنصريين كان أبعد من ذلك بكثير، ويمكن العودة الى المؤلف الآنف الذكر للاطلاع على المزيد. لكن ما ودننا تأكيده هنا أن خبرة كيان العدو الصهيوني العنصري راكمت مختلف أشكال الاضطهاد والإجرام، ما جعلها المرجع العالمي التي تنتهل منها كل الأنظمة والتنظيمات الإجرامية العالمية.
إيهود باراك يعلم ذلك تماماً، لكنه، كالعادة، يخدع نفسه، رغم أنه ليس قادراً على خداع العالم. وجنوب أفريقيا ــ الراحل الكبير نلسون منديلا ليست صديقة لتل أبيب كما ادعى ذلك الجنرال المجرم، وإنما هي القوة الرائدة التي تحارب كيان العدو في القارة الأفريقية. بل إن المناضل منديلا أبلغ قيادة منظمة التحرير ورئيس لجنتها التنفيذية الراحل رفضه اتفاقيات أوسلو، بل نبّه على قبول الاعتراف بشرعية كيان العدو وأبلغه بأنه ليس من حقه التفريط بأي شبر من فلسطين.
لكن كيان العدو تعلّم فعلاً أمراً من كيان بريتوريا العنصري، ألا وهو نظام الهوملاند/ البانتوستانات [انظر الخريطتين]، وهو أقصى ما سيقدمه لميليشيات رام الله وقياداتها المتواطئة مع العدو الصهيوني الذي عينها بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الأميركية، والمتهالكة على تصفية القضية الفلسطينية وقبول أي فتات يرمي به لها للحفاظ على «مكاسبها» الشخصية.
للعلم، كيان العدو الصهيوني كان الوحيد في العالم الذي اعترف بالبانتوستانات الجنوب أفريقية، واستقبل أحد قادتها الذين عينهم نظام بريتوريا العنصري بصفته رئيس دولة.
ما أشبه وضع ميليشيات رام الله وسلطتها الوهمية ببانتوستانات جنوب أفريقيا، ولسنا في حاجة إلى خيال خصب لنتصور السمّ الذي يعدّ له أعراب أنظمة سايكس/ بيكو في الخليج الفارسي، ومعهم قادة الهزائم من المشير إلى مليك البلاد، ومعهم بالطبع قادة ميليشيات رام الله بالتعاون والتواطؤ مع واشنطن وتل أبيب، وفي أذناب هؤلاء الأذناب المطبعين مع العدو.