بالأمس فرحت السماء. استقبلت نفساً راضية مرضية، أبو الشهداء الحاج فايز مغنية، أبو عماد، بأحلى كفن. وابتسمت وسجدت له عرفاناً بفضله بوجودها الأبدي.
لأكثر من نصف قرن جاهد بحسه الفطري وثقافته غير المعقدة فخرّج ثلاثة أبطال في مقدمتهم أكبرهم ولده صانع فجر العقل المقاوم، الحاج عماد مغنية قبله وبعده فؤاد وجهاد ورضوان الله عليهم جميعاً.
كان الحاج فايز فائزاً بالدنيا والآخرة. منح الحياة سهماً كبيراً لتعيش الآخرة، ردحاً أزلياً. هذه الشخصية صورة ثقافة الشعب المقاوم. ببساطتها كانت تختزن كل تعقيدات الوجود. لا تراه إلا والابتسامة تعلو وجنتيه وتسأل: من أين له هذا الاطمئنان الذي لم يفارقه. تنظر إليه في الصفوف الأمامية لاحتفالات ومناسبات المقاومة فيبارك بالقبلة وتطيب الخاطر؟ هو في خلده يحيك فرح الدنيا وفي وعيه الظاهر تراه من أجلّ العرفاء.

أبو عماد لقد أعطيت بارئك حتى يرضى، ووهبت أمتك حتى امتنّت لعطائك السخيّ، وبقيت راسخاً في قناعتك ونفسك الأبيّة. صحيح أنك كنت فرداً، ولكنك كنت غذاء الأمة لم تحِد في زمن الصعوبات حيث جعلت الزمن بين راحتيك وعلى جبهتك السمحاء السخيّة. أبو عماد، يا سرّ وجود هذه الأمة وبقائها. فعلى من يريد أن يقرأ تاريخ هذه المقاومة الغراء أن يقرأ في صفحات العمر لأبي عماد ونسله الطاهر. لقد صدقت في وعدك الممهور قبل الزمن، حفظته وتدبرته وجعلت منه زمن الاجتماع والسياسة والدين، فأضحى زمنك في عمرك وبعده هو ميثاق الله مع الخلّص من عباده الأحرار. هنا يكمن سرّ العبادة، هنا يرتاح الملائكة ويغبطون أنفسهم أنهم سجدوا لآدم. وهنا يرتاح انسان الأمة عندما يفكر برجل هو منهم ليصبحوا منه: في حلّه وترحاله. يعيشون حياته ويرجون ما ناله... يتمنون أكفاناً ملائكيّة كالتي اعطيها ونالها وهنأ بها.
أبو عماد هنيئاً وسلاماً لك يوم ولدت ويوم تبعث حياً. لقد علمتنا أن الصبر والحريّة توأما الجينات القوية المنبعثة مع الوجود الأول وتسري بلا شعور في كل الأجيال حتى تصنع دنيا صورة للآخرة، والحياة الجنينية الأولى صورة الحياة العقليّة الحرّة.
* باحث وأستاذ جامعي