يتساءل كثيرون حول تأثير الاتفاق النووي على الوضع المتفجر في الشرق الأوسط، في سوريا والعراق واليمن.أقول إنه منذ البداية كان واضحاً أن الولايات المتحدة تتعامل مع الملف النووي «بمعزل» عن الملفات الإقليمية الأخرى التي لا تريد - أي الولايات المتحدة - أن يكون لحل هذا الملف تأثيرات قوية وكابحة على مشروع الفوضى الأميركية في الشرق الأوسط. وأن يقتصر موضوع تجميد النووي الإيراني عند العتبة النووية لصالح طمأنة إسرائيل.

وهذا يذكرنا بالأسلوب الذي عالجت فيها الولايات المتحدة مسألة الكيميائي السوري. إذاً، من المنطقي أن يكون الأسلوب الأميركي في فصل الملفات بما يخص تجميد النووي الإيراني ونزع الكيميائي السوري، في خدمة إسرائيل وبشكل مباشر؛ بكلام آخر، نزع المخاطر الاستراتيجية عن دولة إسرائيل والاندفاع من الجهة الأخرى باتجاه إكمال نشر الفوضى والدمار في الشرق الأوسط، والعربي منه على الخصوص.
ما من شك في أن فصل الملف النووي عن باقي الملفات سهّل مهمة إيران والولايات المتحدة في التفاوض، مثلما سهّل مهمة نزع الكيميائي بوساطة روسية. لكن الواضح أن نزع الكيميائي لم يساعد في لجم الصراع على الأرض مثلما لم يساعد في إنضاج أي مقاربة سياسية للأزمة السورية!
وهذا المآل هو عينه مآل تجميد النووي الإيراني عند العتبة؛ من حيث أنه لن يساعد في إيجاد مخارج سياسية لا في سوريا ولا في اليمن ولا في العراق.
علينا، إذاً في التحليل السياسي الاستراتيجي أن ننطلق من فكرة «الملفات المنفصلة» حتى نصل إلى استنتاجات غير مضللة أو حتى لا نسقط في الوهم... وهم حلحلة الملفات المعقدة للصراع الإقليمي على أرضية الاتفاق النووي.
لكن هذا العزل لا ينفي بعض الانعكاسات، وبعض من تحسن شروط الصراع لصالح حلفاء إيران أو محور المقاومة ضد إسرائيل. بخاصة بعد أن بدأت الأرصدة الإيرانية بالتحرر، وبداية تعافي قطاع النفط الإيراني والأمل في تدفق الاستثمارات الغربية والصينية والروسية إلى السوق الفتية والواعدة.
إسرائيل الفاجرة التي ملأت الجو بالزعيق هي المستفيد الأساسي من الاتفاق، حيث أن النشاط الدبلوماسي الأميركي والتهديد بالحرب هدفه الأول إزالة التهديد النووي الإيراني من وجه إسرائيل بأقل التكاليف، وهو عين ما فعلته مع التهديد الكيميائي السوري تجاه إسرائيل.
لا يخفى على المتابع للوضع الميداني في اليمن وسوريا أنه قد لاحظ اشتداد حدة المعارك في البلدين بالتزامن مع إعلان الاتفاق. فإذا كانت تركيا محشورة بنتائج الانتخابات الأخيرة وبتداعيات التقدم الكردي السوري مدعوماً بقصف طائرات التحالف الأميركي عند حدودها الجنوبية، فإن السعودية وقطر ليستا كذلك خاصة وأن السعودية تلعب دور «حمالة الحطب» في وجه مشروع مقاومة إسرائيل لما لها من دور محوري في مشروع الفوضى والتدمير الأميركي للشرق الاوسط. وهو ما ظهر مباشرة من تحذيرات وزير الخارجية السعودي لإيران بعد يوم أو يومين من إعلان توقيع الاتفاق.
لقد أبقى الغرب على «الهدوء» في بلدان الملكيات العربية ومشيخاتها في الخليج والمغرب والأردن لكي تخدم هذه الملكيات مشروع الفوضى والدمار الأميركي الاسرائيلي في سوريا والعراق واليمن ومصر وتونس، ويبدو أن الجزائر قد حان دورها بعد تهديدات دواعش المغرب، حيث أعلنوا أن استعادة الخلافة في الأندلس تمر عبر تدمير الجزائر وذبح الجزائريين!
وقد يتساءل المرء عن المصلحة الكبرى للغرب والولايات المتحدة في هذا الاتفاق غير حماية إسرائيل. وأقول إن الغرب بعد أن لاحظ تنامي النفوذ الإيراني وتعاظم دور إيران الإقليمي وهيبتها عند الكثير من شعوب المنطقة العربية، فكّر في سياسة احتواء واستفادة بدلاً من سياسة المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران خاصة في ملف الإرهاب الذي ابتكره الغرب على أرضية الأزمات الاقتصادية/ الاجتماعية لدول المنطقة. أقول إن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يفكر جدياً في الاستفادة من النفوذ الإيراني في إدارة بعض الصراعات للتحكم بها عند درجة معينة خوفاً من تداعياتها على حلفاء الولايات المتحدة وملحقاتها في المنطقة. في المقابل، نحن نتوقع من إيران الاستفادة من الاتفاق باتجاه حل المشاكل والصراعات المسلحة حلاً سياسياً ينقذ هذه البلدان من الهلاك بما يحفظ وحدة أراضيها وتماسك بنيانها الاجتماعي وبما يقود نحو وضع تصورات سياسات اقتصادية/ اجتماعية تحقق التطور والرفاه لشعوبها.
* باحث سوري