الأرثوذكسية في لبنان تعني ممارسةً، طائفة تُغْتَنَمُ حصّتها في السياسة والقضاء والدبلوماسية والإدارة وغيرها. شئنا أن تكون أرثوذكسيتنا خرقاً لمفهوم الطائفية لتُصبح نهجاً معتمداً ضمن كل طائفةٍ ومذهبٍ ودينٍ ومنصبٍ وغيرها... نحن نلتزم الاستقامة وبعد،
طَاْلَعَنَا في الآونة الأخيرة بعض السّاسة الذين يمثّلون «الرّوم وتوابعها» معلنين حرباً كلامية بخصوص تعييناتٍ من هنا وهناك.

الغريب العجيب أنّ البعض الكثير من ساسة الروم في لبنان اقترعوا على لباس الأرثوذكسية «وركبوا» الكراسي المخملّية ــ بناءً على هدرهم ــ لحقوق الأرثوذكسية، «بالمعنى الطائفي»، وهم يتبجّحون اليوم ويلعبون أدواراً في تمثيليّة أضحت مكشوفةً... متعرّيةً إلا من الباطنية والزّيف!
لن ينحدر قلمي إلى الجدل البيزنطيّ الذي ورثتموه... من رومِيَّتكم، كي لا أقع في العثرات، لكني أسأل بوضوح تامّ:
ما رأيكم في منصبَيْ نيابة رئاسة مجلس النواب والوزراء، وماذا فعلت كل الرجالات «الروميّة» المتعاقبة منذ الطائف، أقلّه حتى اليوم، لانتشال هذين المنصبين من «وهميّتهما» إلى الحفاظ على بعض كرامةٍ... تقريريّة؟
ماذا عن المناصب «الروميّة» الأمنيّةِ التي أهدرتْها سياساتٌ متنازلةٌ مُستغنيةٌ متواريةٌ بين دهاليزَ أممٍ تُدعى متّحدةً إلى زواريبِ سلطاتٍ وعهودٍ متعاقبةٍ تهميشاً وبازاراتٍ وصفقاتٍ على أنقاضِ رجالاتِ... الرّوم وتوابعها! ماذا عن المناصب والمراكز الديبلوماسيّة والإداريّة والقضائيّة والصلاحيات المناطة بها التي وقّعتم بأيديكم الآثمة بتسليمها رخصاً وصفقاتٍ وكراسٍ جبانةٍ متلطّخةٍ استسلاماً وسلطويةً فارغةً منزوعةَ... الهيباتِ والصلاحيات؟
ويأتوننا بتصريحاتٍ وإداناتٍ وبكاءٍ... على أطلالٍ تطاولوا على قُصُورها حتى أضحت... ركاماً لثرواتهم وجشعهم وأنانيّتهم.
كلا، لا تلوموا «الجزمة السورية» التي قبّلتموها أو عهد رفيق الحريري أو عهد إميل لحود أو سلطة سهيل البوجي أو فؤاد السنيورة أو نجيب ميقاتي، ولا تتّهموا «طبّاخ العهد» جبران باسيل، بل صوّبوا السّهام نحو صدوركم يا رجال «الروم وتوابعها» الذين تعاقبتم منذ الطائف حتى اليوم على مدوارةِ تنازلاتِ سلطاتٍ شرفيّةٍ... لا مأوى لها، وخنوعِكم لاقتناصاتٍ بحق أغلبيةِ مراكزَ أبْدَعَ أسلافُكم من خلالها، ممارسةً وَصِلةَ وصلٍ بين غاباتٍ طائفيةٍ... لا يجمعها إلا المماحكات والمساكنة القسريّة!
إلى هؤلاء أصرخ معلناً انتمائي لأرثوذكسيةٍ مدفونةٍ مرذولةٍ بين روميّات تُستنزف وتُناحر بعضها، ويتقاسمون ضعفها في سبيل... وهمٍ قاتل. عندكم روم السفارات، أما أرثوذكسيتي فهي من السماوات. بينكم روم حيتان الأموال وهدرها وفسادها، أما أرثوذكسيتي فهي فلس الأرملة. مِنْكُمْ روم الطائفة والمغانم، أما أرثوذكسيتي فهي نهج الاستقامة.
تبغون الروم وتوابعها، أما أرثوذكسيتي فمسيحية شيعيّة سُنيّة درزيّة.... لا لُبسَ فيها.
أؤمن برئيس واحد مسيحيّ... والرئاسات. أؤمن ببطريرك واحد أرثوذكسي... والبطريركيات. أؤمن بعداءٍ واحد أرثوذكسي لكيانٍ صهيوني من «داعشٍ» بيزنطية، إلى «داعشِ» صليبية... إلى «دواعش» إسلامية. أؤمن بصداقةٍ أرثوذكسية لمحيطٍ عربيٍّ بشعوبه، وإقليميّ ودوليّ لحضاراتٍ تمتزج وليدةً للإيمان... والإنسان.
حان الوقت لتعتمدوا أرثوذكسيتي وتخلعوا عن كاهل الاستقامة رداء القباحة والأنانية. نحن لسنا أقلية، بل نحن قلّة أرثوذكسية في المسيحية والسُنيّة والشيعيّة والدرزيّة... وكلّ لبنان. لكم نقول: لن تُسْبَىْ الأرثوذكسية بعد اليوم وسلاحنا الكلمة... الذي في البدء كان، وسيبقى يكون، وبه سنكون، والسلام.
* أستاذ جامعي