«فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الَْْأبْصَارُ، وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ التي في الصُّدُورِ»
قال لي أحدهم في جمع من الناس: الآن بدأت تتكشف الأمور! فأجبته: لا تستفزني! إن كل مثقف يستعمل لفظ «الآن» مرفقة بـ«تتكشف» حري به أن يلطم وجهه على الملأ.
الآن فقط؟ الآن بدأتم تتلمّسون إدراك التآمر شبه العلني الذي كان يجري أمام أعينكم أيها المتخاذلون المتعامون؟ إنكم، والله، إما لم تدركوا بعد الإدراك الكامل ما يجري، أم إنكم ما زلتم تتغابون خوفاً وهيبة من حكامكم الظلمة الفاجرين. هنيئا للحكام المتآمرين شعوب على رأسها نخب من السياسيين والنقابيين والإعلاميين والمعلمين والفنانين المتغابين، أو الجاهلين، الذين لا يدركون عظمة ما يجري.

ما هو الدليل على ما قولنا هذا؟
هناك قنبلة ذرية جرى إشعال فتيلها أمام أعيننا (إعلان الحرب الخليجية المصرية على فلسطين)، وذلك في نفس الوقت الذي وقع فيه تفجير جانبي كبير (نزاعات قطرية)، وقد اعتدنا على تفجيرات مثلها طوال العقود الماضية. فانشغل الناس بالتفجير العادي الذي إنما تم تفجيره ليلتهي الناس به. وتم ذلك ليلتهي الناس عن التفجير الأكبر المرعب القادم عليهم ركامه من حكام لا يصلحون إلا للتآمر خدمة للصهيونية. داحس والغبراء!
لقد انحاز شعب في بلد يحكمه آثمون إلى حاكمه المعبود من دون الله في وجه شعب في بلد آخر انحاز هو أيضا إلى حاكمه انحيازاً قبليا دون مساءلته. وسقط الناس في الامتحان! وعلى رأسهم المثقفون وعلى رأس هؤلاء شيوخ التلفاز الفرحون بملايين المساكين الذي يتابعونهم ويصدقونهم. إن أزمة الخلاف الخليجي مهما علت نارها، فإنها تعتبر «ثلاجة» أمام النار الكبرى التي اوقدت علينا جميعاً.
إنه الفصل الأخير من العلو اليهودي الأكبر، والذي يُعلن فيه ما كان خافياً على «الأذكياء»؛ سيطرة «إسرائيل» على الجزيرة العربية من البحر الأحمر إلى الخليج الفارسي، وقد أصبح فارسياً بالضرورة لأن العربان على جهته الغربية لا يمتون للعروبة بشيء ولا يملكون من وسائل الدفاع عن عروبة مزعومة قد اغتالوها هم بالأصل إلا المعاهدات الأجنبية. الخليج الذي كان عربيا وفق مبادئنا أصبح إما أميركيا، أو فرنسيا، أو بريطانيا، أوحتى تركيا من جديد في ضفته الغربية، أو فارسياً في ضفته الأخرى؛ محميٌ بقبضة فارسية. فاختاروا أيها المتفرجون الذين لا يملكون لأنفسهم إلا تمجيد حكام ظلمة متصهينين قد طلقتهم العروبة. هذا إن كان لكم الخيرة في الاختيار. وهي ليست لكم، يا أيها المنشغلون بالسجود لحكام قد ارتموا منذ مدة ليست بالقصيرة في حضن «إسرائيل» وأميركا؛ تحت أعينكم أيها المتخاذلون عن أعظم الجهاد (كلمة حق ترعب السلطان الجائر رعبا تصطك منه ركبه). لأن مثل هكذا عربان لا يستحقون أن تنسب لهم أي فضيلة.
بدلاً من الفزعة لحكامكم، كان حرياً بكم أن تفزعوا لدينكم الذي يأمركم بعدم الميل إلا للحق. كلكم سمعتم بيت القصيد أو الجائزة الكبرى في مهرجان الصيد هذا: قد سمعتم أن جريمة قطر المزعومة هي دعم حماس «الارهابية» الصامدة في وجه العدو الصهيوني.
ظهرت لكم القنبلة الذرية ثم ما زلتم منشغلين بالقنبلة القبلية الصغيرة. إن انشغال داحس والغبراء في التاريخ أشرف من انشغال داحس اليوم بغبرائه. فلم يكن محرك الأولى روم ولا فرس وكان شيوخ القبائل على حمقهم وطنيين غير مؤتمرين من الخارج. أما داحسنا الجديدة فهي «إسرائيلوأميركية» الصنع والهدف من ورائها إعلان دخول الصهيونية إلى الجزيرة العربية (نقول إعلان، لأنها دخلت منذ مدة تحت أعيننا معشر المتعامين الكاذبين على أنفسهم قبل أن يكذبوا على الغير.
لا يظنن أحد أن هذا الكلام ينحاز إلى طرف دون الآخر. فلا أحد من الدول الخمس المتصارعة (4+1) إلا هو غارق في التطبيع بل يتسابقون فيه في غفلة أو تغافل من شيوخ الفتنة الذين فلقوا دماغنا بتشدد الحنبلية والتيمية وهم أجبن وأسقط من أن يعيشوا جهاد ابن حنبل وابن تيمية في وجه جور الحكام.
بدأت قطر في مغازلة اليهود، أما الاربعة الآخرون فهم مرتمون في سرير الصهيونية.
إنّ الإمامين أحمد وابن تيمية يلعنان كل عالم مفوه لا يقتدي بأفعالهما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ). أين علماء الشاشات ثم السياسيون والنقابيون والأدباء والصحافيون والمعلمون والجامعيون من تجريم المقاومة في فلسطين خدمة للصهيوينة؟
أين إسلام العلماء من حصار سببه خلاف بين حكام لا علاقة للشعوب به؟ كيف تقاصص الشعوب على حماقات ونزوات حكام؟
أين العلماء والنخب كلها من إدخال الصهاينة كمسيطرين على الجزيرة العربية، ومن تصفية فلسطين بالصفقة الكبرى بقيادة أمثال الجنرال عشقي ومن وراءه؟ أين السياسيون والنقابيون والأدباء والصحافيون والمعلمون والجامعيون من الهدف الأكبر لهذا النزاع الصبياني التافه: إلهاء الشعوب بداحس وغبراء كما يلتهون بكرة القدم ليتسلل «المنقذ، الحقير الأعظم»، إسرائيل، إلى داخلنا فيبتلع وجودها بيننا كل تافه حقير قد طلق العروبة والإسلام.
انشغلوا بداحسكم وغبرائكم حتى تخفوا جبنكم الذي يمنعكم من مواجهة الصهيونية العربية والصهيونية الخليجية والصهيونية المتأسلمة.
لا نامت أعين الجبناء: اللهم إني أبرأ لك من كل ساكت عن هذة الجريمة الكبرى التي لا يسكت عنها إلا كل نذل لا دين له ولا شرف.