لماذا كثرة القيل والقال وكثرة الفلسفة في أمر واضح ليس حتى من السهل الممتنع: الموضوع ليس قطر! المطلوب رأسه اليوم وبالأمس هو المقاومة بجميع أشكالها الوطنية أو القومية أو الإسلامية، شيعية أو سنية.
الموضوع الذي يجري منذ سنوات تحت أعيننا داخل أقطار كل منا نحن «المناضلين» زعماً، ونستحي بل نخاف أن نجهر به علناً لحكامنا هو صهينة الحكومات العربية ثم التوسع نحو صهينة الشعب العربي باختراع عدو له غير الصهيونية.
لا شك في أن إيران خصم ولها مشروعها، ولكنها بكل تأكيد ليست عدواً، فهي تلتقي مع العرب الصادقين في قضية فلسطين رغم أنها تختلف معهم في قضايا أخرى.
ولها مشروعها الإقليمي الذي هو قومي أكثر منه إسلامياً للأسف، وما فيه من إسلام يضيق عند المذهب، فيستفز وينفر بدلاً من أن يجمع.

إنّ الذي يجري
الآن أخطر بكثير
من 5 حزيران 1967

منذ عام 1990 ونحن في مؤتمراتنا السنوية القومية والإسلامية التي اعتزلناها أخيراً، بدأنا نستعمل بقوة تعبير الصهيونية العربية، ولم يقلدنا في ذلك إلا قلة قليلة حتى لا يُغضب الآخرون حكامنا الغارقين في المشروع الصهيوني تحت أعيننا. إنّ الذي يجري الآن أخطر بكثير من 5 حزيران 1967. في 5 حزيران من هذا العام إعلان احتلال كامل للصهاينة لا للحكومات العربية، وبالتالي للأرض ومن عليها فقط، بل وللعقل العربي بمجمله، الذي لم تتحرك جماهيره مطلقاً عندما أعلنت دول «عربية وإسلامية» أنّ المقاومة الفلسطينية إرهاب، فهل هنالك صهينة أكثر من هذا؟ فلسطين اليوم في مواجهة إسرائيل والأمة العربية. ربّي لمَ أبقيتني حياً!
كفى سذاجة مصطنعة خوفاً من العواقب. لا تتناقشوا في جزئيات أسباب الأزمة، فهي صغائر مهما كبرت، وإنها تناقضات فرعية أمام التناقض الرئيسي الذي ضيعناه في الربيع المسخ لأمة ضحكت من جهلها الأمم. كفى تخاذلاً! إنّ القيادات والتنظيمات النضالية المتصاغرة في العالم العربي، التي كان يجري التحضير للإعلان الصهيوني هذا تحت سمعها وبصرها (وأنا منها)، والذي كان سرّاً مفضوحاً لا يغيب عن أمثالهم (ومثلي)، يجب أن تعلن فشلها وتنسحب. فكل من لم يتجرأ وبقي اليوم لا يتجرأ على مواجهة حاكمه، الذي تصهين بقوله له علناً إن سياستك صهيونية فليصمت وليخرج من الحلبة ولينتقل إلى مقاعد المتعاطفين، وليترك الساحة للقلة التي ستضحي بنفسها لمواجهه قيادات الصهيونية العربية المجرمة. وعلى معظم أصحاب العمائم الذين لم يتخذوا الموقف الشرعي أن يزيلوا عمامة لا تستحق رؤوسهم شرف لبسها. هل من تعليق أيها الزملاء «القوميون والإسلاميون» (معذرة للقلة ممن رحم ربي منكم) الذين بدلاً من أن تثبتوا على مبدأَي لا للتدخل الأجنبي ولا للعسكر، انجذبتم نحو العسكرة والإقليمية والتدويل، مستقيلين من رفعة البقاء «ضميراً» للأمة فوق تفاهات الحكام. معذرة للقساوة، فمصلحة الأمة أهم بكثير من الأخذ بخاطر مشاعرنا. ففي الحرب الجنرال الذي يهزم يحاكم ويعدم.
* سياسي أردني