قد تكون الكتابة الصريحة غير مريحة لأصدقائي حلفاء المقاومة العربية، وقد يرى بعض الأصدقاء في استخلاصها ضرباً من التمني والرؤية الرومانسية.لكني أكتب من داخل الجرح وليس من موقع المتألم لمشاهدته، أكتب بأحرف اكتوت كما اكتوى صاحبها، ليس من نار العدو فقط بل من عدم اتخاذ الصديق سياسة قد يكون شكلها مغامراً لكن جوهرها دماراً للعدو.

والكتابة الصريحة هنا تتناول أولاً جوهر الصراع وبؤرته الصلبة: فلسطين، ونعني قضية فلسطين لأن إسرائيل التي زرعت بقوة العدوان والتآمر والخضوع الرسمي العربي الذي وصل إلى حدّ المشاركة في الولادة القسرية لهذا الكيان.
إسرائيل رسمت استراتيجيتها بالتعاون مع البنتاغون وبعد بحث طويل مع آل سعود الذين شاركوا في إقامة هذه الدولة الصهيونية على حساب الشعب الفلسطيني.
وكلّ الكلام الذي يدور، وكل الكلمات التي تُلاك، ما هي إلا للاستهلاك وتضليل من يسهل تضليله.
إسرائيل رسمت استراتيجيتها، بعد أن اطمأنت إلى سيطرتها الكاملة على فلسطين، حتى تصبح قائد الحلف الجديد في الشرق الأوسط، أي حلف شبيه بالناتو تقوده الولايات المتحدة نظرياً وإسرائيل عملياً تحت استراتيجية بعيدة المدى تعتبر إيران وأصدقاءها العدو الاستراتيجي، تماماً كما يفعل الناتو الأوروبي بالإصرار على أن روسيا هي عدوها الأول وما زالت تخدع شعوبها وتبتزّ العالم الثالث لمواجهة العدو الروسي.

في جعبة الأعداء، صدّقوني، أسلحة كثيرة وقد تكون مفاجئة


وحاولت دول الناتو أن تجيد التضليل بحيث حوّلت العدو الذي يحضّر «الناتو» نفسه لمواجهته من «الخطر الشيوعي» ثم الخطر الروسي.
وفي كلّ مرة انهمك الباحثون المأجورون لإيجاد الأسس الفكرية والسياسية لتحديد العدو في كل مرة يتم تغيير التعريف.
تحويل إيران وحلفائها إلى عدو مطارد وملاحق من قبل أميركا وحلفائها هي الاستراتيجية العامة التي تنبثق عنها خطط تنفيذية هي في مجملها إرهابية (إرهاب دول)، وممولة لمنظمات إرهابية وتتضمن عمليات تدمير منهجي للبنى التحتية والمؤسسات العسكرية والأمنية لكافة الدول المحيطة بإسرائيل، والتي قد تشكّل إن بقيت مؤسساتها قائمة خطراً على إسرائيل، أو على أهدافها الاستراتيجية.
ونحن نرى أن التدمير يسير بقفزات حثيثة:
انظروا إلى سوريا لتروا الدمار، انظروا إلى ليبيا لتروا كيف تنهب الثروات العربية.
انظروا للعراق، أغنى بلدان العرب نفطاً، لتروا كيف تنهب أموال العرب وثوراتهم.
وانظروا إلى اليمن، و... و... الباقي آت.
وإذا افترضنا جدلاً أن المعارك ستتوقف بمعجزة ما الآن، سنجد أن الدول العربية التي استهدفت سوف تحتاج إلى نصف قرن لإعادة بناء ما دمّر، وستستهلك كلّ دخلها وتستدين لتعمر مدارس ومستشفيات وبنى تحتية. وسيكون العالم العربي الواعد، قد تخلف عن الركب نصف قرن.
هذا ما تريده إسرائيل وهذا ما تريده الولايات المتحدة، وهذا ما يريده الحكام الذين رهنوا بلاد العرب لأعداء العرب وسخروا أموال العرب لتكون أدوات بيد العدو لقتل العرب!
وبما أن قول الحقيقة ضروري وهام، فإننا نَصِف صمود الجيش العربي السوري والجيش العربي العراقي والجيش العربي اليمني وجيش ليبيا (الوطني الذي أحياه حفتر من رمال)، بأنه حقق منع العدو من تدمير المؤسسة العسكرية الواحدة، وأنه منع انهيار الدول، ولكن المعركة ما زالت قائمة.
وفي جعبة الأعداء، صدقوني، أسلحة كثيرة وقد تكون مفاجئة، وقد يبرز أكثر من مسيلمة على المسرح. فإسرائيل وراء الباب، وأمام الباب وحتى عند المحراب.
وهي كذلك ليس بقدراتها وذكائها وشطارتها، بل بعملائها من الذين يقفون أمام الباب وخلف الباب وعند المحراب: يرفعون راية العرب والإسلام في يد وينهالون على العرب والإسلام طعناً بخنجر صهيوني.
جيري فولويل زعيم المسيحية المجددة في الولايات المتحدة يعتبر نفسه واتباعه يهوداً.
هل تكشف الأيام يهوداً رفعوا راية العروبة والإسلام لينهالوا عليهم بالخناجر.
هل تكشف الأيام وجود كوهين أو أكثر وصل المحراب؟!
على كل حال كشفت الأيام أم لم تكشف، علينا أن نواجه وأن نحطّم مخطط العدو «لتحطيمنا». حتى الذين يرفضون هذه الرؤية مطالبون بالإجابة على سؤال هام: هل يضير الوطنيين والقوميين المقاومين أن يعتبروا أن هذا خطر محتمل؟
لا أظن أنّ أحداً منهم يفترض ذلك. ولمواجهة هذا الخطر المحتمل ماذا علينا أن نفعل! علينا أن نواجه ونتصدى للعدو بقوة، فإن حاول تنفيذ المحتمل فإنه سيحاول في وضع يمكن أن نسميه «غير ملائم». لكن العدو لا يراقب ما يدور ويجري، هو ضالع حتى العنق في ذلك. ولن أدخل هنا في برنامجه في سوريا والعراق واليمن والخليج والمغرب والجزائر وليبيا ومصر... لن نبدأ بوصف خطط إسرائيل لتيران وباب المندب... بل سنقول ماذا يجري في فلسطين: اجتمع مجلس الوزراء في إسرائيل في أنفاق حائط البراق واتخذوا قراراً ببناء مستوطنة جديدة جنوب نابلس.
ماذا يعني هذا؟ إنه إعلان استمرار إسرائيل في حربها على سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا. فهذا الحدث يكشف أن ما سربه ادم كوهين (ناشط إسرائيلي) صحيح.
فقد ورد على لسانه أن ترامب همس في أذن نتنياهو قبل توجهه لبيت لحم «استمر في برنامجك». إقامة مستوطنة جنوب نابلس هي مختلفة عن زيادة الوحدات السكنية.
إنها تطويق لأكبر مدن الضفة الغربية مساحة وسكاناً. يريدون حجماً استيطانياً موازياً لقرابة مليون إنسان، هم أهل نابلس. هذا هو الاستيلاء تحت شعار المفاوضات!
أما المكان (حائط البراق)، فهذا معروف بأنه تكريس لاحتلال القدس وتدمير المقدسات الإسلامية.
وليس عجيباً أنّ من يدعي بأنّه حامي الحرمين، لا يوجد في ذهنه أي فكرة عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين... بيت المقدس «سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ». ما هي الاستراتيجية المواجهة... المقاومة، يجب أن تكون هجومية.
إن تهنئة طهران لإسماعيل هنية برئاسة المكتب السياسي لحماس، كانت واضحة كل الوضوح، فقد كانت دعوة لإعادة الهيبة للمقاومة والخروج من دوامة اللعب التفاوضي الذي أغرقت فيه ثورة الشعب الفلسطيني.
مقاومة هجومية، هجوم مقاوم، دفاع هجومي، هجوم دفاعي، كلها كلمات لا تصب في الجوهر إلا بتوجيه المقاومة نحو مصدر السم ومصدر التآمر ومصدر العدوان ومصدر الإرهاب الرسمي. إرهاب الدول...