تغيب عن العقل العربي مسميات وعبارات في غاية الأهمية ألا وهي، التخطيط وتحديد الأهداف والاستراتيجية، ونتيجةً لذلك يتخبط العالم العربي منذ ست سنوات في فوضى عارمة. الكل ينشد العدالة وينشد حياة سوية كريمة، كلنا يتمنى أن يكون بلدنا أفضل البلدان، الكل يتمنى رفعة الأمة العربية والإسلامية.
ولكن لا أحد يتساءل كيف السبيل إلى تعديل هذا الاعوجاج في الأمة العربية وفي العالم الإسلامي. إن السبيل إلى تعديل هذا الاعوجاج يتحقق عندما تكون هناك رؤية واضحة واستراتيجية وتحديد للأهداف.
ست سنوات والأمة العربية تتخبط في الصراعات. نستمع إلى صوت المعارضة، ولكن ماذا تريد هذه المعارضة من السلطة؟ ماذا تريد السلطة؟ ماذا يريد المواطن؟ ماذا يريد الإنسان العربي؟
لنأخذ مشهد سوريا، وتصريحات المعارضة التي تدعو إلى الإصلاح، ربما تكون محقة في بعض الجوانب لكن ما هي خطتها ما هي استراتيجيتها، أين الأهداف؟ كيف أكون معارضة وأنا أساهم في إفساد البلاد، أدخل الإرهابيين وأدمر بلدي وأقتل شعبي وأشرّد هذا الشعب. إذا لا استراتيجية ولا أهداف، سوى الاستراتيجية الصهيو - أميركية التي حضرت في المشهد السوري، وأيضاً في ليبيا وفي العراق وفي كل مكان.
إن الشعارات يجب أن لا تكون على حساب تدمير الأمة العربية وتدمير العالم الإسلامي. كل مشاكلنا في العالم العربي بسبب غياب العقد الاجتماعي. هذا العقد الاجتماعي الذي نظّر له الكثير من الفلاسفة الفرنسيين قبل أن يثوروا بعد أن تجبّرت الكنيسة وتحالفت مع السلطة فأنتجت استبداداً سياسياً واستغلت الدين. ومن ثم بدأ البطش بالشعب وضاعت حقوق الشعوب. فكروا الفلاسفة وجاءوا بهذه النظرية، وإلى اليوم في عالمنا العربي نقرأ هذه النظرية ونكررها دون أن نقدم حلولاً ورؤية واستراتيجية.
العقد الاجتماعي باختصار هو اتفاق بين السلطة والشعب، وهذا ما ينقص العالم العربي وما ينقص الأمة العربية. العقد الاجتماعي هو تداول السلطة، أضمن حقوقي كفرد في المجتمع، أحاسب الحاكم الذي أوصلته أنا إلى السلطة، أحاسبه على كل شيء: على تبديد الأموال، على حقوقي، أحاسبه عندما تكمم الأفواه، أحاسبه على كل شاردة وواردة. ولكن أين العقد الاجتماعي في عالمنا العربي، غاب العقد الاجتماعي وحلت الفوضى لسبب واحد وهو غياب العدالة. وهذه مشكلة الأمة العربية، ننظر ونشخص الحالات دون أن نقدم حلولاً. الحلول عندما تكون هناك استراتيجية واضحة. نحن مع أي إنسان ينادي بالإصلاح، مع أي انسان ينادي برفعة الوطن.
نقول لا لسجناء الرأي، نعم للعقد الاجتماعي بيننا وبين الأنظمة، بيننا وبين كل حاكم وكل ملك وكل أمير وكل رئيس، العقد الاجتماعي أمر ملح بعد هذه الفوضى في الربيع العربي. الربيع العربي كان ربيعاً مجنوناً دمر كل شيء.
أين الاستراتيجية وأين الأهداف وأين من ينظّر لصلاح العباد والبلاد، أين من كان يقود الأمة إلى الخير إلى برّ الأمان، أين قنوات الحوار مع السلطة؟ كن معارضاً وطالب بالحوار مع السلطة، طالب بالديموقراطية طالب بالإصلاح، لكن ما حدث اليوم جنون، وتم تدمير الأمة العربية على أساس هذه الغريزة، غريزة العصبية غريزة العشائرية القبلية التي حضرت في الربيع العربي ودمرنا بلداننا واستحضرنا موروثنا القديم واستحضرنا هذه اللعنات وهذه الأحقاد الطائفية. من يشاهد فقط الفيديوهات، سواء في عمليات الإعدام أو في القتل أو في الكلمات ويستمع إلى الشعارات المقززة الطائفية وهذه الكلمات القديمة من القرن الأول إلى اليوم، يدرك حجم هذا الجنون في عالمنا العربي، انحطاط أعادنا إلى القرون الوسطى وسط هذا الجنون العربي.
هل يسمح اليوم الحاكم العربي بالعقد الاجتماعي. هل يسمح اليوم بالتعاقد مع الشعوب العربية، هل يسمح هذا الحاكم المتعالي على شعبه بالعقد الاجتماعي؟ أبداً. لذلك غاب العقد الاجتماعي في عالمنا العربي. وهذا يذكرنا بذلك الثائر الكوبي، عندما جاء كاسترو كان يقول كنت أقاتل والعقد الاجتماعي في جيبي. هكذا من يصنعون الأوطان هكذا هم الأبطال في العالم، يقاتل من أجل الشعب، لا من أجل كرسي أو سلطة أو من أجل المال.
ننظر اليوم إلى ما يحدث في البحرين، سجون وتعذيب. عندما تكون السلطة هي الحاكم هي القوة والقضاء بيد السلطة وكل شيء بيد السلطة، وهذه الحالة تعمم في كل العالم العربي، في هذه الحالة من الضامن لحقوق الإنسان من الضامن لهؤلاء المساكين.
بعد هذه الطفرة التكنولوجية بكل أنواعها وهذا الانفتاح الكوني، ولكننا نجد أن بعض البلدان العربية التي تتبجح بالحرية، تمنع فايسبوك وتويتر وتمنع أي وسيلة من وسائل التواصل. نصّبوا أنفسهم شرطياً على كل عقل عربي. يحاسب الإنسان العربي على تغريدة كتبها ليعبّر عن وجهة نظره، يزجّ به في السجون خمس سنوات، أين العدالة؟ لو كان هناك عقد اجتماعي حقيقي لما ثارت الشعوب العربية، ست سنوات من عمر الأمة العربية والإسلامية والأمة العربية تنزف.
لماذا العقد الاجتماعي لم ينتشر في العالم العربي، لأن العالم العربي مع الأسف لم يستفد من تجربة الإسلام. الإسلام جاء كثورة إنسانية جميلة، ثورة حقيقية، ليحارب العنصرية والبداوة والطائفية والعشائرية. جاء الإسلام ليحمي الإنسان عموم الإنسان من الاستبداد والتسلط من الجبروت من الديكتاتورية، يحميه من الأنا يحميه من نفسه. ولكن للأسف في عالمنا العربي لم نستفد أبداً من هذه المدرسة القرآنية المحمدية الإسلامية الصافية الجميلة. وتشبثنا بالجاهلية وتمسكنا بالعشائرية والقبيلة، حتى المذاهب اليوم في عالمنا الإسلامي يتم استغلالها بطريقة إعرابية بدوية بكل المذاهب الإسلامية، هذه العنصرية المذهبية ما هي إلا شيء من العنصرية البدوية العشائرية، حولنا المذهب إلى عشيرة، المذهب يفكر عني بالمذهب أكون دكتاتوراً، بالمذهب أستبد بالآخر بالمذهب أكفّر الآخر بالمذهب أقتل الآخر بالمذهب أشتم الآخر بالمذهب أنسف الآخر، بالمذهب أُلغي الآخر. هذه العقول التي تربت على العنصرية وعلى العشائرية وعلى كل أنواع التوحش تفتك الإنسان العربي وتمزق الإنسان العربي. هذا ما فعلوه بالشعب السوري وبالشعب العراقي، كما صنعوا بالشعب الليبي واليمني.
شنوا الحرب على اليمن بحجة أننا نحارب إيران في اليمن، ولم ينظروا أبداً إلى المسيرات المليونية من العرب الأقحاح، بل يأتيك متبجح ليقول هؤلاء مجوس. كيف نطالب اليوم بالعقد الاجتماعي، ولدينا إرث يجثم على صدور الأمة العربية وعلى العقل العربي يفتك في العقل العربي ويخدّر هذا العقل.
نطالب بالعقد الاجتماعي إذا تخلصنا من كل هذا العبث، من هذا الإرث، من الطريقة القديمة التي كنا نفكر فيها. نريد أن نحيا بسلام أن نحقق عدالة القرآن، العقد الاجتماعي الأول في كتاب الله، العدل والمساواة وحقوق الإنسان في كتاب الله.
العقد الاجتماعي هو حق كل فرد عربي الذي تقع عليه مسؤولية التمسك بالديموقراطية وبالحرية وبالعقد الاجتماعي بينه وبين السلطان والحاكم. كي لا نعيد هذه الفوضى التي جاء بها الربيع الصهيوني لأمتنا العربية والإسلامية.
* كاتب كويتي