ربما اعتقد البعض بعد 30 حزيران 2013 والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، أن المشير عبد الفتاح السيسي، والذي سيصير رئيساً فيما بعد، هو «المخلص» الذي سينقذ الوطن من هوّةٍ اقتصاديةٍ تتعمق، ومنحدر سياسي صعب، وهذا ظهر بوضوح في «غزوات» ميلشيات الصحافة، والثقافة، والفن في الجرائد والفضائيات ضد أي نقد، ولو على استحياء. تلك الميلشيات التي رأت الرئيس «المنقذ الأخير» و"ناصر جديد" لوطن بات يقف على الحافة، التي دفعت المواطن إلى التراقص في الشارع حاملاً «البيادة» على رأسه، واتهام ابنه في المنزل أنه «عميل وطابور خامس».
السيسي ليس عبد الناصر، وباليقين لن يكون
حسناً، لنفترض أن ما قيل، ومازال يتردد صحيح، وأن آراء الميلشيات «سّمها آراءً تأدباً» صائبة، تعال يا عزيزي القارئ نقرأ معاً بعض الأحداث التي جرت في العامين الأخيرين، والمقارنة بين زعيم تمدّد وجدانيًا في العالم من أقصاه إلى أدناه كجمال عبد الناصر، وبين آخر يتضاءل يوماً بعد آخر كحال الرئيس عبد الفتاح السيسي.
استهل السيسي، حكمه برفع جزئي للدعم على الوقود، ثم وصل الحال الآن إلى مطالبات جمّة برفع الدعم نهائياً. فيما يُقدِم نظامه الآن على الاقتراض من صندوق النقد الدولي، ما يُثقل كاهل الأجيال القادمة، ويزيد أعباء الفقراء الذين يبدو أن السيسي أسقطهم من حساباته، فضلاً عن ما يستتبع القرض من إملاءات إمبريالية يرضخ لها السيسي بداعى تأزم الوضع الاقتصادي. ما يشكل طريقاً مغايراً للزعيم عبد الناصر في تعامله في تلك الملفات، أقلّها أن الرجل قبل مرور 50 يومًا بعد 23 تموز، وتحديداً في 9 أيلول 1952 أصدر قانون الإصلاح الزراعي، وامتلك كل فلاح أفدنة يزرعها، وما حدث بعدها من طفرة كبيرة في تذويب الفوارق بين المواطنين غنيٌّ عن التذكير.
في السياسة الخارجية، ودعنا مفهوم الاستقلال الوطني تماماً، ورأينا الرئيس «ناصر الجديد» يقف في الأمم المتحدة يطالب بتوسيع معاهدة السلام مع العدو الصهيوني، لتشمل دولاً عربية أخرى، مصدّقاً لمقولته عندما خلع بزته العسكرية وقت الترشح للرئاسة، وقال للأشقاء العرب «مسافة السكة»، ثم رأينا «الأسد الهصور» كما يروج مؤيدو النظام. يقف في أسيوط مسقط رأس «ناصر» ويتحدث عن «سلام دافئ» مع دولة العدو. قبل أن نشاهد وزير خارجيتنا يصافح مجرم الحرب الإسرائيلي نتنياهو في تل أبيب. لذلك لم نتفاجأ بنفس هذا المجرم الدولي يحتفل في السفارة المصرية بذكرى ثورة تموز، ثورة جمال عبد الناصر، ويحتسي نخب السلام المزيف القائم على احتلال أرض الغير مع السفير المصري، وربما في صحة الشهيد عبد المنعم رياض!
وتشهد اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، الذي يعتبرها القطاع الأكبر من الشعب اتفاقية تنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير»، فضلاً عن حكم القضاء ببطلانها، على القطيعة ما بين تراث ناصر وأفاعيل السيسي بحق الوطن. تيران التي خاض الشعب المصري حرباً للدفاع عنها تحت قيادة عبد الناصر، يوقّع السيسي على اتفاقية تفريط فيها لصالح دولة أخرى، ليس هذا وفقط، بل يجري التنكيل بـ"شباب وطني" تظاهر، رغم القيود القمعية، دفاعاً عن أرض مصرية، تعلّم في المدارس أنها مصرية، وزار طبيعتها الخلابة كأرض مصرية، وسيعلّم أطفاله أنها أرض مصرية. وتجلّى جبروت الحاكم بأمره في الحكم على الشباب المدافعين عن الأرض بخمس سنوات دفعة واحدة، واستمر التنكيل حتى بعد قبول الطعن، بدفع كل شاب منهم 100 ألف جنيه كفالة! هؤلاء الشباب مثل الذين قال عنهم ناصر، عقب التظاهرات ضد أحكام الطيران في 1968، «عندما تتعارض الثورة مع شبابها فإن الثورة على خطأ». لم يقل ناصر أن شباب الثورة عملاء، ولم يطلق الكلاب العقورة تنهش في لحومهم عبر شاشات يمتلكها رجال أعمال فاسدون، أو حتى التشهير دفعاً باتجاه القتل المعنوي ضد أي مواطن كل جريمته أنه قال ما يرضي ضميره وما يعتقد أنه صحيح.
وكانت تصريحات السيسي الأخيرة بأن محاولات الإصلاح الاقتصادي بدأها السادات في 1977، وهي القرارات التي أدت حينها إلى ما عرف بـ"انتفاضة الخبز"، لتكون الدليل القاطع في البرهان على أن مروجي أكاذيب قرب نظام السيسي من سياسات عبد الناصر، ليسوا سوى مجموعة من الدجالين والأفاقين. السيسي ليس عبد الناصر، وباليقين لن يكون، هيهات ما بين الاثنين. وأثبتت المواقف أن الفرق بين الرجلين كفرق بين العنب والحصرم.
روائي وصحافي مصري*