الثاني عشر من تموز 2006، قيادة المقاومة تعلن موقفها "الجنديان الإسرائيليان لن يعودا إلا بتفاوض غير مباشر وتبادل... ونقطة على أول السطر"... رسمت المقاومة خط سيرها وحددت الأفق. العدو الإسرائيلي يردّ بعدوان كان مبيَّتاً، خارقاً كل التفاهمات والمعادلات.المقاومة في حال جاهزية متزايدة ترفع من درجة استنفارها، فتعطي التعليمات العسكرية، السياسية والإعلامية. اجتماعات قيادية أفرجت عن خطط استراتيجية في التجهيز والتخطيط والتسليح وتكتيكات المواجهة، براً بصواريخ كسرت التوازنات على أهداف عسكرية والمستعمرات، بحراً بإبعاد خطر سلاح البحرية الإسرائيلية، وجواً عبر التعامل الفعال مع المروحيات، ونجحت في الإبقاء على اتصال بين القيادة العليا وكامل المجموعات على الأرض، مروراً بغرف العمليات واستمرار خطوط الدعم والتسليح عاملة حتى الساعة الأخيرة، رغم إحكام العدو قبضته على الجو استطلاعاً وتقطيعاً للأوصال.
إدارة المقاومة للحرب السياسية كان لها وقع خاص في صلابة الموقف الذي ترجم ملحمة الصمود الميداني، فالحكمة مع الشدة كان ديدنها بالتعاون مع الرئيس نبيه بري.
سلاح الإعلام والحرب النفسية احتل حيّزاً وافراً من التأثير في العدو وهزيمته عبر حُسن بثّ المعلومة وتوجيهها، وفي رفع المعنويات لدى الحلفاء، والجمهور. وقالها الأمين: "لولا المنار لضاع الانتصار". شخصية الأمين العام لحزب الله، شكلت العقل والعصب وعنوان التحدي وصمام الأمان للمقاومة وجمهورها ومدعاة خوف وقلق وتخبط وتثبيط عزيمة للعدو.
وللجيش اللبناني مكان لا ينافسه عليه أحد، تعاوناً وتنسيقاً في الوقوف إلى جانب المقاومة .
الحلفاء السياسيون حفروا بصمة خاصة، فقد أعلنوا الموقف منذ الساعات الأولى وازدادوا تبصّراً وقناعة بعد أيام، وتحلقوا حول المقاومة بموقف خيب آمال المتآمرين، المحليين والعرب والدوليين الذين بقوا حتى اليوم الأخير يمارسون الترهيب والترغيب. فكان صمود موقف الحلفاء استراتيجياً.
صمود شعبي أسطوري شارك في رسم مشهد الانتصار الاستراتيجي، فمن بقي تحت النار كان بكل جسده إلى جانب المقاومة، ومن نزح مكرهاً كان سلاحه الموقف والتضحية. أما جمهور حلفاء المقاومة، فآووا ونصروا وتضامنوا. والشعب العربي كان على الموعد، فألهب الصمودُ والتصدي مشاعرَه، فاندفع تأييداً ودعماً في تظاهرات صُدت وحوصرت في أكثر من عاصمة عربية.
ولسوريا الأسد حصة الأسد من الانتصار، فكانت المدد العسكري والسياسي والدعم اللوجستي والاحتضان.
لكل هذا، كان الصمود والنصر الاستراتيجي في تموز ــ آب 2006 مكللاً بالمدد الإلهي، فالحرب على المقاومة استمرت في غير مكان وغير زمان وغير أسلوب، غير أن الانتصارات كانت دائماً حليفتها.
محمد مهدي