«الريسين» والمؤامرة الإرهابية المزعومة

  • 0
  • ض
  • ض

من المفيد، بل من المهم، تذكّر بعض الأحداث التاريخية ذات العلاقة بأوضاعنا منذ بدء عهد الاستعمار الغربي في بلادنا إلى يومنا هذا، والتذكير بها، لعل بعضاً ممن ابتُلينا بتحليلاتهم التي لا ترتكز إلا على رغبات خيالية، هذا إذا فترضنا حسن النية أصلاً، يتعظون ويتعلمون من دروس الماضي.

فعلينا/ جميعاً، تذكر أنّ إعلام الغرب، تضليلي.
كنا قد تعاملنا من قبل مع مسألة الادعاء القائل إن الغرب يريد مكافحة الإرهاب، وإن تعرضه له سيجبره على تغيير سياساته. لكننا أبدينا رأينا القائل: إن ساسة الغرب وحكامه سيوظفون أي أعمال إرهابية تحدث في أراضي دولهم لإحكام سلطتهم على شعوبهم وإمرار المزيد من القوانين والتشريعات التي تحدّ من حرية المواطنين، موالين ومعارضين، ولتسويغ حروبهم العدوانية. وهذا فعلاً ما نراه الآن في أفغانستان والصومال واليمن وليبيا وسورية والعراق، والقائمة تطول. كذلك إن إلقاء نظرة على القوانين التي جرى إمرارها في الولايات المتحدة عقب هجمات 11 أيلول تكفي لإدراك ذلك. كذلك إن العمل بقانون الطورائ في فرنسا المستمر منذ نحو عام يحدّ من حرية الإعلام والتحرك والقول، وهذا ما يقوله إعلاميو تلك البلاد ونخبها الأكاديمية. مع ذلك، لم يحدّ ذلك الإعلان من الأعمال الإرهابية فيها، ولا منع سقوط مئات الضحايا وتحوّل شوارع فرنسا إلى ما يشبهها في أفغانستان واليمن.
الواقع هو وجوب القول: إن الغرب الاستعماري مهد للإرهاب، لكنه يعمل في الوقت ذاته، وعند الحاجة، إلى اختراع تهديدات إرهابية وهمية وحقيقية، لإشاعة الاضطراب والخوف، بل حتى الرعب، في صفوف شعوبه والعالم، بما يجعلهم أكثر تقبلاً للديكتاتورية الجديدة وسياساتها. وعند ظهور شخصيات شجاعة مثل آسانج وسنودن، سنكتشف نحن أو الأجيال القادمة، أن تنظيم البدري، ما هو إلا صنيعة أميركية/ إسرائيلية، تماماً مثل القاعدة والتنظيمات الأخرى على شاكلتها، بصرف النظر عن قناعات قواعدها وجهلها.
عود على بدء.
في مطلع هذا القرن نشرت السلطات البريطانية فزاعة صارت تعرف باسم «مؤامرة الريسين»، وهو سم قاتل، ادعت شرطة البلاد أنّ عرباً إسلاميين كانوا يخططون لاستعماله في البلاد على نحو واسع. تفاصيل هذه المؤامرة المزعومة التي اختلقتها المؤسسة الحاكمة في بريطانية، متوافرة في مؤلفات عديدة.
على أي حال، المسألة المثيرة في هذه القضية/ اللاقضية، أنها انتشرت عل نحو واسع في وسائل التضليل الاستعمارية الغربية التي تمثل السلطة، ما سهّل على سلطة القاتل ومجرم الحرب طوني بلير والمؤسسة الحاكمة في لندن، إمرار قانون يمنح الشرطة حق احتجاز المتهمين لمدة تسعين يوماً من دون توجيه تهمة، بعد أن كان 24 ساعة، لا أكثر.
المثير أكثر أنّ الجنرال «الهبيل» كولن باول، الذي كان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأميركية، ووزير خارجيتها في ما بعد، وظّف ادعاءات «مؤامرة الريسين» لتسويغ الحرب على العراق واحتلاله وتدميره، بعد اتهامه بأنه مشارك فيها! مع أنه اكتشف هبله، لكن متأخراً.
لم يمضِ وقت طويل حتى انكشفت الكذبة الكبرى وبُرِّئ المتهمون من التهم الملفقة ضدهم، لكن طوني بلير، مجرم الحرب والمسؤول هو وسلطته وحلفاءه الغربيين وأعراب مشيخات النفط (وهم مجموعة من الموظفين في دوائر وزارات الخارجية والأمن في لندن وواشنطن عن عمليات إبادة في العراق)، استمر في توظيف الكذبة لتبرير العدوان، رغم علمه التام بعدم صحتها. والأمر ذاته يسري على خليفته غوردن براون. إضافة إلى ذلك، إن وزير الداخلية البريطاني ورئيس الشرطة البريطانية، رغم علمهما بعدم وجود قضية أصلاً، استمرا في توظيفها للمطالبة بإمرار قانون الاعتقال الاحترازي لمدة تسعين يوماً، وهو ما حصل.
يضاف إلى هذا كله، توافر احتمال حقيقي بأن اعترافات انتزعتها الشرطة الجزائرية من أحد المتهمين، كانت نتيجة التعذيب الذي تعرض له الأخير. كان على القاضي إعلام هيئة المحلفين بهذا الاحتمال، بما يساعدهم في تبني رأي أكثر استقامة، لكنه لم يفعل!
ختاماً نقول: إن دعايات الغرب الاستعماري وتفرعاته في مختلف بلاد العالم ودعاويهم وادعاءاتهم، وفي مقدمتها أبواق «الناتو» الناطقة بالعربية التي تمولها تلك الأنظمة التكفيرية، إعلام حرب، أي تضليل وكذب. فحرب الغرب الاستعماري على بقية العالم لم تتوقف منذ نشوء الاستعمار الحديث ووسائل الإعلام واسعة الانتشار. فقط عندما تكون هذه الحقيقة بوصلتنا في التعامل مع الأخبار السامة التي ينشرها الغرب الاستعماري، وبالضرورة أدواته المحلية، يمكننا تمييز الحقائق من الأكاذيب، وتحليل الأوضاع المستجدة واحتمالات تطور الأزمات على نحو عملي حقيقي.

0 تعليق

التعليقات