على وقع استقالة وزيرالحرب الصهيوني، موشيه يعلون، من الحكومة والكنيست، وانعكاسات ذلك على الائتلاف الحكومي، وبنية حزب الليكود، والمؤسسة العسكرية داخل الكيان، انشغلت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروئة، ليس بتفاعلات الخبر، فقط، بل في استقراء ما سيُقدم عليه رئيس حزب الليكود والحكومة بنيامين نتنياهو. فهو يبحث عمن يملأ الفراغ الأساسي في حكومته، ولم يتأخر كثيراً في إيجاد «الرجل المناسب للمكان المناسب».

وفي ظل المأزق الداخلي الذي تعيشه الحكومة والائتلاف والمعارضة، كان حزب «إسرائيل بيتنا» ورئيسه ليبرمان هو الحل، خصوصاً مع تعزيز حضور الائتلاف بستة مقاعد إضافية في الكنيست، لتصبح الحكومة مدعومة بـ66 صوتاً من مجموع أعضاء الكنيست الـ120.

إن براغماتية ليبرمان وانتهازيته وقدرته على اقتناص الفرص، كانت الدافع للاعتذار العلني عن كل صفاته، كـ«الغشاش» و«المخادع» و«الكذاب»، والتي أسبغها هو نفسه على نتنياهو في الأشهر الأخيرة. وقد جاء انضمام ليبرمان وحزبه للحكومة، عقب اتفاقه مع نتنياهو، ليوضح حجم المكاسب التي حققها. ونستعرض هنا أهم بنود الاتفاق بين الحزبين.

البند الأول لـ«الخطوط العريضة»، ينص على أن «للشعب اليهودي حق غير قابل للتقويض بدولة ذات سيادة، في أرض إسرائيل، وطنه القومي والتاريخي». أما في البند الثاني فينص على أن «تدفع الحكومة بالعملية السياسية، وتسعى إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين ومع كل جيراننا، من خلال الحفاظ على المصالح الأمنية والتاريخية والقومية لإسرائيل».

وبموجب الاتفاق، سيحصل حزب ليبرمان على «حقيبة الجيش»، وسيتولاها هو. كما سيتولى عضو كنيست آخر، من هذا الحزب، حقيبة استيعاب المهاجرين الجدد، إضافةً إلى ذلك، سيُعين أعضاء الكنيست، من «اسرائيل بيتنا»، في المناصب التالية: نائب رئيس الكنيست، وعضو في لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست، وعضو في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية – الاقتصادية، وعضو في اللجنة الوزارية لشؤون الرموز والمراسم، وعضو في اللجنة الوزارية للتشريع.

إن أيّة قراءة هادئة للنصوص والصياغات السياسية، لا تحمل أيّة مفاجآت، أو كما يحاول البعض أن يمرّر بحسن النوايا، أو بسوئها «انتصارات تطرف ليبرمان». فالحكومة الحالية، بقيادة نتنياهو، كما سابقاتها، والتي كانت تحت قيادته، أو في ظل تحالفات أخرى قادها «حزب العمل»، تعلن التزامها بأيديولوجية صهيونية/ يهودية فاشية، لا ترى في «الآخر» العربي الفلسطيني، سوى أهداف للقتل، أو التهجير أو الدونية.



حقّق

ليبرمان

مكاسب

عديدة بعد اتفاقه

مع نتنياهو




وإذا كان الائتلاف الجديد الموسع في الكنيست، والحكومة، سيتيح لقوى الفاشية والتعصب والكراهية، بقطبيها «الديني المتعصب، والقومي المتشدد»، أن تعيش أفضل أيامها، فإن صرخات الاحتجاج الصاخبة، التي بدأت تعلو في الفضاء الحكومي والصهيوني، قد أربكت أصحاب اللقاء الائتلافي.

أكثر الناعقين صخباً، وإرباكاً، للائتلاف الحكومي كان أحد أركانه، زعيم «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، والذي أعلن أن حزبه «لن يصوّت بجلسة الكنيست لدخول حزب ليبرمان للحكومة، إذا لم تتحقق مطالبة البيت اليهودي، بتعيين سكرتير عسكري لمجلس الكابينت (الحكومة المصغرة، وأعلى سلطة سياسية أمنية مركزية)، ليكون مسؤولاً عن اطلاع وزراء المجلس بشكل دائم، ويومي على آخر مستجدات الساحة الأمنية». لكن أحد المقربين من نتنياهو في «الليكود»، هدّد بينيت بشكلٍ مباشر، قائلاً: «إذا صوت نواب الحزب الثمانية ضد التعيين، فإن وزراء البيت اليهودي بقيادة بينت، داخل الحكومة، سيقالون فوراً».

أما قوى المعارضة، فقد هاجمت بشدّة، اتفاق نتنياهو _ ليبرمان. زعيم المعسكر الصهيوني، إسحاق هرتزوغ، قال إنه «على مواطني دولة اسرائيل أن يكونوا قلقين من ائتلاف يميني يقود الدولة إلى أماكن خطيرة». كذلك، فإن حزب «يوجد مستقبل» هاجم الاتفاق وركّز على نتنياهو، معتبراً أن «التوقيع على الاتفاق الائتلافي ليس انجازاً بل استسلاماً معيباً».

إن ملء الفراغ الحاصل في الحكومة سيكون بانضمام الفاشيين المجرمين قادة «اسرائيل بيتنا». أما الكرسي الشاغر، في الكنيست، والناتج عن انسحاب موشيه يعلون، من عضويته، فسيملأه الحاخام الفاشي، المجرم، يهودا غليك، أحد قادة منظمة «أمناء جبل الهيكل»، والتي عملت بإشرافه، على الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى. وكان غليك قد نجا بإعجوبة من محاول الاغتيال التي استهدفته على يد أحد أبطال المقاومة المسلحة، في أواخر شهر تشرين الأوّل 2014.

ومن الملاحظ، أن بعض الكتّاب والمحلّلين والإعلاميين، حاولوا تقديم الوزير المستقيل يعلون على أنه «أقل فاشيّةً من ليبرمان»، وبأنه «صاحب مدرسة إعداد وتخريج لضباط وجنود يتحلون بالأخلاق والممارسة الإنسانية تجاه أعدائهم».

باختصار، لقد تناسى أولئك الكتبة التاريخ الدموي لهذا الجنرال، في لحظات سردهم للسجل الأسود لليبرمان. لكن الحقائق التي تترسخ كل ساعة، منذ أن دنست أقدام الغزاة المستعمرين _ المستوطنين أرض فلسطين العربية، بأنه لا فرق بين مستعمر وآخر، سواء كان اسمه جابوتنسكي، بن غوريون، شامير، بيغن، ليفني، هرتسوغ، ليبرمان، باراك، يعلون، زئيفي، كحلون، بينيت، وغليك...

إنهم عناوين المستعمرة/ الثكنة. إنهم رموز القتل والفاشية والكراهية، لتجمّع قام على دماء وأشلاء أصحاب الأرض الأصليين.

* كاتب فلسطيني