محمد ماجد *
تصوّروا لو أن الإمام الحسين عليه السلام كان حيّاً في زمن مفتي صور علي الأمين!! فسيعقد ــ من دون ريب ــ هذا الأخير مؤتمراً صحافياً ويوجّه خطابه الناصح إلى الإمام الثائر ويطالبه بنزع سلاحه وعدم عرقلة مسيرة الدولة لأنه لا يجوز أن «يتحمّل الجزء واجبات الكل»!!

وبالتالي فإن منطق يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد هو الأسلم آنذاك وما فعله الحسين مغامرة غير محسوبة لم يأخذ فيها رأي أهل الرأي!!
وما بالكم بأيام رسول الله (ص)؟ ألم يكن وحده مع صحابته في المدينة يوم تحالفت الأحزاب لإفنائه ونعب منافقو الداخل مهوّلين و«ناصحين» ومثبطين للعزائم؟ سيطل «يومها» مفتينا الملهم ليحدد الحكم الشرعي الذي «يجب» على رسول الله (ص) أن يتبعه، ومفاده أن المديـــــنة ليـــــــست له ولأصحابه وحدهم وأن عليـــــهم ألا يـــــتفــــــرّدوا ويجروا المــــــنـــــطقة إلى عبء المــــــواجهة مع قــــريش وحلفائها!..
يتكلم المفتي من «موقعه» حيث رأى «أخطاء» ومن واجبه أن ينبّه إليها!! وإن هناك «مسارات تغيّرت يجب تصويبها». فيما يخص الأخطاء فسبحان الذي خلقنا وإياه خطّائين وأيّنا المعصوم؟! وأما المسارات فباللغة الحوزوية يسأل المرء: ما هو المسار الذي تغيّر؟ هل «استحالت» إسرائيل العدوة صديقةًً تغار على مصالحنا وزال خطرها؟! هل «انقلب» حقنا بأرضنا وحقوق الفلسطينيين إلى مطلب يغضب الله؟! هل «نسخ» العمل بقوله تعالى: «وأعدّوا...»؟! أو أن مفتينا نسي العمل بقاعدة «الاستصحاب» عند الشك المحكم!! (تراه يكون قد بلغ اليقين؟)
لا بأس والحال هذه من التذكير ببعض الدروس الحوزوية الأولية التي نسميها في الحوزة «السطوح» تعليقاً على حكاية «الجزء والكل» الأمينية، فهناك قاعدة يردّدها الطلبة وراء أساتذتهم تقول: «ما لا يدرك كله لا يترك كله»، وبعبارة أخرى: «لا يسقط الميسور بالمعسور»، وهذه مبادئ إنسانية أقرتها رسالات السماء، يعني ببساطة إذا تخلى الآخرون عن واجب ما فلا يسقط هذا الواجب عن الآخرين أو إذا لم يتمكّن الإنسان من تحقيق كل الواجبات وجب عليه تحقيق ما يقدر عليه، وإلا لو ساد منطق «المفتي» لقرأنا اليوم عن الإنسان «العظيم» هيرودوس وعن رجل كان إلى جانبه يقال له «المسيح» يعاونه في إعدام الأطفال عندما يولدون!! ولقرأنا عن بطل العرب أبي لهب وعن حضارة وأد البنات وعن رجل يدعى محمداً كان «جزءاً» ولم يتمـــكن من أن يصير «كلاً» كما يتمنطق المـــــلهمون «فصوّب مساره» والتحق بأهل الحل والعــــــقــــد مبشّراً برسالة الأصنام!!
أما الحسين فيا لله! فقد كان «جزءاً» بكل ما للجزئية من معنى لكنه «خالف» المنطق وكان حرياً به أن «يعطي بيده إعطاء الذليل ويقر ليزيد إقرار العبيد» حرصاً على قاعدة «الجزء والكل» الأمينية الدقيقة!! هل تعلمون أن مسار التاريخ «كله» لا «جزءه» كان سيتغير لو ان مفتينا الأمين ألهم قاعدته «الجزءكلية» أيام الأنبياء والرسل؟
قد كنت أظن ان السفسطة انتهت قديماً، ولكن القاعدة/الفتح التي كرزنا بها المفتي الملهم أعادت إحياء العظام وهي رميم، وها هي أشكال السفسطائيين المناطقة ترتسم من جديد وتحيّر عقل أرسطو المسكين:
قاعدة الشكل الأول:
مقدمة كبرى: الحائط فيه حمار.
مقدمة صغرى: الحمار له أذنان.
نتيجة: الحائط له أذنان!
وللسفسطة العائدة أشكال أخرى كثيرة وقواعد «مبينة» ستشنّف آذاننا في مستقبل الأيام في أوقات الدوام «الرسمي» وربما في الـ«over time»... فللحديث بقية..
*كاتب لبناني