على احد تقاطعات الضاحية الجنوبية لبيروت، نُصبت شجرة ممشوقة، خضراء، مليئة بالأضواء ومجسمات النجوم والطابات الحمراء البرّاقة ودوائر مكتوب عليها «محمد رسول الله». فخلال أقل من أسبوع، احتفل اللبنانيون بعيدي «المولد النبوي الشريف» و«الميلاد المجيد». طبعاّ كل ما في بلادنا مجيد وشريف وسعيد ومبارك وما طاب لكم من تعابير على صيغة المبالغة «فَعيل». لكن ما قصة الشجرة تلك؟تبدأ القصة في الامبراطورية الرومانية حيث كان الرومان يحتفلون بولادة «الشمس التي لا تقهر» في 25 كانون الأول. ويقال إن أحد الطقوس الوثنية المرتبطة بالطبيعة يقضي بتزيين الشجرة الدائمة الخضرة واضاءتها. حين دخلت الديانة المسيحية الى الامبراطورية الرومانية، لم تنسف الاعياد الوثنية بل أضفت اليها تبريرات «مسيحية» لضمان عدم تصادم الدين الجديد مع التقاليد الإجتماعية. اذاً هي التقاليد والأعراف المتوارثة ما يضمن تماسك الشعوب، لا قانون العقل ولا حكم المنطق.
بالعودة الى لبنان، قطعة السماء حيث «تتعايش» ثماني عشرة طائفة، يحتفل «المسيحيون» بالتقاليد المتوارثة التي تقضي بنصب شجرة واضاءتها و تزيينها الى جانب مشهدية ميلادية متمثلة بمغارة تمثل الحدث المجيد. كما أن الشخصية الترويجية لـ «كوكاكولا»، أي «سانتا كلوز»، حاضرة في كل مكان من الزينة الى الازياء التنكرية الى الحلوى فالإعلانات المتلفزة بشكل يظهر انهزامنا أمام «ثقافة الاستهلاك». بينما يمر المولد النبوي على «المسلمين» بطرق مختلفة من مجالس الذِكر الصوفية الى المدائح والقصائد فالزينة على الطرقات والحلوى فتحريم الاحتفال بالمولد من أساسه. حتى وصل الأمر باللبنانيين، لفرط تعايشهم، الى مسخ اغان وزينات وملصقات وحملات دعائية يتجلى فيها هذا التعايش.
نسبة المحبة بين المسيحيين و المسلمين ــــ هكذا يعرفون عن انفسهم ــــ لم تصل يوماً الى درجة الانصهار بينهم كما يحصل الآن. فذاكرتهم الجماعية تخبرهم بإستمرار كيف «تعايشوا» منذ 1975. كيف «تحابّوا» على الهوية، و«تهادوا» السيارات في الأحياء الشعبية و«تبادلوا القبلات» من عيار 155 بين شطري بيروت بمشهد قل نظيره رومنسياً. قد يقول البعض إننا انتهينا من الحرب ونحن في «زمن السلم» فما بالك تذكرنا بكل هذا القرف؟!
لربما كان ما نشهده اليوم منظراً فرحاً يبعث على الأمل والطمأنينة في ظل الخراب والموت اليومي. لربما كان ذلك «البؤس الديني» المتمثل بالإنبطاح امام ثقافة الإستهلاك بحجة «الشعائر الدينية» ردة الفعل «أوتوماتيكية» على البؤس الحقيقي الذي نعيشه ــــ بالإذن من ماركس. لربما كان النص الذي كتبته غير مُجدٍ في ظل البهجة وهستيريا العيش المشترك. لربما كنتم تعملون بنصيحة وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز: «اكذبوا ثم اكذبوا حتى تصدقوا أنفسكم أو يعلق شيء في أذهان الجماهير».
كان من الأجدى على ابناء الجاليات الطائفية أن يتعاملوا في ما بينهم على أساس كونهم مواطنين مدنيين يحترمون تقاليد بعضهم من دون «تمسيح الجوخ» الطائفي.
شربل بركات