زياد سعيد
يوماً بعد آخر تتأكد مِفصَلية وتاريخية الانتصار اللبناني الكبير الذي أحرزته المقاومة اللبنانية. «الترنّح» السياسي النسبي الذي تعيشه الإدارة الأميركية ومشروعها الإمبراطوري، هو نتيجة تضافر عوامل، بينها هذا الانتصار الذي ساهَمَ ولا شك في تصليب الجبهة، ومُفاقمة المُشكلات التي تعترض المشروع، سواء في فلسطين أو في العراق. محاولات الانقلاب المكشوفة على الشرعية الفلسطينية، والمُعبّر عنها أخيراً بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، والدعوة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى انتخابات مُبكرة هي في جوهرها محاولة تعويضية من الفشل اللبناني المدوّي، وخصوصاً أن مُجريات الجبهة العراقية تسير هي الأُخرى في مجرى مُعاكس للخطط والتصورات الأميركية التي باتت جهودها اليوم تتركّز على هدف إعادة إمساك الوضع، أو تنظيم انفلاته الكامل، والتقليل من أعداد القتلى الأميركيين. لا شك في أن الانتصار اللبناني قد فتح المنطقة أمام جولة عنف جديدة، وهي جولة مرشحة لأن تضع حداً لإبهام خيّم طويلاً على مواقف القوى، وخصوصاً في لبنان، حيث لم يعد ممكناً فصل الخطوات التي تقوم بها رموز السلطة عن سياق الخطة الاميركية التي تريد استكمال الأهداف السياسية والعسكرية نفسها التي سعت إلى تحقيقها من خلال العدوان العسكري المباشر. لم يعد خافياً، وهو لم يكن كذلك إلا لمن أراد تعمية الحقائق، أن العدوان الذي أراد القضاء التام والمبرم على المقاومة اللبنانية، كان يستهدف أيضاً ضرب المقاومة الفلسطينية الممثلة بحركة «حماس»، والقوى الفلسطينية الأخرى الرافضة، ومحاصرة القوى الإقليمية الداعمة لقوى الرفض العربية. فشل العدوان أعاد خلط الأوراق، وجعل الإدارة الأميركية الراعية المباشرة للعدوان أمام حقائق صعبة، عكست نفسها انكساراً سياسياً ترجمته الأولى جاءت عبر الانتخابات النصفية، وما أسفرت عنه من تغييرات أطاحت بعض رموز الحرب. كثيرة هي المحاولات التي بُذلت للتقليل من شأن الإنجاز اللبناني. لكن الواقع السياسي والشعبي الذي اجترحته الإرادة اللبنانية جعل هذه المحاولات ترتطم بواقع ميداني وسياسي صلب، وهو ما يفرض اليوم على قوى «الأكثرية» اللبنانية كشف أوراق إضافية، والتخلي عن تحفظ طفيف وسم سياساتها، ومباشرة هجوم جديد سلاحه الأساسي الفتنة بين اللبنانيين.
الأزمة اللبنانية المحتدمة، التي يُراد لها أن تبلغ الحرب الأهلية، أحد أكبر الأدلة التي تقطع مع الشكوك المُثارة حول الأهداف الحقيقية التي ترسم للدعم الاميركي والإسرائيلي لحكومة فؤاد السنيورة. يكاد الانتصار أن يكون تأسيسياً، ولأنه حتماً كذلك، تستنفر الهجمة الجديدة إمكانياتها. لو كان الأمر خلاف ذلك لكانت الحال غير هذه المُخيّمة على البلد. ليس التوتر الأقصى الذي يعيشه البلد إلا نتيجة مباشرة لهذا الانتصار الذي تحقق وما زالت أصداؤه تضرب مفاصل أساسية في بُنية الإدارة الإسرائيلية. النقاشات التقويمية العميقة التي تعيشها دوائر القرار الإسرائيلي العسكري والسياسي ودوائر القرار الغربي إشارات إضافية حاسمة إلى مفصلية هذا الانتصار ومترتباته سواء على مستقبل المشروع الأميركي أو على مستقبل الكيان الإسرائيلي.
العجز الإسرائيلي الذي أنتجه صمود المقاومة الكبير فرض على إسرائيل وقف النار، كان وقف النار حاجة إسرائيلية بقدر الحاجة اللبنانية، إن لم يكن أكثر. لندع جانباً السخافات «السلطوية» المثارة من نوع أن المستوى السياسي الرسمي اللبناني ساهم في الوصول إلى هذه النتيجة، وخصوصاً ان الوثائق التي كشف عنها «حزب الله» أخيراً، والتي لا تمثل شيئاً بالقياس إلى الأوراق الأخرى المحفوظة، كشفت عن مدى التورط الرسمي اللبناني في هذه الحرب وحجمه.
المشتركات التي تجمع بين عباس والسنيورة عديدة، أبرزها تكامل الأدوار وتشابهها، وكما في فلسطين كذلك في لبنان، للشارع كلمة فاصلة في نزال الجولة الجديدة.