كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير لقيادات دول الخليج العربية بأن الأخطار المحدقة بها تأتي من الداخل وليس من الخارج يستحق التوقف عنده مطولاً وعدّه إنذاراً ووعيداً للأنظمة الخليجية وإفهامها بصريح العبارة أنها إن لم تواكب العصر، من منظور أميركي طبعاً، فستنتهي.هذه تحديداً نظرة واشنطن إلى إيران الشاه في ذلك الوقت كما سنرى لاحقاً، وهي السياسات التي اتبعتها واشنطن تجاه كل دول العالم ضمن سياسة مواجهة الشيوعية. نظرة واشنطن إلى العلاقات الدولية مع الاتحاد السوفياتي عبر الحرب الباردة، ومع دول «العالم الثالث» بدأت صياغتها في عهد آيزنهاور، والتي كانت جزءاً من سياسة الاحتواء التي صاغها الدبلوماسي الأميركي جورج كِنن في عام 1947 للإشارة إلى سياسة بلاده تجاه الاتحاد السوفياتي في عام 1920، أي بعد انتصار الشيوعيين أو البلاشفة في الحرب الأهلية على القياصرة، المدعومين من دول غربية.

حديثنا في علاقات واشنطن بطهران يعتمد وثائق رسمية مثبتة من ضمنها محاضر اجتماعات مختلف رجالات الإدارة الأميركية حينذاك، والتسجيلات الصوتية الشهيرة في البيت الأبيض ومذكرات رجالات الشاه ويومياتهم.
من الحقائق العديدة ذات العلاقة بمادة هذا المقال والواجب أخذها في الاعتبار، لجوء بعض رجالات الإدارة الأميركية إلى قنوات خاصة لتمرير سياسات غير متفق عليها أو أمور غير قانونية، وعدم اطلاع جميع أعضاء «مطبخ» واشنطن الحكومي على كل تفاصيل المواقف التي كان بعضها على جانب كبير من الأهمية والخطورة، لكن من دون إصدار قرار، وعرفت فقط من خلال التسجيلات الصوتية وسجلات اللقاءات في البيت الأبيض، ومن خلال لقاءات مع ذوي الشأن.
الملك فيصل كان يتوسّل
واشنطن لإقامة تحالف اقتصادي عسكري


أبلغ الشاه الولايات المتحدة استعداده لرفع إنتاج إيران من النفط مقابل مواد البناء

لذلك من المفهوم أن هنري كسنغر الذي بدأ عمله في إدارة الرئيس نيكسون بصفة مستشار الأمن القومي، ثم نال مطلبه وهو منصب وزير الخارجية عام 1973، حاول منع رفع درجة السرية عن تلك التسجيلات لكن المحاكم الأميركية المختصة رفضت التماسه. ويمكن لمن يود التأكد من كل ما يرد في هذا المقال العودة إليها في الإنترنت أو في مختلف الكتب التي صدرت عن الموضوع، وهذه هي مراجعي.
الوثائق المفرج عنها مهمة ما دامت تحوي معلومات، لكن الأهم منها بما لا يقارن، تلك التي لم يفرج عنها بعد. مع ذلك، هذه الحقيقة لا تنتقص من قيمة الوثائق المتوافرة.
ننتقل الآن إلى علاقة واشنطن بطهران، والتي وجب الحديث فيها ضمن أطر تلك المرحلة من تاريخ المنطقة والعالم، والمختلفة إلى حد كبير عن الوضع الحالي. فالعالَم المصنع كان مقسوماً إلى معسكرين متنافسين، رأسمالي وشيوعي. كما شهدت تلك المرحلة أحداثاً مهمة على الصعيد العالمي تتقدمها فضيحة «ووترغيت» وتمدد اليسار عالمياً وهزيمة الولايات المتحدة في فييتنام وفقدانها كثيراً من هيبتها في العالم، ما جعل الرئيس الأميركي نيكسون يشكو من الوضع بالقول، على ما ينسب إليه: «لقد فقدنا هيبتنا لدرجة أن حتى عيدي أمين ينتقدنا. لا، فليسمح لنا، لم يبق سوى آكلي لحوم البشر الذين يعيشون على الشجر أن ينتقدونا! ما زال أمامهم طريق طويل للحاق بنا».
أما على الصعيد الإقليمي، فقد كان المعسكر العربي منقسماً، على نحو ما، إلى دول «تقدمية» هي سوريا ومصر والجزائر وليبيا واليمن الديمقراطي والعراق - أو هكذا صور لنا! وأخرى «رجعية» تقودها السعودية. هذا الانقسام شكل عامل ضغط مهماً على سياسات الدول العربية «الرجعية».
من الأمور الأخرى التي وجب أخذها في الاعتبار في هذا المقام وجود إيران الشاه وممارستها دور شرطي المنطقة تمثلت في سياسة عدوانية تجاه دول الخليج العربية. فعلى سبيل المثال، قامت إيران باحتلال جزر طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى التي كانت لا تزال خاضعة للسيادة البريطانية، بل إن الشاه حذر في الوقت نفسه دول الخليج من وصفه بأنه عربي. نظام الشاه كان كلب الحراسة الأميركي غير المنازع في المنطقة المسماة الشرق الأوسط الذي عرّف حدوده وزير الخارجية الأميركي دلاس بأنه يمتد من باكستان [الشرقية سابقاً - بنغلاديش حالياً] إلى المغرب غرباً.
سياسة واشنطن تجاه الاتحاد السوفياتي، الخطر الأكبر على النظام الغربي الرأسمالي، من منظورها، قادت إلى سياسة ما يسمى «الاحتواء»، أي حصر المنافس والغريم ضمن حدوده ومنع أي تمدد له، وهذا عنى بالضرورة دعم أنظمة وقوى محلية معادية للشيوعية وإحاطة موسكو وحلفائها بحزام أو بوعاء معاد للشيوعية.
المشرق العربي شكل نقطة أساس في سياسة واشنطن بسبب احتياطي النفط، وخصوصاً بعد انقلاب تموز في العراق الذي أطاح بالنظام الملكي ــ البريطاني، وانتماء سوريا ومصر ومن بعد ذلك ليبيا إلى معسكر معاد لها، نسبياً، إضافة إلى الهند الدولة القوية، وأكبر «ديمقراطية» في العالم، ورفضها كل محاولات تقرب واشنطن منها على حساب تخليها عن كشمير لصالح باكستان حليفة واشنطن. انتماء دلهي لعالم الحياد الإيجابي، فتح ثغرة خطرة في الوعاء المعادي لموسكو في المنطقة، آخذين في الاعتبار كون الخليج الفارسي الممر البحري الأساس لإمدادات النفط إلى العالم، ما أضفى على الإقليم، وإيران في القلب منه، أهمية استثنائية.
مشكلة واشنطن كانت خشيتها من قيام أنظمة معادية لها قد تعرض المسلك البحري الخليجي وعائداتـ[ـها] النفطية للخطر، وهو ما دعاها للتدخل في إيران عام 1952 لإسقاط وزارة الزعيم القومي الإيراني محمد مصدق وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي ونظامه إلى السلطة. واشنطن نظرت إلى نظام الشاه المعادي بالفطرة للشيوعية، على أنه عامل ثبات في المنطقة لكنها كانت تدعوه دوماً لإدخال إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتحديث بنية الدولة الإدارية كي يتوقف عن مطالبته لها، على نحو لجوج، كما رأت، بتقديم المعونات الاقتصادية والعسكرية.
التطورات اللاحقة، خصوصاً تجربة فييتنام المرة دفعت واشنطن لسياسة قامت على إنشاء قوى محلية للدفاع عن مصالحها بدلاً من إرسال جنودها للموت هناك. تلك كانت مريحة لها لأنها أعفتها من التدخل المباشر لحماية مصالحها، وتركت الأمر للقوى الإقليمية لإرسال جنودها للموت في حروب دفاعاً عن مصالح الولايات المتحدة الأميركية. هذا شكل جوهر سياسة واشنطن منذ البدايات، ولا يزال، إلا إذا ثبت لها عدم مقدرة زبائنها على تنفيذ المهمة، كما حصل في عدوانها على العراق.
من مؤهلات الشاه الأخرى لكسب رضا واشنطن سماحه للعدو الصهيوني بفتح سفارة في طهران، وإن تحت مسمى بعثة تجارية، ما جعله أفضل من جاره الغربي، أي المملكة السعودية التي كانت تحت حكم الملك سعود الذي عدته واشنطن ملك رجعي إقطاعي متخلف يسعى وراء شهواته فحسب.
مع أن واشنطن لم تكن عضواً مؤسساً في حلف بغداد (1955)، الذي ضم العراق (الملكي) وتركيا وباكستان وبريطانيا، إلا أنها شجعت الشاه على الانضمام إليه حيث كانت تعده احتياطياً استراتيجياً مهمته تنفيذ سياستها في المنطقة وليس أكثر من ذلك.
المشهد العام في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي الذي واجه واشنطن طغت عليه أمور عدة منها الحرب الهندية ـ الباكستانية التي انتهت بخسارة الأخيرة، أي حليفتها، وفقدانها الشق الشرقي الذي استحال بنغلاديش. تضاف إلى ذلك طبعاً حرب أكتوبر التي ارتبطت بحظر النفط الذي فرضته الدول العربية المصدرة للنفط، عدا نظام صدام حسين، والارتفاع المطرد في سعر برميل النفط الذي لم يكن يتجاوز الدولار الواحد في أواخر ستينيات القرن الماضي.
العلاقات الأميركية ـ الإيرانية شهدت في عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (1969-1974) نقلة نوعية غير مسبوقة سببها علاقة شخصية بينه وبين شاه إيران الذي استقبله في طهران بتاريخ 22 نيسان 1967عندما كان خارج السلطة إذ قد كان خسر السباق إلى البيت الأبيض لمنافسه جون كينيدي الذي فاز بفضل أصوات المقترعين الأميركيين اليهود. فنيكسون كان نائب الرئيس دوايت آيزنهاور الذي أجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة بعد العدوان الثلاثي عام 1956.
من منظور واشنطن علاقاتها بطهران هي علاقة السيد الذي يأمر التابع الذي عليه تنفيذ الأوامر، من دون تردّد أو نقاش، وهذا ما كان عليه عمله.
عندما أضحى نيكسون سيد البيت الأبيض، كان فيصل (السديري) هو حاكم السعودية بعدما خلع أخاه الملك سعود الذي انتقل إلى مصر للعيش فيها لاجئاً. ومع أن سيد الرياض الجديد أنجز بعض الإصلاحات ومنها منع تجارة العبيد، إضافة إلى تحديث بعض إدارات الدولة، وخصوصاً المالية بهدف ضبط الإنفاق الذي كان منفلتاً من عقاله في عهد الملك المخلوع، إلا أن السعودية بقيت في منظور واشنطن والغرب دولة إقطاعية متخلفة لا تملك أي مؤهل للقيام بأي دور عسكري أو غيره في الخليج.
خطط الشاه لتطوير إيران وممارسة دور حامي مصالح واشنطن في الخليج عنت حاجته المستمرة للمال لتطوير البلاد، وفق رؤيته الخاصة، ولابتياع السلاح. نيكسون عندما صار سيد البيت الأبيض عام 1972، لم ينسَ مبادرة الشاه نحوه عندما كان خارج السلطة، فمنح الأخير شيكاً على بياض لابتياع «ما شاء من الأسلحة الأميركية، باستثناء القنبلة النووية» وفق ما عرف رئيس البعثة العسكرية الأميركية في طهران الميجور جنرال إلس وليمسن في 5 حزيران 1972 من الشاه، وليس من رئاسته في واشنطن.
الفكرة الأساس وراء تلك السياسة، إضافة إلى ممارسة دور كلب حراسة مصالح واشنطن الاستعمارية في الإقليم، كما أسلفنا، تعكس التعلم من درس فييتنام الذي يتلخص في جملة: دع الغير يرسل جنوده للموت دفاعاً عن مصالحنا بدلاً من إرسالنا جيوشنا للقتال. يضاف إلى ذلك استعادة الأموال التي تنفق لابتياع النفط بصورة عقود أسلحة.
إضافة إلى الشيك على بياض الذي منحته إدارة نيكسون للشاه لابتياع ما شاء من الأسلحة التقليدية، فقد وافق نيكسون على قيام الشاه برفع سعر برميل النفط كما أراد، والذي لم يكن سعره في مطلع الستينيات يقارب دولاراً أميركياً واحداً «حتى لو صدر احتجاج (شكلي)».
الوضع تغيّر في آخر عام 1973 بسبب حرب أكتوبر وحظر تصدير النفط العربي. ولإدراك أهمية ذلك الحدث وتبعاته على العالم الغربي وعلى قضايانا وعلى موضوع هذا المقال، من الضروري إلقاء نظرة دقيقة عليه:
ــ 6 تشرين الأول: القوات المصرية والسورية تشن هجوماً على دولة العدو الصهيوني عبر أراضيها المحتلة عام 1967.
ــ 13 تشرين الأول: وَضْعُ العدو الصهيوني العسكري وصَلَ في جبهة الجولان، بحسب كلام هنري كيسنجر لوزير الدفاع الأميركي، إلى درجة اليأس حيث كادت قواته تنهار أمام تقدم القوات السورية واحتمال اقتحامها شمال فلسطين المحتلة، ما دفع واشنطن للتدخل عبر إرسال أسلحة وذخائر إليه.
ــ 14 تشرين الأول: إزاء تهديد الدول العربية بفرض حظر تصدير النفط في حال قيام واشنطن بتزويد العدو بحاجاته العسكرية لمنع انتصار عربي، بدأت واشنطن بوضع خطط عسكرية لمواجهة احتمال قيام دول عربية بحظر تصدير النفط، أي احتلال منابع النفط.
ــ 15 تشرين الأول: أحمد زكي اليماني وزير النفط في السعودية حذر واشنطن من أن إرسال السلاح إلى إسرائيل سيؤدي إلى تخفيض المملكة إنتاجها بمقدار 10% أولاً، ثم بمقدار 5% في كل شهر تالٍ.
ــ 16 تشرين الأول: نيكسون يهدد باستخدام القوة ضد السعودية في حال حظر النفط «تماماً كما فعلنا في لبنان والأردن».
ــ 17 تشرين الأول: الدول العربية، عدا العراق، المجتمعة في الكويت، اتّفقت على تخفيض تصدير النفط العربي بمقدار 5% شهرياً حتى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967.
ــ 17 تشرين الأول: دول الخليج وإيران رفعت سعر برميل النفط من 3,01 إلى 3,65 دولار للبرميل، أي بمقدار 21%.
ــ 18 تشرين الأول: السعودية تعلن تخفيض إنتاجها بمقدار 10%.
ــ 19 تشرين الأول: المغدور معمر القذافي أعلن حظر بيع النفط لأميركا ورفع سعر برميل النفط الليبي الخفيف من 4,90 إلى 9,28 دولار أميركي للبرميل الواحد. النفط الليبي كان أساس اقتصاد ولاية نيويورك. تلا ذلك ارتفاع سعر نفط الخليج إلى 5,11 دولار للبرميل. في اليوم نفسه أعلنت واشنطن أن حظر النفط العربي لن يؤثر فيها حتى يصل إلى مليون برميل يومياً.
ــ 20 تشرين الأول: السعودية ردت على السخرية الأميركية وأعلنت وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة علماً بأنها كانت تزود الأسطول السابع بـ120000 برميل وقود يومياً. الأسطول السادس الأميركي كان يعتمد على الوقود من مصافي النفط الإيطالية، لكن الأخيرة بدأت نفسها بتقنين النفط ما يعني توقف الأسطول السادس. هذا عامل مهم لأن الأسطول السوفياتي في البحر المتوسط كان مجهزاً بقوات إنزال بحرية خاصة.
ــ 20 تشرين الأول: البحرين أعلنت منح واشنطن سنة لإغلاق القاعدة البحرية في أراضيها علماً بأن العراق قد كان منح السوفيات حقوق الرسو والتمون في ميناء أم القصر الذي كان يتم بناؤه بمساعدتهم.
ــ 20 تشرين الأول: الكويت وقطر والبحرين ودبي أعلنت وقف تصدير النفط لأميركا أسوة بليبيا والجزائر وأبو ظبي والسعودية.
ــ 24 تشرين الأول: «مجموعة واشنطن للعمل الاستثنائي» Washington Special Actio Group - WSAG› وهي لجنة خاصة تابعة لمجلس الأمن القومي ومهمتها متابعة الأزمات، وتضم، ضمن آخرين، وزير الخارجية ورئيس أركان البيت الأبيض ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية ورئيس هيئة أركان الحرب ووزير الدفاع، اجتمعت في واشنطن للبحث في الأوضاع الناجمة عن حرب تشرين. الرئيس نيكسون غاب عن الاجتماع بسبب السُّكر نتيجة انفعالاته الشخصية المرتبطة بتطورات فضيحة «ووترغيت».
ــ 3 تشرين الثاني: اجتماع جديد لـ «مجموعة واشنطن للعمل الاستثنائي». وزير الدفاع شلسنغر قال في الاجتماع: السعوديون كَبُر رأسهم بسبب امتلاكهم النفط، لكنني لست واثقاً من أن لديهم مستقبلاً خارج المعسكر الغربي، واقترح غزو أبو ظبي في الأيام العشرة الأخيرة من شهر تشرين الثاني «لتأديب الخليجيين»، قيل في الاجتماع أيضاً: «الأسطول الأميركي جاهز لتحويل المملكة السعودية إلى أنقاض... والسعودية ليست سوى محطة تزويد الوقود، ووظيفتها، بل وسبب وجودها أصلاً، لا يتعدى خدمة احتياجات الديمقراطيات الغربية، لا أكثر، وعلى حكامها فهم ذلك... هذه الرؤوس المصنوعة من الخرق البالية (في إشارة إلى غطاء الرأس - الكوفية) سنعيدها إلى مكانها... على ظهور الجمال».
الوثائق الرسمية ذات العلاقة توضح أن خطط واشنطن لاحتلال منابع النفط كانت جدية للغاية وهو ما دفع وزير النفط السعودي أحمد زكي اليماني للتصريح في 19 تشرين الأول 1973 بأن حقول النفط تم تفخيخها وستفجر في حال أي غزو.
أما في حال تدخل الاتحاد السوفياتي في مصر في أثناء غزو أبو ظبي فقد قررت «المجموعة» أن توجه الإدارة الأميركية أمرين أولهما لإسرائيل بتدمير الجيش الثالث المحاصر، وثانيهما لتركيا بإغلاق مضيق البوسفور في وجه السفن السوفياتية.
في تلك الأثناء، تصادف موعد إجراء مناورات لحلف السنتو، أي بغداد سابقاً، الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران وتركيا، وبدأت واشنطن بحشد قواتها عند مدخل الخليج.
إيران الشاه أبلغت واشنطن دعمها خطط العملية السرية واستعدادها لتزويد البحرية الأميركية بالوقود وفتح مطاراتها للطيران الحربي الأميركي. لكن الشاه كان في الوقت ذاته يخشى رد فعل الاتحاد السوفياتي على فتحه مجاله الجوي وقواعده العسكرية للقوات الأميركية بما يتناقض مع روح الاتفاقات الموقعة مع موسكو والتي تحظر وجود قواعد عسكرية أميركية على أراضيها ومنع نصب صواريخ أميركية فيها.
ــ 8 تشرين الثاني: كيسنجر وصل إلى الرياض واجتمع إلى الملك فيصل لمدة 3 ساعات، وسنعود إلى هذا لاحقاً.
حظر النفط العربي وبنية الاقتصاد الرأسمالي الهشة أصلاً سبّبا معاناة واشنطن من مشاكل اقتصادية إضافية. فمعدل التضخم في الولايات المتحدة عام 1974 ارتفع إلى 12%. وفي خلال 18 شهراً ارتفع مقدار الأميركيين تحت خط الفقر إلى 5,6%، والأطفال الأميركيين الذين يعيشون في فقر بلغ مقداره 8% ووصل عددهم إلى أكثر من عشرة ملايين طفل، والدخل الحقيقي للفرد الأميركي انخفض بمقدار 4%، وهكذا.
أما حليفاتها من دول أوروبا الغربية واليابان فقد عانت معدلات تضخم غير مسبوقة وبعضها، مثل بريطانيا وإيطاليا اضطر حتى للاستدانة من صندوق النقد الدولي، قارب على الإفلاس بسبب نقص النفط وارتفاع سعره. ففي بلجيكا ارتفع مقدار التضخم إلى 16%، وفي بريطانيا إلى 18%، وفي فرنسا إلى 16%، وفي اليونان إلى 33%، وفي اليابان إلى 24%، وفي إيطاليا إلى 25%، وفي الأرجنتين إلى 55%... إلخ. ومن ينسى صور المدن الأوروبية والأميركية المطفأة أنوارها والشوارع الفارغة من المركبات بسبب منع سيرها نظراً لنقص الوقود!
كما ضاعفت ثورة القرنفل في البرتغال التي اندلعت يوم 24 نيسان 1974 من هموم الغرب حيث كانت واشنطن وكندا تستوردان النفط النظيف من مستعمرة أنغولا، لكن حظر النفط أجبر لشبونة على تحويل مسار الناقلات إليها بعد إغلاق العرب مضخاتهم.
وما زاد من اضطراب الاقتصاد الرأسمالي العالمي اضطرار كثير من الدول النامية إلى الاستدانة من البنك الدولي والمصارف الخاصة لتمويل وارداتها النفطية وغيرها.
ذكرنا آنفاً أن نيكسون كان قد منح شاه إيران عام 1971 شيكاً على بياض لاستيراد ما شاء من الأسلحة، عدا القنبلة الذرية، ولرفع سعر النفط وفق ما شاء «حتى لو صدر احتجاج (شكلي) من واشنطن»، كي يسدد فواتير مشتريات الأسلحة وغيرها. لكن الأمور في العالم تغيرت بعد حظر النفط العربي إبان حرب تشرين 1973 حيث بدأ يؤثر سلباً في اقتصادات المعسكر الغربي على نحو غير محتمل ما استدعى سحب الشيك على بياض والضغط على الشاه لوقف اندفاع ارتفاع سعر برميل النفط، بل وحتى تخفيضه.
لكن الشاه من ناحيته استمر في دفع سعر برميل النفط إلى أعلى ليتمكن من تسديد فواتير مشتريات الأسلحة ولتغطية كلفة خطط التنمية الخمسية في بلاده. فعلى سبيل المثال أعلن في 23 كانون الثاني 1974 رفع سعر برميل النفط من 5,11 إلى 11,65 دولار أميركي ضامناً لإيران بذلك مقدار 7 دولارات لكل برميل. هذا عنى ارتفاعاً في سعر برميل النفط مقداره 450% خلال سنة واحدة، ما فاقم من مشاكل اقتصادات دول أوروبا الغربية التي لم تعد قادرة على مواجهة الكلفة الجديدة. لذا سعت الإدارة الأميركية لإقناع الشاه بضرورة وقف زيادة سعر برميل النفط، بل وطلبت تخفيضه، لكن من دون جدوى ما دفع بواشنطن للبحث في حلول أخرى. وهنا نعود إلى اجتماع هنري كيسنجر بالملك فيصل في الرياض بتاريخ 8 تشرين الثاني 1973، الذي افتقر إلى محاضر يمكن العودة إليها، لكن تطورات الأوضاع وتقارير الإدارة الأميركية اللاحقة تقول: إن فيصلاً أبلغ كيسنجر استعداده لعقد صفقة لإنهاء الحظر ومتوسلاً: «بإمكانكم إجبار إسرائيل على الانسحاب في ثلاثة أسابيع. ألا يمكنكم مساعدتي وإعطائي القدس». رد كيسنجر، على ما يرد في الوثائق: «هذا آخر اهتماماتنا الآن، سنفعل ذلك لكننا في حاجة إلى بعض الوقت».
مهمة البيت الأبيض أضحت الآن منح السعودية والملك فيصل جسراً للتراجع، يمكنه من حفظ بعض من ماء وجهه. لا تتوافر تفاصيل عما حدث حتى يوم 28 تشرين الثاني، الساعة 11:15 عندما اتصل كيسنجر بوزير الدفاع الأميركي شلسنغر ليبلغه تسلمه رسالة رسمية من السعودية تقول: "إن الملك فيصل يود تخفيف حظر النفط ويبحث عن مخرج في صورة رسالة رئاسية من البيت الأبيض حول انعقاد مؤتمر سلام، ويطلب منحه مهلة بضعة أسابيع لرفع الحظر". رد وزير الدفاع الأميركي: "هذا جيد لأنني في حاجة إلى ثمانية أسابيع لإنهاء وضع خطط احتلال منابع النفط".
«مجموعة واشنطن للعمل الاستثنائي» آنفة الذكر اجتمعت يوم 29 تشرين الثاني 1973 في البيت الأبيض مرتين، حيث علمت من كيسنجر بأن السعودية بدأت بالاستسلام وهو ما أكده وليم كلبي رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الذي ينسب إليه القول: إن الملك فيصل ليس معمر القذافي (أي لا يمتلك شجاعة تحدي أميركا).
لكن من المهم التنويه الآن إلى أن السعودية كانت قبل ذلك التاريخ أبلغت شركة «أرامكو» سراً أن بإمكانها ضخ كميات نفط أكبر من الرقم المعلن، لكن من دون إعلان ذلك. والملك فيصل كان أبلغ كيسنجر في اجتماع 8 تشرين الثاني استعداد نظامه لتزويد الأسطول الأميركي السابع سراً بكميات من النفط. وهذا فعلاً ما حصل حيث قامت السعودية بكسر حظر النفط الذي فرضته بنفسها على الولايات المتحدة وبدأت بتزويد الجيش الأميركي بالنفط خمسة أسابيع بعد إعلانها فرض الحظر، ما جعل واشنطن تخفف من وجودها العسكري البحري عند مدخل الخليج وأرسلت بعض سفنها الحربية إلى مرافئ باكستان وشرق أفريقيا القريبة.
تراجع السعودية عن الحظر لم يكن نتيجة قناعة بل بسبب رعب حكامها من التهديد الأميركي باحتلال حقول النفط. وما يؤكد جدية التهديد الأميركي باحتلال حقول النفط في دول الخليج طرح فرنسا أيضاً على واشنطن التدخل العسكري في الخليج، إضافة إلى تصريح أحمد زكي اليماني بأن بلاده فخّخت حقول النفط تحسباً لأي محاولة احتلال.
مع ذلك التراجع، تساءل كيسنجر في اجتماع «مجموعة واشنطن» آنف الذكر عن إمكانية ترتيب انقلاب في إحدى المشيخات الخليجية «فقط لنريهم أن بإمكاننا عمل ذلك»، أي عملية «تأديبية» لدول الخليج ليس غير!
السعودية التزمت تعهدها السري لواشنطن. ففي اجتماع منظمة الأوبك في 18 آذار 1974 تقرر إنهاء حظر النفط، والرياض أعلنت كذلك زيادة إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً رافضة طلب إيران برفع سعر برميل النفط بمقدار 5%. وبعد أسبوع عاد إنتاج النفط السعودي إلى ما كان عليه قبل الحظر، بل وارتفع إلى أكثر من 11 مليون برميل، أي زيادة مقدارها 37%.
وزير النفط أحمد زكي اليماني قال في اجتماع أوبِك الأخير إن بلاده ستنسحب من المنظمة، ما يعني بدء عملية تحطيمها، وهو ما تم في مرحلة لاحقة.
طهران من ناحيتها استمرت في سياسة نفطية عدتها واشنطن ابتزازاً ومنها أن الشاه أبلغها نهاية عام 1973 استعداده لرفع إنتاج إيران من النفط فقط مقابل مواد بناء مثل الإسمنت وقضبان فولاذ محددة وألومنيوم وغير ذلك. قبل ذلك، أبلغت طهران واشنطن أنها ستستمر في رفع سعر النفط حتى يتساوى مع سعر الطاقة البديلة، أي الزيت الصخري وتحويل الفحم الحجري إلى غاز.
التطورات غير المنظورة من قبل، وغيرها، دفعت وزارة الخارجية الأميركية إلى الاستنتاج البديهي بأن تدعيم القوة العسكرية الإيرانية سيؤدي إلى تعامل الشاه مع واشنطن من موقع قوة، بما يعني ضرورة البحث عن وكيل بديل.
أما شاه إيران فكان من ناحيته يسوّغ دفعه سعر النفط إلى الأعلى بارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة. ففي 1 كانون الأول 1973 نشرت «ذي نيو ريبابلك» مقابلة معه قال فيها: إن أسعار النفط ستستمر في الصعود بسبب ارتفاع سعر القمح والإسمنت والسكر بمقدار ثلاثة أضعاف. كما كان يشير إلى ارتفاع أسعار الأسلحة الأميركية بمقدار 80%.
أما فيصل، ملك السعودية، الذي صار يستجدي واشنطن لمنحه عذراً لإنهاء حظر النفط، كان يتوسلها من قبل لإقامة تحالف اقتصادي عسكري، لكنها لم تكن جاهزة بعد لأن عينيها كانتا مركزتين على الشاه. وهنا تظهر نتائج اجتماع كيسنجر السابق بالعاهل السعودي بتاريخ 8 تشرين الثاني 1973. ففي 7 آذار 1974 شرح كيسنجر أهداف التحالف الجديد مع السعودية لبِل كلمنتس نائب وزير الدفاع الأميركي بالقول: "لقد قررنا السير بالمطلق مع الرياض وهذا ما اتفقت عليه مع الملك فيصل الذي تعلم الدروس من حظر النفط (أي عدم الوقوف في وجه واشنطن التي ردت بتهديده باحتلال حقول النفط وتدمير مملكتـ[ـه] وتحويلها إلى ركام)، وسنرسل بعثتين عسكرية واقتصادية لوضع خطط الحلف الجديد".
هنري كيسنجر اتصل بالرئيس نيكسون يوم الاثنين 11 آذار 1974 ليبلغه بتهافت السعودية لإقامة الحلف وأنها ستنهي حظر النفط [كسلاح] ولن تعود إليه، على الأقل ليس جماعياً مع الدول العربية. لذا من الصحيح القول: إن تلك المرحلة شهدت تحولاً مزلزلاً في سياسة واشنطن حيث قررت الأخيرة قبول عرض الرياض بالمشاركة في رسم سياسة الحكم السعودي الداخلي وفي السياسة الخارجية وفي تطورها الاقتصادي، وهو ما كان الملك فيصل يسعى إليه. هذا الاتفاق مهم في ضوء حقيقة أن الشاه كان قد رفض مأسسة علاقاته الاقتصادية والعسكرية مع واشنطن ما أضعف من درجة حظوته لدى واشنطن.
ولترتيب الأمور المستجدة، جمع كيسنجر يوم 29 آذار 1974 رؤساء شركات النفط الأميركية «تكسكو»، و«ستندرد أويل أوف كاليفورنيا»، و«غلف أويل»، و«موبيل أويل»، و«إكسكن»، و«أمردا هِس»، و«أطلنطيك رتشفيد»، و«كونتننتل أويل»، وحضر الاجتماع جون مكلوي صاحب شركة محاماة متخصصة في صياغة عقود النفط مع الدول العربية، ونائب وزير الخزانة الأميركي بل سيمون. ما رشح عن الاجتماع أن كسينجر أوضح أن ارتفاع الأسعار أدى إلى عقد صفقات تبادل بين الدول المصدرة والدول المستوردة، مثل ليبيا والأرجنتين (قمح ولحوم مقابل النفط)، والعراق من جهة وفرنسا واليابان، والسعودية مع فرنسا (النفط مقابل السلاح) والعراق واليابان (بناء مصفاة تسييل الغاز مقابل النفط) ليبيا وبولندا (النفط مقابل ناقلات نفط وأجهزة صناعية)، وهكذا، ما أثر سلباً في دخل شركات النفط الأميركية وأرباحها حيث شكت في الاجتماع من أن صفقات تبادل النفط مقابل البضائع بدأ يؤثر في عملياتها وأدت إلى فقدان أسواق وهبوط أرباحها.
شاه إيران، كما معمر القذافي، وهواري بومدين الذي كان كيسنجر يخشاه حقاً، استمر في دفع سعر النفط إلى أعلى والذي كان يلحق أفدح الأخطار باقتصادها واقتصادات حلفائها الغربيين، ما استفز واشنطن، إضافة إلى شكوكها في نواياه آخذين في الاعتبار عدم مقدرة بلاده على استيعاب الأسلحة الجديدة وإصراره على إرسالها خبراء أميركيين لتحريكها وصيانتها. ذلك ما كانت واشنطن تتفاداه إذا إن سياستها، بخاصة بعد درس فييتنام التأديبي، كانت تكليف الأنظمة الزبون بمهمات الدفاع عن مصالحها وعدم إرسال جنودها للموت. فقد تبين لها في نهاية المطاف أن عدد الخبراء العسكريين الأميركيين في إيران وصل إلى أكثر من خمسين ألف شخص.
إزاء استمرار ضغط شاه إيران في رفع سعر برميل النفط، وعدم إصغائه لكلام واشنطن المتواصل عن ضرورة وقف ذلك، اضطرت واشنطن إلى اتباع سياسة تأديبية تجاهه بوساطة حلفها الجديد مع الرياض الذي خُتم رسمياً بزيارة الأمير فهد ووفد كبير عدد أفراده 1400 شخصية إلى واشنطن في الأسبوع الأول من شهر حزيران 1974 لتوقيع مجموعة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية. وقد توجت تلك الزيارة بمأدبة "صاخبة" أقامها بل سايمنز وزوجه كَرُل لفهد وكَوْم من الشخصيات من الذكور والإناث يوم الجمعة الموافق 7 حزيران في مزرعته بمكلين بولاية فرجينيا! أما الأمير السعودي فهد (المتكرش) فكان أول من قفز إلى حوض السباحة، على ما تفضحه الوثائق الرسمية.
في 9 آب 1974 استقال نيكسون من منصبه بضغط فضيحة ووترغيت، لكن قبل ذلك أراد محاولة استعادة رصيده في الخارج والباحث عن قشة تنقذ سمعته، فقرّر زيارة مصر وسوريا وفلسطين المحتلة وإيران والسعودية حيث أمضى ثلاثة أيام في ضيافة الملك فيصل. الخطأ القاتل الذي ارتكبه شاه إيران وقتها إصغاؤه لنصيحة سفيره في واشنطن برفض توجيه دعوة لنيكسون حيث خشي من تأثير ذلك سلبياً في سمعته لدى الكونغرس الأميركي الذي كان يستعد لخلعه. ذلك الخطأ الاستراتيجي دفع نيكسون لفك تحالفه الشخصي الوثيق بالشاه.
جيرالد فورد تسلم الرئاسة بعد استقالة نيكسون واتبع السياسة نفسها، مبتعداً شيئاً فشيئاً عن طهران، لكن في الوقت نفسه متبعاً السياسة نفسها ضد السعودية. فعندما توقف عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية في البيت الأبيض في أواخر شهر آب 1974 للقاء الرئيس الأميركي الجديد حذره هذا من حظر نفط جديد، الذي سيُعد مسألة على جانب كبير من الخطورة (للسعودية)، أي أن رد واشنطن سيكون احتلال منابع النفط.
شكوك واشنطن بخصوص نوايا الشاه عززتها مشترياته من الأسلحة التي كانت أكبر بكثير من قدرة جيشه على استيعابها. كما بدأت الإدارة الأميركية تدرك أن الشاه يسلّح جيشه لمهمات تتجاوز الدفاع، مستذكرة قوله في أحد اللقاءات: «إن الخليج موصوف بأنه فارسي ليس لجمال الاسم». فمشتريات طهران تتجاوز مقدراتها المادية وتتم على حساب بنود الميزانية الأخرى المدنية، وهو ما كان يثير مخاوف واشنطن من التبعات الاجتماعية للأمر. فعلى سبيل المثال كانت فاتورة مشترياته من الأسلحة لعام 1973 تضم 177 طائرة «إف 4»، و141 «إف 5 إي»، و58 طائرة نقل من طراز «سي 130»، و489 مروحية هجومية، ومدمرتين، و460 دبابة «إم 60»، و6 بطاريات صواريخ «هوك»، و800 دبابة «تشفتين» من بريطانيا، و14 حوامة بما جعلها أكبر مالك لأسطول حوامات في العالم وبإمكانها نقل فرقة مشاة إلى شاطئ السعودية في غضون ساعتين. مجمل سعر المبيعات الجديدة كان خمسة مليارات دولار بقيمة تلك الفترة.
واشنطن من ناحيتها لم يكن بإمكانها الاحتجاج على كميات الأسلحة التي تبتاعها إيران لأنها في مطلع السبعينيات كانت قد أرسلت إلى طهران كرمت روزفلت الرأس المدبر لعملية وكالة الاستخبارات الأميركية لإسقاط محمد مصدق وإعادة تنصيب الشاه، لإقناعه بابتياع المزيد من الأسلحة.
مشكلة واشنطن الأخرى، لكن الثانوية، مع الشاه أنه كان يطمح لجعل بلاده قوة إقليمية كبرى، وهذا ما لا تسمح به واشنطن التي أعادته إلى السلطة بانقلاب عسكري كي ينفّذ خططها ويتبع سياساتها وليس لأي أمر آخر. ومن الأدلة على طموحات الشاه التي عدتها واشنطن تطاولاً منه، أنه في يوم 8 نيسان 1974 أبلغ السفير الأميركي في طهران هلمز، والذي كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية، أن طموحه ليس فقط أن تُضحي بلاده قوة إقليمية وإنما عالمية أيضاً! لكنني واثق من أن واشنطن لم تكن قلقة حقاً من قوة طهران العسكرية. مصدر قلقها الحقيقي كان استحالتها رهينة عبر الاعتماد على مصدر طاقة واحد.
المعاناة في الدول الغربية جعلت سياسة واشنطن النفطية تتجه نحو تخفيض سعر برميل النفط، وكانت تضغط باستمرار على الشاه لينصاع، لكن من دون فائدة. فقط مرة واحدة وافق الشاه على عدم طلب رفع سعر برميل النفط في اجتماعات منظمة أوبِك بهدف دعم جيرالد فورد في الانتخابات الرئاسية، والتزم تعهده حيث لم يقرر اجتماع منظمة الأوبِك المنعقد في بالي في أيار عام 1975 أي زيادة.
هنري كيسنجر من ناحيته، فقدَ الأمل في إقناع الشاه بتخفيض سعر النفط، لكنه تمكن من إقناعه بضبطه، حتى يتحسن وضع الاقتصاد العالمي. كسينجر كان لا يزال على قناعة بأهمية إيران للسياسة الدفاعية الأميركية لأسباب عديدة، منها محاذاتها للاتحاد السوفياتي حيث تحتفظ بقواعد تنصّت عليه داخل الحدود الإيرانية. لذلك وافق على عرض الشاه في تشرين الثاني 1974، بقيام إيران بتزويد الولايات المتحدة الأميركية سراً بكميات النفط التي لم تتمكن من تصديره بسعر تشجيعي لا يزيد عن دولار واحد للبرميل، بمعدل مليون برميل يومياً، مقابل عدم إصرار الشاه على رفع سعر برميل النفط في اجتماع بالي. المهم للشاه كان الحصول على دخل مستمر.
هدف واشنطن، الذي صاغه هنري كيسنجر، لم يكن تحطيم منظمة أوبِك وإنما ضبط الأسعار ولذا فقد نجح في إقناع شاه إيران بزيارة واشنطن في أيار 1975 لتثبيت الاتفاق الذي عنى تجميد أسعار النفط لمدة عام.
للعلم، بتاريخ 25 آذار 1975 اغتيل الملك فيصل وخلفه شقيقه خالد، لكن الممسك بالسلطة الحقيقية كان ولي العهد فهد. قبل ذلك، يوم 9 آذار عام 1975 وصل كيسنجر إلى سوريا آتياً من السعودية، بحث خلالها في أمور عدة مع الملك فيصل. المهم هنا قول كيسنجر أن فيصلاً أخبره بخشيته من عملية اغتيال تُعدّ له. من كتب في الموضوع أعاد خشية الملك فيصل من عملية اغتيال يعدها له «الراديكاليون» العرب، لكن هذا تكهن ليس غير، والحقائق قد تظهر يوماً بعد الإفراج عن كل الوثائق.
الأمور لم تسر وفق إرادة أي من الأطراف وعاد سعر برميل النفط للصعود ما أقنع إدارة الرئيس فورد بضرورة التحرك وتحطيم منظمة أوبِك بوساطة السعودية بعدما عاد الشاه بمطلب رفع سعر النفط بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني 1976. عندها تدخلت واشنطن، عبر الرياض حيث اتخذت الأخيرة قراراً في اجتماع الأوبِك بتاريخ 14 كانون الأول 1976 في العاصمة القطرية الدوحة برفع سقف إنتاجها من 8,5 إلى 11,8 مليون برميل يومياً مغرقة السوق بذلك وفارضة تخفيض سعر النفط وهو قرار ولي العهد السعودي فهد، والذي يعد ترجمة لتفاهم سابق بين نائب وزير المالية الأميركي بل سيمن واليماني في عام 1974.
قرار الرياض في اجتماع الأوبِك في العاصمة القطرية الدوحة برفع سقف إنتاجها من 8,5 إلى 11,8 مليون برميل يومياً لم يمر من دون رد فعل، إذ تعرضت لأقسى الحملات من جانب الدول النفطية. شاه إيران كان يعلم أن قرار إغراق السوق العالمية بالنفط كان أميركياً بامتياز، لكنه لم يتجرأ على انتقاد السيد الأميركي.
في الفترة نفسها، حدث أن العراق وإيران اتفقا في الجزائر بتاريخ 6 آذار 1975 على رسم جديد للحدود بين الدولتين في شط العرب مقابل وقف إيران الدعم في شمال العراق، والذي كانت تنفذه وكالة الاستخبارات المركزية. الوثائق ذات العلاقة تفيد بأن دافع إيران لقبول ذلك الاتفاق كان تهديد بريجنيف لشاه إيران بضرورة وقف دعم الجماعات الكردية الانفصالية، إضافة إلى تمكن الجيش العراقي من تحقيق تقدم في حربه على الانفصاليين الكرد. مصطفى البرزاني لم يكن يثق بالشاه، لكنه كان يعتمد على وعود واشنطن له التي تخلت عنه بعدما فقد قيمته. من منظورها، كان دعمها للحركة الانفصالية الكردية عامل ضغط لكبح جموح صدام حسين للمغامرة خارج حدود العراق، وفق ما تورده الوثائق ذات العلاقة.
سوريا رحبت بالاتفاق وعدّته نصراً استراتيجياً للعرب، على ما قاله الرئيس حافظ الأسد لهنري كيسنجر. ومن طريف الأمور التذكير أنه في الوقت الذي رحبت فيه سوريا، المختلفة إلى حد ميؤوس منه مع العراق، بالاتفاق، شكا سفير الكويت في واشنطن سالم الصباح للرئيس الأميركي جيرالد فورد يوم 9 آذار من أن الاتفاق سيمنح العراق فرصة التفرغ للكويت!
سياسة الشاه تجاه العراق كانت زعزعة النظام هناك باستخدام الكرد الذين دعمتهم الولايات المتحدة بالمال والسلاح، عبر إيران. ومن الجدير بالذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية وصفت الكرد في برقية بتاريخ 22 آذار 1974 بأنهم شعب مناسب ليكون أداة مفيدة على نحو خاص لإضعاف ميول صدام حسين للمغامرة خارج حدود بلاده. أما وزير بلاط الشاه، أمير علم، فقد ذكر في يومياته أن سيده دفع مبالغ مالية للمسلحين الكرد لنسف أنابيب النفط في العراق كي يبعد شركات النفط عنه ويدفع استثماراتها باتجاه إيران التي كانت تعاني نقصاً في ذلك الحقل.
ملامح الحلف الجديد بين واشنطن والرياض تطورت على نحو مطرد بقيام الأمير عبد الله بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس الوزارء السعودي وقائد الحرس الوطني بزيارة واشنطن يوم الجمعة 9 تموز 1976 واجتماعه إلى الرئيس فورد. بعد ذلك بأيام أعلنت واشنطن صفقة بيع أسلحة للسعودية تضم 2500 صاروخ «مافريك» جو ــ أرض؛ 1000 قنبلة موجهة بالليزر؛ 2000 صاروخ «سايدوندر»؛ 16 بطارية صواريخ «هوك» المضادة للطائرات؛ وابتاعت السعودية من واشنطن بين عامي 1974 و1976 أسلحة بمقدار 6 مليارات دولار.
لكن كيسنجر كان معارضاً لسياسة التخلي عن شاه إيران، محذراً من أنه في حالة سقوط الشاه فسيخلفه نظام متطرف معاد لواشنطن.
في 7 آب 1976 قام كيسنجر بزيارة طهران للمرة الأخيرة بصفته وزير خارجية للاجتماع بسفراء بلاده في الشرق الأوسط، حيث انتقد على نحو حاد سياسة واشنطن الجديدة تجاه الشاه، مؤكداً التزام الأخير كل ما كانت واشنطن تطلبه منه، وأعطى مثالاً على ذلك موافقته على قيام واشنطن بتزويد الحركة الانفصالية الكردية في شمال العراق بالأسلحة عن طريق طهران. كما عدد مناقب الشاه وتقديمه المساعدات لواشنطن كلما طلبت منه ذلك. قبل مغادرته طهران أعلن أن واشنطن ستزود إيران بأسلحة حديثة قيمتها 10 مليارات دولار!
في 7 كانون الأول 1976 استقبل جيرالد فورد السفير الإيراني في واشنطن ليطلب منه امتناع إيران عن المطالبة بزيادة سعر برميل النفط، لكن الطلب رفض لأن إيران كانت تعاني من عجز في ميزان المدفوعات وتقارب الإفلاس، لكنه اقترح أن تراوح الزيادة بين 7 و15% بدلاً من المطلب الأصلي، أي 20%.
إزاء إصرار إيران على موقفها أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 9 كانون الأول معارضتها لأي زيادة في سعر برميل النفط لعام 1977. يوم 14 كانون الأول 1976 اجتمع وزراء نفط دول الأوبك في الدوحة حيث طالب اليماني بتجميد الأسعار لمدة 6 أشهر، وفي الوقت نفسه اجتمع السفير السعودي إلى الرئيس فورد ومستشاره للأمن القومي سكوكرُفت حاملاً رسالة من الملك خالد يؤكد فيها التزام بلاده عدم رفع سعر برميل النفط إلا في الحدود الدنيا.
أحمد زكي اليماني غادر اجتماع الدوحة للقاء ولي العهد فهد، وفي غيابه قرر وزراء نفط الأوبِك، عدا مندوب الإمارات العربية المتحدة، رفع سعر النفط في عام 1977 على دفعتين الأولى في مطلع العام بمقدار 10% ليصل سعر البرميل إلى 12,70 دولار، والثاني في مطلع تموز 1977 ليرفع سعر البرميل بمقدار 5% ليصبح 13,30 دولار للبرميل. بعد غياب ثماني ساعات في الرياض عاد اليماني إلى فندقه في الدوحة وأعلن في اليوم التالي رفض بلاده رفع سعر النفط المقرر في غيابه، وبدلاً من ذلك سترفع السعر بمقدار 5%. لكنها في الوقت نفسه سترفع إنتاجها ليصل إلى 11,8 مليون برميل يومياً والذي كان 8,5 مليون برميل ما عنى فقدان إيران 30% من صادراتها النفطية وبكل ما في ذلك من تأثير في اقتصادها. بل وصل الانخفاض إلى 38% علماً بأن 85% من دخلها مصدره عائداتها النفطية ووصلت خسارتها اليومية إلى 20 مليون دولار.
عندما صرّح شاه إيران بأن زيادة إنتاج النفط السعودي لن تؤثر كثيراً في اقتصاد بلاده، أعلن أحمد زكي اليماني استعداد السعودية لرفع إنتاجها اليومي إلى 14 مليون برميل يومياً. رد شاه إيران على التلفزيون الفرنسي بأن هذا عمل عدواني من جانب السعودية، كما أبلغ مجلة «نيوزويك» بأن تصرف السعودية يشبه تصرف يهوذا الإسخريوطي.
للمناسبة، اقترح شاه إيران على الرئيس الأميركي جيرالد فورد في اجتماعهما يوم 15 أيار 1974 قيام مصر والأردن باحتلال السعودية!
سياسة واشنطن النفطية الجديدة كما يلي: لا يزيد سعر برميل النفط عن 11,50 دولار ورفض سعي الشاه لرفعه إلى 17,40 دولار للبرميل. السعودية أغرقت سوق النفط العالمي بكميات تزيد عن حاجة العالم، وهذا كان تنفيذاً لأوامر الحليف في واشنطن، ونهاية منظمة أوبك كما كانت من قبل.
ما لم يحسبه كيسنجر هو أن في حالة هبوط سعر برميل النفط، كما تريد واشنطن وسعت إليه، بسبب الركود الاقتصادي في الغرب الصناعي، سيؤدي إلى هبوط دخل إيران ويعرّض النظام للسقوط.
في 1 كانون الثاني 1977 اعترف الشاه بأن إيران أفلست. وفي صيف عام 1977 انخفض إنتاج إيران الصناعي بمقدار 50% ووصل معدل التضخم فيها إلى ما بين 30 و40%.
وهكذا بدأت مرحلة نهاية إمبراطورية ملك الملوك ظل الله على الأرض الكاريكاتورية.
قيل الكثير عن أسباب سقوط الشاه حيث اهتم أهل الاختصاص بتحديد إن كانت واشنطن أو الشاه هي المذنبة. وقد سيقت أدلة عديدة تؤيّد كلاً من الرأيين.
في ظننا أن المسؤولية تقع على الشاه بمقدار مئة بالمئة. السبب أنه وثق بأميركا ونفذ كل سياساتها، من التسليح إلى رفع سعر النفط. كما ساهم في مجموعة من العمليات السرية ومنها خطة غرومن المتعلقة بصفقات الأسلحة الأميركية، والتي كان نائب الرئيس الأميركي ركفلر وكيسنجر من كبار أبطالها. يضاف إلى ذلك تمويل حملة الرئيس نيكسون سرياً، وتحويل أكثر من خمسين طائرة مقاتلة من سلاح الجو الفييتنامي إلى سايغون ودعم باكستان في حربها ضد الهند وتسليح الانفصاليين الكرد وغير ذلك من العمليات.
الشاه كان يعلم مصير الرئيس الفييتنامي نغو دين ديم في عام 1963 الذي أطاحت به وكالة الاستخبارات المركزية وقتلته، بعد أن كانت هي من أتى به للحكم في انقلاب سابق. هذه حقيقة معروفة وكان الشاه قد أشار إليها في لقاء له مع وزير الخارجية الأميركي بتاريخ أول نيسان أثناء جنازة الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور في 28 آذار عام 1969، حيث شكك في حكمة الثقة بالولايات المتحدة التي تأكل أبناءها. كلامه هذا أتى في مجال الرد على شكوى وليم روجرز من مشكلة فييتنام حيث وجد فيها نحو نصف مليون جندي أميركي.
لقد نفذ الشاه كل طلبات واشنطن، لكنه لم يتعلم. فعندما تضاربت مصالح واشنطن مع السياسات التسليحية والنفطية والداخلية التي أقرتها هي للشاه، حاولت إلزامه بالتخلي عنها. لقد كان الشاه ونظامه الخاسر في تلك المواجهة الناعمة بينهما. وعندما تطاول وصار يهددها رمت به من دون النظر إلى الخلف.
للتذكير سأل أحدهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية هلمز عن رأيه ورأي هنري كيسنجر في الشاه فأجاب، باحتقار: لم نأخذه يوماً على محمل الجد.
كنا تحدثنا من قبل عن العلاقة الشخصية التي قامت بين الرئيس الأميركي نيكسون وشاه إيران، ودورها في توطيد العلاقات بين البلدين. صحيح أن العلاقات الشخصية تفيد لكنها ليست الأمر الحاسم. فعلى سبيل المثال، نعرف تماماً رأي رجالات الإدارة الأميركية في حلفائها العرب في السعودية وغيرها «رؤوس من الخرق البالية ومكانها على ظهور الجمال». والعلاقات بين بعض رجالات الإدارة الأميركية، لم تكن قائمة على الاحترام. فنيكسون لم يكن يحب كيسنجر وكثيراً ما كان يشتمه في غيابه، وفضيحة قوله عنه: «اليهودي الوغد...» أو ما إلى ذلك، معروفة، وحديث الأخير في حفل شاه إيران حيث عدد مناقبه متمنياً أن يكون لرئيسه، أي جيرالد فورد، بعضاً منها، موثق لأنه تم في حضور رجال دولة أجانب، وسفير واشنطن في طهران. أما شاه إيران فلم يكن يحترم فورد حيث نسب إليه، بعد سماع خبر محاولة اغتياله الأولى في كاليفورنيا بتاريخ 5 أيلول 1974، قوله: "بحق الجحيم، من هذا "الغبي" الذي يريد اغتيال هذا الحمار الكهل!"، بل إنه وصفه مرة بأنه متخلف عقلياً.
نائب وزير الخزانة الأميركي، بِل سايمنز وصف الشاه بأنه: «غير مطلع، ومطلع على نحو سيء، مصاب بجنون العظمة على نحو غير عقلاني وهذياني وخَدَّاع».
هنري كيسنجر الألماني الأصل والمولود في مدينة فورت الألمانية، كان يشعر بالمرارة من عدم أهليته قانونياً لتولي منصب الرئاسة فكان يشتمه لأنه يمنع ذلك الحق عن أي مواطن أميركي ولد خارج الولايات المتحدة. وقد كان يطالب نيكسون بتعيينه وزيراً للخارجية في حال نجاحه في الدورة الثانية، وهدد بالاستقالة إذا لم يتحقق مطلبه. وهذا ما حصل حيث أبعد نيكسون وزير خارجيته وليم رجرز لمصلحة كيسنجر. المقصود هنا معرفة نفسية الأفراد الذين يعملون في الحقل السياسي، حيث الهدف يبقى ذاك الكرسي اللعين.
في 27 تموز، توفي ملك الملوك لاجئاً في مصر الساداتية بعد أن رفضت معظم دول العالم استقباله بعد فراره من إيران. حتى واشنطن رفضت استقباله لاستكمال علاجه، بل إن إدارة جيمي كارتر رفضت حتى التماس الملياردير الأميركي ركفلر للسماح له بدخول البلاد علماً بأنه عرف في خريف عام 1973 أنه مصاب بالسرطان، لكنه أخفى الأمر عن البلاط وحتى عن زوجه فرح ديبا، وإن أبلغ المقربين إليه بأن الإمبراطورة ستحكم البلاد في حال وفاته، إلى أن يتمكن ابنه رضا قورش من ممارسة سلطاته، وهذا ما لم يحدث!