نجيب نصر الله *
يذهب أمين السر العام في «الحزب التقدمي الاشتراكي» السيد شريف فياض الى تأكيد أفضال المجتمع الدولي على لبنان. «المجتمع الدولي» الذي استحق تنويه السيد فياض، حسم أمره، وقرر هو الآخر، جنباً الى جنب، مع الجهة التي يمثلها السيد فياض، حسم تردّده التاريخي، والمساعدة على كشف قتلة الرئيس رفيق الحريري، وإقامة الديموقراطية، وتعزيز حضور الدولة.
كلام السيد فياض جزء من اللازمة، ولا يخرج عن السياق التبسيطي الذي يحكم مجمل الخطاب الذي يتولى فريق السيد فياض الجهر به.
على أن الواضح من هذا الكلام، الحاسم في رهانه على الخارج، ان التعويل على «المجتمع الدولي» في حسم الصراع على لبنان، وليس فقط في لبنان، بات هو العنوان الذي يتقدم غيره من عناوين.
في السياق نفسه يجيء الكلام اللافت في عباراته، والصادر عن «تيار المستقبل»، والذي يحاول التشكيك في شرعية سلاح المقاومة، ليؤكد حقيقة الوجهة، وخصوصاً ان التوقيت السياسي لهذا الكلام، والمترافق مع اقتراب المواعيد الدولية والإقليمية المضروبة للمنطقة، له مهمة واحدة وأساسية ملخصها تحديد العنوان المركزي لمجمل المعركة التي تدور في المنطقة، والتي انطلقت مع الحرب على العراق، وتستهدف حسبما بات معروفاً ومكشوفاً إعادة الهيكلة السياسية والاجتماعية والثقافية الكاملة للمنطقة.
على أن الرد الذي أعقب موقف النائب محمد رعد الاعتراضي، والصادر عن النائب سعد الحريري شخصياً، قد بيّن وبوضوح لا تعوزه الدلالة عمق الترابط الذي يجعل من لبنان ساحة ذات أهمية موازية لمجريات الساحة العراقية. وتستدعي هي الأخرى كل هذا الاحتشاد. احتشاد الرسل والمندوبين الغربيين والعرب.
مهما كان الأمر، وبصرف النظر عن الإعلانات الأكثرية المتتالية، وليس آخرها التصويب المباشر على شرعية سلاح المقاومة، فإن في تصعيد اللهجة واللجوء المباشر الى كشف الأهداف، التي كانت في ظن أصحابها مستترةً، معنى واحد، هو تأكيد حقيقة الحرب، ما يشكل نقلة نوعية في مسار الصراع المحتدم الذي يحاول من جملة ما يحاوله رفد الهجوم الأميركي المتعثّر سياسياً وعسكرياً بأدوات يحتاج إليها للتخفيف من حدة مأزقه المتزايد وعمقه.
يصعب النظر الى الكلام على لاشرعية سلاح المقاومة من غير ربطه بالجهة العربية الحاضنة للنائب سعد الحريري. بل إن الأكيد أن هذا الموقف يندرج في صلب السياسة التي رأت في الحرب التي استهدفت لبنان خلال الصيف الماضي «مغامرة» لبنانية. الأرجح أن القمة العربية الأخيرة المنعقدة في الرياض، التي شاع أنها سوف تساعد في لملمة الأوضاع اللبنانية، هي التي فتحت الباب واسعاً أمام كسر الحد الأدنى، الحد الذي كان يمنع الجهر العربي الرسمي بحقيقة الأهداف. والأرجح أننا بهذا الموقف السافر نكون قد دخلنا جولة أخرى قد لا تقلّ في قسوتها عن الجولات السابقة، وتحديداً جولة الصيف الماضي. فالإصرار على ذريعة إقامة المحكمة الدولية من خارج القنوات الرسمية اللبنانية، وخارج التفاهمات اللبنانية الضرورية، يفتح الباب واسعاً أمام مجهول سوف يطيح الحد الأدنى الذي طالما وفّر للبلد حداً أدنى من المنعة الداخلية. اليوم، مع التصريح الحاسم باتهام سلاح المقاومة، يُماط اللثام عن كون ما قامت به هذه «الأكثرية» وتقوم به من أفعال يتجاوز الأهداف المعلنة بكثير.
إلى زمن غير قصير، كانت خريطة الانقسام التي تشطر الاجتماع اللبناني، وتقيم الجدران العالية بين أصحاب المصالح المتباعدة، ناقصة الوضوح، بل وغريبة بعض الشيء. إذ كان يصعب فهم الأسباب التي تحدو هذا الفريق أو ذاك على التموضع شبه المجاني في هذا المعسكر العربي أو ذاك الدولي، وخصوصاً ان المشتركات التي كانت تجمع أو تفرق لم تكن من النوع الحاسم، على نحو ما كانت تظهره بعض الأفعال. أما اليوم ومن بعد الكشف عن النيات الحقيقية باستهداف السلاح الذي عصم لبنان، لم يعد ممكناً التعامل مع الأمر بوصفه خلافاً في الرؤى يمكن معالجته باللجوء الى ابتكار التسويات. الإعلان الأخير هو في الشكل والمضمون، إعلان طلاق حاسم وبائن مع الوطنية اللبنانية والعربية. الرجوع عنه مكلف، بقدر المضي فيه.
* كاتب لبناني