زياد سعيد *
ثمة في لبنان من يولم للحرب. وهو إذ يفعل فلأن السبل الاستئثارية التي اعتمدها لم توصل الى تحقيق الأهداف. ليس تكراراً القول إن باعثه الأصلي على سلوك هذه الوجهة الخطيرة هي الهزيمة التي مني بها ائتلاف الحرب في تموز الماضي، والتي ما تزال أصداؤها تضرب في غير عاصمة.

ثمة في لبنان من يولم للحرب
لم يعد ممكناً للمشروع «الاستقلالي» الخاص، الذي يقوده وليد جنبلاط وصحبه، أن يمرّ من دون افتعال ما يفتح على إغراق البلد في أتون مماثل للأتون العراقي أو حتى الفلسطيني.
تصريحات اليومين الأخيرين الصادرة عن سعد الحريري ووليد جنبلاط، الموســــــــــــومة بتصعيدية لافتة، من حيث إنها تقطع مع مناخات الدعوات «العربية» الى التهدئة ليست خارج السياق، السياق التــــــــــــــــأزيمي نفسه، بل يمكن التأكيد إنها في صلبه. البراهين على أنها كــــــــــذلك عديدة، تبدأ من الإصرار على الاستئثار، واستــــــــــــــبعاد، أو شطب الرأي المخــــــــــــــالف. وتمر بالتهديد الفظ، والمباشر، بتجاوز الأصول والأعراف الدستورية التي تحكم الدعوة الى افتتاح العقـــــــد العادي لمجلس النواب، ولا تنتهي عند العـــــــــرقلة المباشرة لكل بادرة يشتم منها احتمال تسوية.
ومع ذلك فإن الموضوعية تقتضي القول إن في التصعيد الجديد الذي افتتحته التصريحات الصادرة عن قطبي السلطة مضامين تنطوي على وجاهة تجعلها مفهومة. وأسباب الوجاهة التي تملي على قادة هذا الفريق متابعة مسار التصعيد، عديدة، بل وأكثر من أن تحصى، ولعل في مقدمها الخشية على مجمل الرصيد «الفتنوي» الذي جرت مراكمته في محطات التصعيد السياسي والميداني السابقة، والخوف عليه من احتمالات التآكل.
وفضلاً عن هذه الأسباب الوجيهة، فإن التصعيد يؤشر، وهنا تكمن الخطورة الإضافية، الى ضيق الهامش السياسي الذي بات يحاصر هذا الفريق. وهو الضيق الذي يحرم أركانه من القدرة على المناورة، الأمر الذي قد يلزم، أو يحتم اللجوء الى مغامرة جديدة تفاقم من أزمات البلد. وقد لا تقلّ في خطورتها عن مغامرة التواطؤ الصريح مع الحرب الإسرائيلية.
وضيق الهامش، أكثر ما يتجلى في فقدان الفريق الاستئثاري لوسائل إدامة الاسئثار، إلا عبر التهديد بالحرب، أو التلويح بها. التهديد بالحرب الأهلية هو المعنى الوحيد الكامن في تصريحات الأيام الأخيرة، التي تسجل هجومية جديدة قد توصل الى حد المغامرة بالدعوة الى جلسة برئاسة فريد مكاري.
الأرجح أنه لا وسيلة لإدامة الاستئثار الذي يمارسه فريق السلطة إلا بالمزيد من المغامرة. غير أن الأكيد أن المغامرة لن تكون بلا أكلاف.
الإعداد للحرب بات مكشوفاً، والتسريبات تفيد أنه بلغ مراحله النهائية. الأمارات الباعثة على القلق كثيرة. فمن ازدهار أعمال شركات «الأمن الخاص»، وهي ليست كذلك إلا بحدود شكلية، تتطلبها دواع خاصة جداً، الى تصريحات سمير جعجع المثقلة برائحة البارود، الى القتل العمد والمتتالي لمحاولات «الحلول»، الى غيرها مما يصعب تعداده من أفعال، وهي في جوهرها اشارات على الوجهة التي تحكم خطوات أهل «الاستئثار»، المحكومة بدورها بمتطلبات وشروط الدعم الغربي المفتوح.
«التسريبات» عن التدريبات التي تتم في غير بلد عربي، وعن أعداد المتدربين براهين إضافية تدعم الأساس لما تتناقله الأخبار. يمكن القول إن الحرب التي تزداد فرص وقوعها، والتي تكاد أن تصبح حقيقة يصعب تجاوزها، تتمة للحرب الإسرائيلية التي احتشدت لها دول الاعتدال العربي وبقية دول الغرب.
فشل حرب تموز يفرض على المعسكر نفسه الحاجة الى اختراع عمل مماثل يمكن له وحده أن يعيد الاعتبار الى أصل الهجمة التي تستهدف استعادة القوة الردعية المفقودة، وإلى تثبيت السيطرة الكاملة على المنطقة والتحكم بثرواتها، والنفط في الطليعة.
لا تراجع عن الأهداف. التراجع غير ممكن. تعذّر التراجع يضيف مشكلة إضافية تجعل من المراهنة على احتمالات التسوية ضرباً من الوهم. ولأن عدم التراجع هو السمة الأبرز التي تطبع اجتماع قوى «الأغلبية» الحكومية والنيابية، فإن احتمالات التصعيد باتت حتمية، إلا إذا...
* كاتب لبناني