علي أمين جابر *
«المشروع الصفوي» عنوان حملة إعلامية نشهدها هذه الأيام، تبدو فيها هذه المفردة إحدى الأدوات التي تستخدم استخداماً فتنوياً، وبالتأكيد هذه الإثارة ليست بريئة بلحاظ الخصوصية الزمانية التي نعايشها وما تحمله من استهدافات تنال من مصالح المسلمين وقد تعزز هذا الاستخدام في الآونة الأخيرة حتى إن بعض المتداولين لهذه المفردة لا يدري شيئاً عن الصفويين ومن هم وفي أي عصر عاشوا وما لهم وما عليهم! ما يشير إلى مشروع آخر يُعمل له في الواقع.
ماذا يعني المشروع الصفوي؟ بنظر أصحاب الاستخدام الفتنوي، هو مشروع يطمح إلى تحويل أهل السنّة إلى شيعة بكل وسيلة ممكنة، وهذا المشروع ولو كان خطيراً بالتأكيد، فكيف إذا أضيف إلى مجمل المنطقة الممتدة من بلاد فارس إلى البحر الأبيض المتوسط بما بات يعرف بالهلال الشيعي؟!
في التاريخ الإيراني تعتبر الحكومة الصفوية إحدى الحكومات التي برزت في مرحلة زمنية امتدت إلى ما يزيد على مئتي سنة وقدمت نموذجاً وطنياً داخلياً وأسست كياناً احتل موقعه في المحيط الإسلامي والجوار العربي وغيره، له مزاياه وله نقائصه، لكن حجم الإنجازات القومية والمذهبية التي أضفت نوعاً من التبجيل والاحترام الخاص للصفويين لدى الإيرانيين لم يمنع من نقد هذه الدولة وسياساتها وممارساتها، ولفقهاء الشيعة على سبيل المثال وقفات مشهورة للجم اندفاعة الشاه إسماعيل في حماسته لقناعاته الدينية، كالشيخ علي بن الحسين المعروف بالمحقق الكركي، بل إن الإمام الخميني «قده» اتخذ موقفاً متميزاً من معظم المرجعيات الشيعية عندما وجّه النقد الشديد إلى الحكومة الصفوية وعدّها ظالمة وأنها كأية سلطة ملكية لها أطماعها وممارساتها التي تخرج فيها عن الموازين الشرعية والأخلاقية.
وهذا وصف يعني ما يعني في القاموس الفقهي الشيعي.
لكن المشروع الصفوي المزعوم الذي في جوهره مشروع سلطة، لم يكن يتيماً في زمانه كما يحلو للبعض اليوم أن يصوّروه، مغفلين المشروع المقابل له تاريخياً والمتصارع معه سلطوياً أيضاً «وهو المشروع العثماني»، ونحن نفهم أيضاً هذا المشروع، الذي دام أربعة قرونٍ على مساحة كبيرة من العالم الإسلامي، بأنه مشروع سلطة رافقته ممارسات مذهبية عديدة استفزت شريحة واسعة من المسلمين، وعلى سبيل المثال فإن الفتوى من شيوخ الإسلام في الآستانة وغيرها سمحت للسلطان سليم الأول أن يرتكب مذبحة في حق الشيعة في منطقة الأناضول (أربعون ألف ضحية)، وفي لبنان أُعدم الشيخ زين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني عام 965هـ لسبب لا يخفى، وارتكب أحمد باشا الجزار عام 1780م المجازر الجماعية في جبل عامل وأحرق التراث العلمي الضخم فيه للسبب عينه، بما لا يتفق مع أي منطق تبريري.
ليس المقصود بطبيعة الحال أن ننكأ الجراح بل لطرح التساؤل التالي:
إلى أي مدى يتفق أي من المشروعين الاثنين مع المصالح الحقيقية للمسلمين، وهل يعبّران عن التطلعات الحاضرة المستقبلية أم لا؟
من دون شك لقد تخطى الواقع على الأقل «مشاريع» كانت لها خصوصياتها على مستوى الأشخاص والظروف وشروط العصر، وتجاوزها الوعي الإسلامي المختزن لكل تلك التجارب، وكذلك التحديات الراهنة وقضايا المسلمين التي تطفح بالألم والمعاناة.
إن وعي هذه الحقائق يقود إلى صياغة مشروع وحدوي يسقط التفاهات المستحضرة من نزاعات كانت في التاريخ ويحطم صنميتها ويسقط معها الاستخدامات الفتنوية، ليؤسس لقاعدة وحيدة للتلاقي اليوم وغداً هي المقاومة الواعية المتجددة في الأمة لمواجهة الاحتلال الأميركي الصهيوني الذي بات مباشراً في فلسطين والعراق ومهيمناً في المنطقة ولا يملك لنا جميعاً إلا مشروعاً واحداً هو الفتنة والتقسيم.
* باحث لبناني