strong>توفيق المديني *
أعلنت الحكومة السودانية، بعد يومين من اجتماعات الأطراف الثلاثة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (11 و12 حزيران الجاري)، التي ضمت مسؤولين سودانيين ودوليين وأفارقة، موافقتها على نشر قوة مختلطة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في إقليم دارفور للحلول مكان القوة الإفريقية الحالية المؤلفة من 7 آلاف عنصر وتفتقر إلى العتاد والتمويل المناسبين.
وقال مفوّض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي سعيد جنيت في بيان، إن الخرطوم وافقت على قوة يراوح عدد أفرادها بين 17 و19 ألف جندي، علماً أن الأمم المتحدة كانت تتحدث في السابق عن 23 ألف جندي، وهو رقم اعتبرته الرئاسة السودانية ضخماً. وأضاف جنيت أن «مجلس السلم والأمن طلب كذلك من مجلس الأمن الدولي إقرار نشر هذه القوة المختلطة التي ستموّلها الأمم المتحدة بشكل عاجل»، معرباً عن الأمل في أن تُنشر قبل نهاية مهمة القوة الإفريقية. وإلى ذلك، مدد الاتحاد الإفريقي مهمة قوة السلام التي ينشرها في دارفور لستة أشهر إضافية حتى نهاية كانون الأول المقبل، وأقرّ أيضاً خطة نشر القوات المختلطة منه ومن الأمم المتحدة.
ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقبول السودان تشكيل قوة مختلطة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور، وأكد الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في الإقليم. وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد أبلغه أن اجتماع أديس أبابا شكل فرصة مهمة لإظهار التزام الحكومة السودانية الاتفاق على الإجراءات المطلوبة لحل الصراع في دارفور.
ويعمل السودان من أجل التزام وقف فوري لإطلاق النار ضمن حزمة شاملة تتولى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تنسيقها على أسس كفيلة بإنعاش عملية السلام، مؤكداً التزامه بنزع سلاح «كل الميليشيات في دارفور».
ويعتبر المحللون للشؤون السودانية أن قبول الحكومة نشر القوات الدولية والإفريقية في العملية الهجين، يأتي استجابة للضغوط الخارجية التي تعرضت لها وأنها قبلت بالأمر مكرهةً، وبالتالي فإن العملية لا يمكن أن توفر وحدها الحل لأزمة دارفور وإن الحكومة نفسها من خلال موافقتها لا ترغب أيضاً في حل القضية بل ترغب في إيجاد حلول للأزمات التي تتعرض لها نتيجة انتهاج المجتمع الدولي سياسة العصا والجزرة.
وتلتقي الدول الكبرى، أبرزها الصين والولايات المتحدة وفرنسا، ودول إفريقية ومنظمات دولية، للمرة الأولى في باريس، لتدفع الجهود الهادفة إلى وقف النزاع الدموي في إقليم دارفور، والانتهاء إلى «نتائج ملموسة». وتشارك وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في اجتماع باريس الذي تقول فرنسا إنه سيعمل على دفع الجهود للتوصل إلى نهاية الصراع المشتعل في إقليم دارفور. واعتبر السودان الذي يقاطع الاجتماع، وكذلك الاتحاد الإفريقي، أنه ينعقد «في وقت غير مناسب». وكانت وزارة الخارجية الفرنسية أعلنت أن «هذا الاجتماع ينعقد عند مفترق طرق، فيجب تطبيق ما هو متوافق عليه، وإعطاء دفع إلى الأمام لجهود السلام».
ويسعى اجتماع باريس حول دارفور، الذي تشارك فيه نحو 20 دولة ومنظمة دولية، وبينها جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى مناقشة أربعة محاور هي إعادة إطلاق العملية السياسية والوضع الإنساني والأمني في إقليم دارفور، وإعادة بناء المناطق التي تأثرت بهذه الأزمة وبتبعاتها الإقليمية، بهدف التوصل إلى نتائج ملموسة على عكس المبادرات الفردية وغير المنسقة العديدة التي لم تثمر.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمام قمة الدول الثماني التي عقدت أخيراً في ألمانيا، وفي إطار البحث عن حل أزمة دارفور، تقدم بمبادرة جديدة تضمنت نقطتين: الأولى، الدعوة إلى اجتماع وزاري في باريس لدراسة سبل مواجهة الاحتياجات العاجلة التي يفرضها تطور الموقف في دارفور. والثانية، تحريك المجتمع الدولي في أوسع صورة ممكنة، لإيجاد حل للأزمة «التي لا نستطيع أن نبقى حيالها مكتوفي الأيدي».
إن فكرة ضرورة فتح الممر الإنساني الآمن لإغاثة ضحايا النزاع في دارفور، طرحها وزير الخارجية الفرنسي السابق فيليب دوست بلازي مدى أكثر من سنة، وسافر إلى دول المنطقة أكثر من مرة بغرض درس إمكان تنفيذ الفكرة، لكنه كان يصطدم بممانعة السودان، وفشله في تحقيق توافق سوداني ــ سوداني، وسوداني ــ تشادي. وكان المشروع الفرنسي ينطلق من قاعدة استخدام الإمكانات اللوجستية العسكرية الفرنسية الموجودة على الأراضي التشادية.
وبناء على ذلك قام وزير الخارجية والشؤون الأوروبية برنار كوشنير بزيارة شملت دولاً إفريقية، ولا سيما تشاد والسودان، وفيما لم يواجه عقبات في إقناع الرئيس التشادي إدريس ديبي بأهداف التحرك الفرنسي العاجل، فإنه لم يفلح في «تبديد سوء التفاهم» مع الرئيس السوداني عمر البشير الذي تفيد أوساط إعلامية فرنسية أنه أبدى عدم ترحيبه بعقد المؤتمر الوزاري في باريس، ورأى أنه لا ضرورة له، بل توجّس من أهداف أبعد من المرامي الإنسانية، التي تضعها المبادرة الفرنسية في طليعة الأولويات.
إن رفض السودان نابع من المحاذير التي سبق أن أبداها تجاه فكرة «الكولوار» (الممر) الإنساني التي سبق أن طرحها كوشنير. أما الأسباب التي دفعت الحكومة السودانية إلى العزوف عن المشاركة، فهي أكثر شمولاً من قضية الممر الإنساني، وتصبّ في سياق مقاربة الخرطوم السابقة لحل الأزمة، بدليل أن البشير رحّب في لقائه مع كوشنير بوصول المساعدات الإنسانية للاجئي دارفور، وامتنع عن المشاركة في مؤتمر باريس.
وكانت باريس تعتقد أن الفكرة أصبحت قريبة من التحقق، بعدما نجحت في شباط الماضي في توقيع اتفاق بين الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره التشادي إدريس ديبي. لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة إذ سرعان ما تجددت المواجهات على الحدود بين البلدين، وتوالى تبادل الاتهامات حول دعم كل طرف لمتمرّدي الطرف الآخر من أجل تقويض النظام. وليس سراً أن الحكومة الفرنسية تحمّل السودان في صورة غير رسمية مسؤولية استمرار التداعيات، ولم تعتبر أن تشاد يمكن أن تشكل عقبة في طريق الوصول إلى دارفور، لأنها تعتقد أن من مصلحة هذا البلد تأمين حدوده في وجه عمليات التسلل التي يقوم بها خصوم النظام من المعارضة التشادية المسلحة، ولهذا السبب تحمّست نجامينا في مطلع العام الحالي للتوجّه الفرنسي نحو نشر قوات دولية للفصل بين تشاد والسودان.
وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي قال في اجتماعه مع المندوبين الدائمين في الجامعة العربية بحضور الأمين العام للجامعة عمرو موسى، إن الأوضاع في إقليم دارفور تدهورت وتؤثر في بلاده، وإن تشاد فقيرة ولا يمكنها أن تصمد طويلاً أمام الضغوط الدولية التي تمارس عليها من القوى الكبرى والأمم المتحدة، «حيث سنجد أنفسنا في وقت لا نستطيع فيه مقاومة هذه الضغوط إذا لم تُدار الأزمة في دارفور بطريقة مناسبة»، بحسب تعبيره. وأضاف أن تشاد لا تحصل على دعم من دول الجوار، ولا من الاتحاد الإفريقي (ربما باستثناء ليبيا)، وتؤثر أزمة دارفور تأثيراً كبيراً فيها، إذ تستضيف 350 ألفاً من اللاجئين الذين نزحوا من الإقليم بسبب الأزمة. ولفت ديبي الانتباه إلى أنه منذ توقيع اتفاق أبوجا للسلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور، لم تقم أية منظمة أو دولة بجهود لإقناع غير الموقّعين على الاتفاق بالانضمام إليه. وشدد على أهمية حل أزمة دارفور من خلال الحوار، ودعا إلى تسهيل هذا الحوار من كل القوى ذات النيات الحسنة، مثل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية لإيجاد حلول سلمية للأزمة.
وتخشى باريس من انتقال النزاع إلى شرق تشاد وشمال شرق إفريقيا الوسطى، وهما مستعمرتان سابقتان تدعمهما عسكرياً. وتزامناً مع اجتماع باريس، تتفاوض فرنسا مع نجامينا حول نشر قوة أوروبية في شرق تشاد لمساعدة نحو 230 ألف لاجئ سوداني وأكثر من 150 ألف نازح بسبب أعمال العنف في إقليم دارفور المجاور.
* كاتب تونسي