strong>نظام مارديني *
تمكّن رئيس الوزراء الباكستاني السابق، نوّاز شريف، من تنفيذ وعده بالالتزام بساعة الصفر التي حدّدها من أجل العودة إلى باكستان من منفاه، فيما لم تفتح ساعة الصفر هذه، حقبة جديدة للمسؤول المنفي، بعدما أجبرته السلطات الباكستانية على مغادرة أراضيها مجدّداً إلى السعودية، وذلك بعد سبع سنوات قضاها في المنفى وتعهّده إطاحة الرئيس برويز مشرّف.
لا شكّ في أنّ عودة شريف، الذي أطاحه مشرّف في انقلاب «أبيض» عام 1999، كان من الممكن أن تكون أكبر تحدّ يواجه الأخير حتى الآن في مساعيه الحثيثة للتمسّك بالسلطة في بلد غارق في اضطرابات سياسية وأمنية. ورأى شريف أنّ عودته إلى إسلام أباد، ستمثّل «الضربة الأخيرة لدكتاتورية مشرّف المتهاوية» التي يحاول حالياً حمايتها عبر مفاوضات لتقاسم السلطة مع رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو وسط احتجاجات شعبية كبيرة ضدّه.
وتنبع السلطة السياسية في باكستان من ثلاثة مصادر: الله، ثمّ الجيش، وأخيراً الدعم الأميركي. ومن بين المصادر الثلاثة، فإنّ قيادات الجيش هي التي تمتلك أكثر الوسائل اللازمة من حيث الفاعلية لتخليص البلاد من حكم الجنرال مشرّف. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل من غير المرجح لأيّ صفقة تقاسم سلطة مع بوتو، أن تسفر عن إنهاء حال الاضطراب السياسي في البلاد.
وكان مشرّف يأمل النجاح في تمديد فترة ولايته التي تنتهي في هذا الخريف، من دون أن يضطر إلى الإذعان لمطالبته من المعارضة بالتنحّي عن منصبه العسكري، وأن يسمح بعودة منافس مدني إلى منصب رئاسة الوزراء، إلّا أنّ القليل من الزعماء الدوليّين، يواجهون مثل هذا العدد الواسع من «الأعداء» الداخليّين.
وقد نجا مشرّف من ثلاث محاولات اغتيال على الأقلّ منذ استيلائه على السلطة في أعقاب انقلاب 1999. وأدت شراكته للولايات المتّحدة، إلى إصابة تحالفه السياسي مع القوى المحافظة المتديّنة في باكستان في مقتلٍ، حتى قبل اجتياج قوّاته الحكومية «المسجد الاحمر» في إسلام آباد في شهر تموز الماضي، في هجوم أسفر عن مقتل نحو مئة شخص.
ويواجه مشرّف أيضاً، العديد من الأعداء العلمانّيين، الذين اشتعل غضبهم في شهر آذار المنصرم، حين حاول مشرف من دون نجاح، أن يقيل رئيس المحكمة العليا افتخار أحمد شودري، وهي المحكمة نفسها التي أصدرت قراراً يسمح لنوّاز شريف بالعودة من منفاه.
ومن المرجّح أن يتفاقم «الصراع الحاسم ضد الدكتاتورية» (حسب تعبير شريف)، خصوصاً في ظلّ معارضة نوّاز العنيدة لأيّ صفقة مع بوتو التي أقصته، وأخيراً وجّه الجنرال ـــــ الرئيس مشرف، إنذاراً إلى شريف، ونصحه بالبقاء في لندن عن طريق وساطة تولّاها مدير الاستخبارات السعودية الأمير مقرن، والنائب اللبناني سعد الدين الحريري.
فضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتّحدة ليست راضية بدورها تماماً عن مشرّف. ويزعم بعض المسؤولين في واشنطن أن الأخير لم يفعل سوى القليل لإرغام مقاتلي تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» على الخروج من ملاذهم الآمن على طول الحدود الباكستانية ـــــ الأفغانية في إقليم وزيرستان. وقد قوبلت مغامرته الأخيرة بتجاهل بوتو وإعلان قانون الطوارئ، بالانتقادات الحادّة من جانب إدارة الرئيس جورج بوش.
إلا أنّ من المرجّح أن يقرّر الجيش في النهاية مصير رئاسة مشرّف. ويُشار هنا، إلى أنّ رئاسة مشرف منحت القيادات العسكرية دوراً قويّاً في صنع القرار، إلا أنّ سنوات حكمه الثماني ألحقت ضرراً شديداً بالدعم الشعبي للنفوذ الذي تتمتّع به مؤسّسة الجيش داخل الحكومة، وأدّى انحسار شعبية مشرّف إلى انحسار مماثل للشعبية التي كانت قيادات الجيش تتمتّع بها.
من غير المرجّح أن ينقلب الجيش على مشرف قريباً، إلّا بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى؛ فالجنرالات يدركون أن أيّ انقلاب جديد للجيش، لا بدّ من أن يؤدّي إلى مزيد من الإضعاف لمكانته، في الوقت الذي يشهد ارتفاع حظوظ بوتو داخلياً وخارجياً في العودة الدائمة إلى الحكم المدني.
فضلاً عن ذلك، سوف يستمر الدور الذي تؤديه المؤسّسة العسكرية أداةً لضمان الاستقرار، فضلاً عن سيطرتها المُحكمة على الترسانة النوويّة التي تمتلكها باكستان. وهذا يعني أنّ إدارة بوش تستطيع أن تدعم العودة إلى الحكم المدني، وأن تنسب إلى نفسها الفضل في تحقيق ما كانت الديموقراطية تحتاج إليه بشدّة في هذه الدولة الإسلامية.
أمّا بوتو، زعيمة حزب الشعب (العلماني)، وهي التي تتمتّع اليوم بدعم ملموس من واشنطن، فمن المتوقّع أن تهيمن على عملية التخطيط السياسي في الحكومة المقبلة على حساب مشرّف. وسيكون لزاماً عليها أن تعتمد على التأييد الداخلي لها، إلا أنّها تستطيع أن تعتمد أيضاً على التعاون الاقتصادي والأمني مع الولايات المتّحدة، سعياً إلى حماية استقرار بلادها. غير أنّ بوتو التي سوف ترث تركة مشرّف من الأعداء في الداخل، سوف تواجه وقوف شريف بالمرصاد لاستثمار كلّ هفوة ترتكبها، وسوف تستمر التهديدات من جانب المتطرّفين المتديّنين، كذلك ستواصل المؤسّسة العسكرية حماية مصالحها من بعيد.
* كاتب سوري