عرفات الحاج
يعتبر البعض أن مؤتمر الخريف الموعود هو مفترق طرق بالنسبة إلى مستقبل السلطة الفلسطينية وأنه قد يكون بوابة إنعاشها أو هلاكها، لكن النظر بواقعية إلى طبيعة بنية هذه السلطة ومجمل تجربتها والقراءة السليمة للواقع الحالي تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك أنه مهما كانت السيناريوهات المطروحة والنتائج المنتظرة لهذا المؤتمر فهذه السلطة ذاهبة إلى نهايتها وفي أمد ليس بالبعيد. فمنذ نشأتها كانت مشروعاً غريباً عمل ويعمل كمقاول أمن للاحتلال. وعلى هذا الأساس قامت بنيته ولم تكن للحظة نابعة من رغبات ومصالح الجمهور الفلسطيني الذي عبّر دوماً عن رفضه لهذا الاحتلال وإملاءاته وإصراره على خيار المقاومة.
هذا المؤتمر الذي يعتبر العنوان الأول اليوم للجهد الأميركي الجديد في منطقة الشرق الأوسط، والذي كانت ولادته عبر إعلان النية عقد لقاء دولي لمناقشة مستقبل السلطة وإعادة
بنائها.
وبعد ذلك حُمّل هذا اللقاء عناوين سياسية بناءً على حاجة الإدارة الأميركية والأطراف الأخرى المعنية (عباس ـــــ أولمرت)، فالولايات المتحدة لها أهداف من هذا المؤتمر تتعلق بحالة الصراع مع إيران ورغبتها في حشد حلفائها العرب وراء أي جهد تقوم به ضد إيران في المرحلة المقبلة.
وأولمرت يذهب إلى المؤتمر بدافع ضغط مشاكله سواء القضائية أو ما يتعلق منها بتبعات حرب لبنان أو غياب أي برنامج سياسي لحكومته. أما عباس فيراهن على أن الخروج من هذا المؤتمر بنتائج جيدة، هو فرصته الأخيرة لاستعادة شعبيّته ولكسب تأييد الشارع الفلسطيني لبرنامجه القائم على المفاوضات طريقاً وحيداً للتعامل مع «إسرائيل»، ويرى في هذا المؤتمر بوّابة لإعادة إحياء عملية التسوية من خلال الخروج باتفاق أولي على قضايا الحل النهائي وجدول زمني للمفاوضات بخصوص هذه القضايا وضمانات دولية ملزمة بهذا الجدول.
هذه المفاوضات التي لن تكون مختلفة عن التجربة السابقة بالنسبة إلى «إسرائيل»، فهي سعت منذ بدء عملية التسوية الى إيجاد كيان فلسطيني يعمل على حفظ أمنها ويزيح عن كاهلها عبء السيطرة المباشرة على السكان الفلسطينيين مقابل حصوله على بعض الفتات السياسي: حكم ذاتي أو دويلة كانتونات أو أي شيء من هذا القبيل. فلقد عبّر الطرف «الإسرائيلي» بوضوح طوال التجارب التفاوضية عن قناعته بضرورة الحفاظ على وجود أمني له على حدود الكيان الفلسطيني «المفترض» مع الدول العربية، وخصوصاً الحدود الأردنية، والسيطرة على المعبر أو الممر الواصل بين الضفة وغزة.
هذا السيناريو لا يمكن أن يساعد على منح هذه السلطة أفقاً للاستمرار في وقت سيطلب فيه الاحتلال ثمناً أمنياً لكل التسهيلات التي يقدمها، والسلطة في وضعها الحالي على كل الصعد أضعف من أن تقدم هذا الثمن الأمني أو أن تخوض صراعاً ضد فصائل المقاومة، الأمر الذي يعني أن هذه التسهيلات على الأرجح لن تدوم، وهذا يعني بالتالي ذهاب مشروع السلطة إلى مزيد من الضعف والتفكك وصولاًَ إلى الانهيار بفعل الضغط الجماهيري الداخلي الذي سيعبّر عن نفسه بتصعيد المقاومة.
السيناريو الثاني المطروح هو ذهاب عباس بعد هذا الإخفاق المتوقع في مجال التسوية إلى الحوار مع «حماس»، ولكن حتى هذا السيناريو لا يعني منح عمر إضافي للسلطة.
إنّ وجود «حماس» أو سواها من قوى المقاومة شريكةً في السلطة من شأنه أن يحدث تغييراً في هوية هذه السلطة، وهذا يعني أنها ستتحول إلى عدو حقيقي لإسرائيل التي لن تسمح ببقائها بعد ذلك، إلا إذا افترضنا اتفاقاً يقضي بتحجيم السلطة وتحويلها إلى جسم إداري محلي، وإعطاء الدور السياسي كاملاً لمنظّمة التحرير بعد اتفاق على الشراكة فيها.