نظام مارديني
التحدّي ليس بالمواجهة بل بـ«ابتكار أشكال جديدة»


تطرح «العلمانية في المشرق العربي» إشكالية بين كونها مطلباً غربياً مستورداً، أو مطلباً من مطالب الأقليات الدينية والطائفية في هذا المشرق. ولكن السؤال الذي يُطرح هو: هل العلمانية هي الحلّ للعنف الطائفي الذي يسمّم الشرق الأوسط حالياً؟ وهل تتطلّب المشاكل التي تؤرق هذا الشرق حلّاً أكثر واقعية، أي حلّاً إسلاميّاً؟
صحيح أن العلمانية مثّلت حلاً للنزاع الطائفي الذي كان دائراً في أوروبا، وقد جاءت معاهدة السلام في ويستفاليا عام 1648 لتضع نهاية لحروب الدين الأوروبية، ولتؤسس لمجتمعات متعددة الثقافات، وهو ما يشير إلى أن العلمانية هي الحل المناسب للنزاع الطائفي الذي يضرب الشرق في روحه وحقيقته. فهل تكفل بعض نسخ العلمانية «السلم والتسامح اللامحدود»، كما يقترح الباحث جورج طرابيشي؟ هناك جانب آخر للعلمانية. فهي ليست فقط قضية فصل الدين عن السياسة من أجل تعزيز التسامح والسلم الاجتماعيّين، بل أيضاً قضية بناء أشكال خاصة من الدين والرؤى الذاتية الدينية. فإذا كانت العلمانية مبدأً سياسياً يتطلب فصل الدين عن السياسة، لا بد لها من أن تبني «الدين» وتعززه، بوصفه إما محجوباً أو على الأقل لا يتداخل مع المجال الشعبي والسياسي.
العلمانية التركية مستوحاة إلى حدٍّ كبير من العلمانية الفرنسية. فعندما أراد أتاتورك إصلاح وتحديث الدولة والمجتمع، استورد النسخة الفرنسية للعلمانية تقريباً، ولم يكن هذا الاستيراد فقط نظام فصل مؤسساتي بين الدولة والدين، بل أيضاً محاولة لبناء مجتمع علماني أداة فعالة لتعزيز فكرة المواطنية والديموقراطية. ولكن هل كان العلمانيون الأتراك على حق، عندما تنبّهوا إلى أن صعود حزب «العدالة والتنمية» يعدّ تهديداً للعلمانية؟ يمكن للمرء أن يحاجج في أن الشكل الأصلي من العلمانية آيل إلى الزوال اليوم. مع ذلك، لا ينطوي هذا التهديد على إبطال كامل للعلمانية في تركيا، بل لعلّه تحوّل للعلمانية التركية. إذاً ليس التحدي الحقيقي للعلمانية اليوم هو مواجهة الحركات الدينية فقط، بقدر ما هو ابتكار أشكال جديدة تستطيع أن تأخذ بحسبانها النشوء الحالي للحركات الدينية. وربما يكون من المفيد إلقاء نظرة على النقاشات العلمانية الحالية في إيران. فالسياق السياسي في إيران مختلف بالطبع عن السياق السياسي في المشرق العربي، إلّا أنّ العلمانيين الإيرانيين يواجهون اليوم التحدّي الذي يواجهه الآخرون في الشرق الأوسط: كيف يمكن أن تأخذ العلمانية باعتبارها وجود «مجتمع مدني ديني».
في هذا السياق، يعتقد الباحث بأن العلمانية هي موقف نظري محدد من طبيعة الدين، ومن طبيعة القيم والإنسان وعلاقته بالله. والعلماني صاحب موقف مبدئي ضدّ أي جماعة تؤمن بأنّ التعاليم الدينية هي المرجع الأخير لكل ما له علاقة بالشؤون الدينية والزمنية.
* كاتب سوري



العنوان الأصلي
العلمانية في المشرق العربي
إعداد وتحرير:
لؤي حسين
الناشر
مؤتمر العلمانية في المشرق العربي ــ دمشق ــ أيّار 2007