ليلى نقولا الرحباني *
14 شباط 2005، يوم مشؤوم في تاريخ لبنان الحديث، يوم بكى فيه اللبنانيون من جميع الفئات والطوائف، على إنسان غُدر في وضح النهار، فنزلوا لتشييعه بمئات الآلاف، يبكونه معتبرين أنه «شهيد كل لبنان واللبنانيين»، ويتأسفون لحال لبنان الذي دفع منذ وجوده، ولا يزال، أثماناً باهظة جداً نتيجة سياسات خارجية، وما انفك أبناؤه يدفعون من دمائهم وأموالهم وجنى عمرهم تصفية لحسابات إقليمية ودولية. ولعل التاريخ الممتد منذ حوالى 200 سنة حتى الآن أكبر شاهد على ذلك، فمنذ أحداث 1840 و1860 المأساوية، ودعم الدول الخارجية للطوائف بحجة حمايتها من الاستبداد العثماني، وما نتج منه من اقتتال بين اللبنانيين، مروراً بالحرب الأهلية، ثم بعام 2005 وما رافقه من اغتيالات وتفجيرات راح ضحيتها قادة فكر ورأي وسياسيون، وصولاً الى حرب تموز 2006 التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء، تتجدد السيناريوهات الدولية وتتدخل الدول الكبرى بحجة حماية هذا الطرف اللبناني من أخيه، أو من دولة خارجية أخرى، والضحايا في جميع الأوقات هم اللبنانيون الأبرياء.
واليوم في هذه الذكرى الأليمة في ذكرى 14 شباط، نتوجه الى النائب سعد الدين الحريري المفجوع بفقدان الوالد، لنقترح عليه نص وثيقة يعرضها على جميع الأطراف اللبنانيين من معارضين وموالين ومستقلين للتوقيع عليها، مرتكزين في هذا التوجه على أن النائب الحريري قد يكون الشخص الأصدق في فريق البريستول، ممن يريدون فعلاً كشف حقيقة من اغتال الرئيس الحريري ورفاقه. وقد يكون من الصادقين في أنه «يفضّل الموت على الدخول في حرب أهلية كما أوردت على لسانه وسائل الإعلام»، فهو من السياسيين الذين لا يملكون سجلاً إجرامياً فيه ذبح وخطف على الهوية، إذ إنه أتى الى السياسة اللبنانية من عالم رجال الأعمال الذين يستفيدون من الاستقرار السياسي والأمني، لا من عالم الميليشيات وقطّاع الطرق والتقاتل المذهبي والطائفي.
وهنا نص الوثيقة المقترحة:
«نحن الموقعين أدناه من أطراف لبنانية في المعارضة والموالاة ومستقلين، نلتزم ما يلي:
نحن إذ نؤكد احترامنا الدستور والقوانين والمواثيق اللبنانية وما تتضمنه من رفض للتقسيم والتجزئة والتوطين، وضرورة حل جميع خلافاتنا بالطرق السلمية والديموقراطية والحضارية، والتزامنا مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما ينص عليه من حريات وحقوق أساسية للإنسان بصرف النظر عن لونه، جنسه، أو طائفته... نمتنع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها ضد إخوتنا في المواطنية.
ونحن إذ ندرك أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع اللبنانيين، وأن تعدد الثقافات والطوائف في لبنان تشكل معاً تراثاً غنياً ومشتركاً، وإذ يقلقنا أن هذا النسيج الرقيق الذي لم تتسن له الفرصة الكافية للالتحام أكثر فأكثر ، يمكن أن يتمزق في أي وقت.
وإذ أثبتت التجارب أنه لا يمكن فئة أن تقوم بالاستقواء على الفئات الأخرى في لبنان من دون أن يؤدي هذا الى حروب وتقاتل واستدراج التدخلات الغريبة.
وإذ نسلم بأن استمرار الوضع كما هو عليه، من شحن طائفي ومذهبي وتوتر في الجامعات والبيوت والعائلات يهدد السلم والأمن والرفاه في لبنان، وقد يؤدي الى حرب بين اللبنانيين لن يخرج أحد منها منتصراً، ولنا في الماضي القريب تجارب أليمة وعِبَر.
وإذ نؤكد أن الجرائم والاغتيالات التي حصلت، تثير قلق المجتمع اللبناني بأسره، سواء المجتمع السياسي أو المجتمع المدني، ويجب ألا تمر من دون عقاب ويجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وتعزيز التعاون بين الأطراف كافة، والطلب من جميع الدول العربية والأجنبية احترام تعهداتها والتعاون مع التحقيق الدولي من أجل كشف مرتكبي هذه الجرائم في حق اللبنانيين جميعاً.
وإذ عقدنا العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب من خلال اتخاذ كل التدابير لدعم القضاء اللبناني وتعزيز قدرات المحققين اللبنانيين، وبالتالي الإسهام في منع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً.
وإذ نعتبر أن من واجب كل أجهزة الدولة السهر على تطبيق القانون وعدم الإخلال بأي من واجباتها في كشف الجرائم والاغتيالات، ومنع التعديات على المواطنين الآمنين من أي جهة أتت.
قد عقدنا العزم من أجل بلوغ هذه الغايات ولمصلحة الأجيال الحالية والمقبلة، على:
ــ تأليف حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف بما يتناسب والقوة التمثيلية الحقيقية لكل طرف، تقوم بإعداد قانون انتخابي عادل، يضمن التمثيل الصحيح للشرائح اللبنانية كافة، من دون غبن لهذه الطائفة أو تلك، وغير مفصّل على قياس هذا الزعيم الطائفي أو ذاك.
ــ إنشاء محكمة ذات طابع دولي، بعيدة كل البعد من التسييس، هدفها إحقاق الحق وتقديم المجرمين والقتلة الى العدالة مهما علا شأنهم.
ــ القيام بتحقيق شفاف ونزيه في ما ارتكب من تعديات بالعصي والحجارة والأسلحة على المواطنين يوم الإضراب الموافق الثلاثاء في الثالث والعشرين من كانون الثاني 2007، وما ارتكب من أعمال قنص في الشوارع يوم الخميس في الخامس والعشرين منه، وتقديم جميع المسؤولين من مرتكبين ومحرّضين ومساهمين في هذه الأعمال الى القضاء مهما علا شأنهم السياسي أو الحزبي أو الديني.
ــ اعتبار الحرب الأهلية أو الفتن المذهبية أو التهديد بهما خطاً أحمر، يحال صاحبه على القضاء المختص وترفع عنه أي حصانة سياسية أو نيابية أو دينية أو حزبية.
ــ عدم الاستقواء بالخارج ضد أي طرف لبناني داخلي، وعدم الاستماع والعمل بنصائح السفراء الأجانب.
ــ التوقيع على ميثاق شرف إعلامي نتعهد فيه عدم استخدام أية لغة طائفية أو مذهبية أو تخوينية.».
هذه الوثيقة التي نقترحها، قد تكون صعبة جداً على البعض ولكننا نفترض ان المخلصين في هذا الوطن ليسوا قلة سواء في المعارضة أو في الموالاة، لكننا نقترحها على النائب سعد الدين الحريري بالذات، لكون والده «الشهيد رفيق الحريري» هو شهيد الوطن ككل، ولا يمكن أن يقبل بجعل دمائه مصدراً للتدخلات الخارجية التي تريد حرف التحقيق عن وجهته من أجل تنفيذ مآرب سياسية لم تستطع إسرائيل تحقيقها في حربها العدوانية على لبنان في تموز الماضي، وإقامة «غوانتانامو» آخر خاص باللبنانيين هذه المرة، أو استعمال المحكمة ذات الطابع الدولي ذريعة لتقسيم الوطن وخلق «كونتونات» طائفية يستفيد منها أصحاب الطروحــــــــات التقسيمية التي لطالما حاربها رفيق الحريري.
* باحثة لبنانية