نسيب حطيط *
مرّ عام كامل على اعتصام المعارضة الوطنية، احتجاجاً على سياسة الحكومة والدعوة إلى إسقاطها في الشارع، بعد محاولة إسقاطها من الداخل باستقالة الوزراء لإفقادها الشرعية الميثاقية، والضغط على فريق المولاة لإعادة صياغة شراكة وطنية جامعة لقيادة البلاد، ومنع الانقسام السياسي والطائفي.
ولا بدّ من تعداد الأهداف التي وضعتها الموالاة وما حقّقت منها، على ضوء مواقف المعارضة والموالاة في المبارزة السياسية القائمة بينهما منذ العام الماضي، لتحديد نقاط الربح والخسارة في الجولة الأولى التي انتهت بانقضاء ولاية الرئيس إميل لحود ومغادرته القصر الجمهوري دون وجود رئيس يتسلم المسؤوليات الدستورية.
ـــــ المحكمة الدولية: أعلنت الموالاة تصميمها على إقرار المحكمة سواء وفق الآليات الدستورية الوطنية أو عبر المؤسّسات الدولية، انطلاقاً من إقلاع مبتور ومشوّه لبنانياً، بإقرارها في مجلس الوزراء دون موافقة البرلمان عليها، وقد نجحت حتى الآن بالإقرار والتشكيل (من حيث الشكل) ولم تستطع تنفيذها.
ـــــ تسلُّم السلطة: استطاعت الموالاة أن تمسك بمقاليد السلطة خلال العام الماضي متجاوزة كل اعتراض سياسي أو طائفي، وقد تمكّنت من تجاوز استقالة الوزراء ومن يمثّلون، كذلك تجاوز رئيس الجمهورية وصلاحياته (عبر المراسيم النافذة).
ـــــ إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في المتن وبيروت، واعتراف المعارضة بالنتائج والمشاركة في الاقتراع، وهذا ما أكسب الحكومة اعترافاً بشرعيتها ولو (مداورة) وجعلها تعمل بنظرية «القياس»، فمن يعترف بشرعية نائب منتخب بناءً على دعوة حكومة غير معترَف فيها، فعليه حكماً أن يعترف بما هو أقلّ أهمية أو تأثيراً، أي بالقرارات الحكومية عبر مراسيمها.
ـــــ ظهور الموالاة بموقف المطمئنّ والممسك بزمام الأمور حيث تستطيع التحكّم بتوقيت القرارات وفق مصالحها السياسية، والتزام المعارضة أو على الأقلّ، عدم قدرتها على الممانعة التي اقتصرت حتى الآن على التصريح والتهديد والتحذير، ولم يُترجَم ذلك عمليّاً، والدليل أنّ الحكومة انتظرت نحو عشرة أشهر بعد اغتيال النائب بيار الجميل لانتخاب البديل بينما لم تنتظر شهرين لانتخاب البديل من النائب وليد عيدو، وهي لم تبادر بالحماسة نفسها لإجراء الانتخابات في بعبدا بديلاً من النائب أنطوان غانم.
بالإضافة إلى كلّ ذلك، فإنّ الحكومة لم تهتزّ أو تتنازل عن أيّ من مقرّراتها، وأمسكت بمقاليد السلطة بشكل كامل، لتصل إلى ليلة انتهاء ولاية الرئيس لحود، لتنعم بالصلاحيات الإضافية الممنوحة لها، ولتستمرّ بدعم دولي وخارجي بالرغم من غياب عنصرين اثنين يشكّلان أساساً في التركيبة السياسية اللبنانية، هما الطائفة الشيعية عبر استقالة وزرائها، والطائفة المارونية عبر الفراغ في رئاسة الجمهورية. وبالتالي، فإنّ الموالاة تفاخر حتّى اللحظة، وفق منطقها ومنهجها السياسي، بأنّها فازت بالجولة الأولى من المبارزة، حيث إنّ الهدف الوحيد التي سُجِّل في مرماها، هو عدم تمكّنها من فرض رئيس للجمهورية من صفوفها مباشرة أو مداورة.
أمّا فريق المعارضة، فإنّه في جردة حساب سياسية، نجد أنّ أرباحه فاقت خسارته لأنّه يدخل باب احتساب الأرباح، بالأهداف الكبرى الاستراتيجية دون التفصيلية من جهة، ومن باب إفشال المشروع الأميركي الذي يختبئ وراء الموالاة، وبالتالي فإنّ عنوان الربح المعارض هو عدم التراجع تحت الضغط أو عدم الوقوع في الاستدراج لدائرة الفتنة أو الفوضى، دون تسجيل أيّ تقدّم في الأهداف التي حدّدتها المعارضة.
ـــــ النجاة من الوقوع في فخ الفتنة الطائفية والمذهبية.
ـــــ منع إدخال العامل الفلسطيني في السجال السياسي اللبناني ومنع الاقتتال اللبناني ـــــ الفلسطيني.
ـــــ إقامة جهة وطنية معارضة، تمتدّ على مستوى المناطق والطوائف لإنقاذ المعارضة من الصفة المذهبية (الشيعية) خاصة، وبالتالي تحويل الصراع إلى صراع سياسي بدلاً من الصراع الطائفي الخطير والمدمّر.
ـــــ إفشال المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي الهادف إلى استغلال قوّات «اليونيفيل» في مواجهة المقاومة ودخولها الصراع الداخلي.
ـــــ إفشال المشروع الأميركي للإمساك بعقيدة الجيش القتالية وتغيير وجهتها ومرتكزاتها الوطنية.
ـــــ النجاح في توفير إجماع واعتراف لبناني ودولي بلبنانية مزارع شبعا وضرورة استعادتها، ما يعطي شرعية أخلاقية ووطنية وقانونية للمقاومة للاحتفاظ بسلاحها حتى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة.
أمّا في التفاصيل السياسية الداخلية فقد سجّلت المعارضة جملة من الإخفاقات، وتبرّر ذلك بأنّها دفعت ثمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المذكورة سابقاً، بحيث اختارت دفع بعض الأثمان السياسية والإنمائية الداخلية لتحقيق الأهداف الكبرى العامة، ويمكن تحديد أهم الإخفاقات بالآتي:
ـــــ الإخفاق في إسقاط الحكومة تحت ضغط الاعتصام أو الحصار النيابي.
ـــــ الفشل في منع إقرار المحكمة الدولية وفق الآلية الدولية (مع عدم ممانعة المعارضة الوطنية بضرورة كشف الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإبقاء المحاكمة في الإطار القانوني وعدم تسييسها).
ـــــ الفشل في منع إجراء الانتخابات الفرعية ومن ثمّ المشاركة فيها.
ـــــ الفشل في إقرار حكومة وحدة وطنية أو الثلث المعطّل بل والتنازل عنها مجاناً لمصلحة المولاة. ولعلّ الربح التفصيلي الداخلي الوحيد، هو عدم تمرير انتخاب رئيس للجمهورية من 14آذار، وبالتالي منع الأكثرية النيابية من استغلال العدد في تحقيق أهدافها، مع أنّ الأكثرية تربح في الفراغ الرئاسي أكثر من المعارضة لأنها تمسك بمجمل صلاحيات السلطة التنفيذية وصلاحيات رئيس الجمهورية بمعنى أنّ مقاليد الحكم في يدها دون منازع.
وهنا يطرح السؤال: هل حالة التوازن أو «الستاتيكو» السياسي ستنتهي خلال أسبوع أم تمتدّ إلى فترة أطول، نتيجة الظروف الإقليمية والدولية حتى نهاية العام 2008 أو في منتصفه، حيث تدلّ المؤشرات على أنّ الساحة اللبنانية دخلت مرحلة «الكوما» السياسية، التي يمكن أن تكون باردة وغير حارّة لأنّه ليس من مصلحة الموالاة الآن، إحداث أي اضطراب أو فتن في الشارع لأنها هي الحاكمة، فبدل أن تحكم على أرض ساخنة وأجواء محمومة، فالأفضل أن تحكم بهدوء واستقرار أمني سياسي. ولأن الأطراف الخارجية ستعمل على قطف ثمار التوازن الهادئ أو «الفراغ المنظَّّم» لتسوية مشاكلها البينية. تُضاف إلى ذلك الاستحقاقات الداهمة في مؤتمر أنابوليس أو إعادة إحياء الحوار الأميركي ـــــ السوري المباشر، ليُضاف إلى الحوار الأميركي ـــــ الإيراني المباشر، لتأمين حلّ للمأزق الأميركي في العراق، مقابل إعطاء بعض المطالب لسوريا وإيران، بحيث إن التسوية تعطي لكل طرف، ما يعود به حاملاً بعض الأرباح والانتصارات إلى ساحته الداخلية الخاصة. فالأميركي بحاجة إلى بعض الفوز الخارجي لتعويض إخفاقاته الداخلية وللتحضير لمعركة الرئاسة في عام 2008، والإيراني بحاجة لبعض الفوز في ملفّه الداخلي (النووي) والخارجي، وهو أيضاً على أعتاب انتخابات تشريعية برلمانية، والسوري بحاجة إلى تثبيت مرتكزاته، وإعادة تعويض ما خسره في العامين الماضيين على صعيد العلاقات الدولية، وحضوره الإقليمي. بالتالي، فإنّ الأطراف اللبنانية ستكون بانتظار ما ستجنيه الأطراف الخارجية الآن، لتعود هذه الأطراف وتضخّ جزءاً ممّا ربحته إلى الساحة اللبنانية، حمايةً أو ضغطاً، لإنتاج تسوية عنوانها «لا غالب ولا مغلوب»، وعفا الله عمّا مضى.
* كاتب لبناني