لن أدخل من باب الدين الإسلامي وعلاقته بالفن، فتاريخ الفنون الإسلامية في أنحاء العالم من مشرقه الى مغربه ينطق عن ذاته، ذلك التعبير الراقي عن المعتقد الديني والفكر الفلسفي المُوحِدِ لله تجسدَ في صيغة فريدة تميزت عما سبقها من حضارات وما تلاها من فنون متنوعة، فالفن صيغة الحضارة الاولى، والمرجع الصالح لفهم التاريخ، والدليل القاطع لقراءة متجددة له، أما الإستمتاع بالفن فرياضة نفسية تحاكي بواطن الأمور، وتهذب النفس، وتسمو بالإنسان نحو عالم يزيده إنسانيةً ورقياً، ويجرده من الخشونة والجفوة والرغبات الغرائزية، وتلك غايات الأديان السماوية، فلماذا تهتكون ما بقي من معالم أثرية؟ ولصالح من تطمسون تاريخ الحقائق البشرية؟
من أين أدخل إذن لأتحدث عما يحدث في أرضٍ سكنتها أقدم الحضارات الإنسانية، ولمن أشكو ممارسات همجية تعكس صورة كاذبة ممنهجة مراد منها تشويه الدين الإسلامي؟ أأناشد المجتمع الدولي النائم على أسرّة أحلامنا؟ أم أناشد العرب؟ تلك الأمة المتخاذلة المتناحرة على فتات الطعام العفن من بقايا موائد محشوة بالكره والحقد المغلف بالشوكولا، تلك الأمة الجاهلة التي لا تعرف قيمة التمر وطعمه القدسي من نخلةٍ تساقطُ رطباً جنياً، الم يحن الوقت لتستيقظي؟ يا أمةً باعت القدس في سوق البغاء للأنجاس سبية، استيقظي، ألم يكفكِ الذل تتلحفينه عباءةً وتغرقينهُ بالعطر لتعطيه رائحةً زكية، يا اهل الكرم والمروة والحمية، تقدمون ما بقي من مآذن وكنائس للشيطان هدية، ويلكم أبناء الجاهلية، ويلكم تبيعون التاريخ، ألم يكن مفخرتكم الباقية تملأون بها أدمغتكم الحجرية، تفرغون ماضيكم في متاحف الغرب، وبديناميةٍ منظمة تقتلون حضارتكم الإنسانية وتمحون التاريخ لأجل واقع عدمي. ايتها الأمة العقيمة أهديتِ رحمك الى الجهل والجاهلية، فأيُ ولادةٍ للحياة من دون الصور؟ وأي حلم من دون الصور؟ وأي رائحة جميلة من دون عبق التاريخ؟ الى الوأد مصيرك تحت التراب منسية، وداعشٌ حاضرك الأخت الصغرى بالدم للصهيونية، تستكمل مسيرة عقود من النهب والقتل والإعتداء على هذه الأمة الغبية، وتمحو ما بقي من الإدراك والعقل والوجدان والإنتماء، بطرق مختلفة وبأساليب فاشية ذكية، وها هم العرب يشاهدون عبر شاشاتهم الفضائية صور تاريخهم تمحى، ولغة أجدادهم تُبتر، ومرآتهم الأثرية التي أنتجت صوراً خيالية لفرسان يلبسون ثياب نقية تُكسر، فهل يخلق ذلك جدلية في النظرة، ويحرك ما بقي من مشاعر صدئة؟ وهل سنعي مدى خطورة الوباء الداعشي القاتل؟ أم أننا سنلبس البرقع هذه المرة ونمنع خطر الرؤيا من الوصول، وكما النعامة ندفن رؤوسنا في التراب ونغرق في جرف من الدم الأحمر.
م. سلام فقيه