نسيب حطيط *
مع انعقاد مؤتمر أنابوليس، طُرح الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية». وبعد مفاوضات ثنائية منذ اتفاقات كامب دايفيد وأوسلو إلى وادي عربة ومدريد، ظهر أن مبدأ «الأرض مقابل السلام» قد اعتمدته إسرائيل بشكل معكوس، فبدل أن يكون السلام لها مقابل إرجاعها الأرض المحتلة للعرب، فإنها تطرح إعطاء السلام للعرب وعدم الاعتداء عليهم مقابل تخليهم عن الأرض المحتلّة، والحقوق المنصوص عليها دولياً، وخاصة للشعب الفلسطيني. وبالتالي فإنّ المحصّلة النهائية لأكثر من ستين عاماً من احتلال فلسطين، وأكثر من خمسة حروب عربية ـــــ إسرائيلية، وما تخلّلها من حروب استنزاف وانتفاضات مسلّحة داخل فلسطين، وبعد مفاوضات استمرّت ما يقارب ثلاثين عاماً، قاربت إسرائيل لحظة تاريخية لم تكن تحلم بتحقيقها وهي:
ـــــ الاحتفاظ بالأرض الفلسطينية كلها.
ـــــ تهجير ما بقي من فلسطينيّي 1948، بمفعول رجعي.
ـــــ بيع السلام للعرب بدل أن تشتريه منهم.
ـــــ ربح الاعتراف العربي بإسرائيل مع عدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، وهذا ما يمثّل قمة الانتصار الإسرائيلي، متلازماً مع قمة الهزيمة العربية وبما يتناقض مع الوقائع والمعطيات التي يجب أن تؤدي إلى نتائج عكسية.
وقد بدأت النزعة الدينيّة بالظهور في الخطاب السياسي الصهيوني بعد حرب 1967 واختلال التوازن الديموقراطي لمصلحة العرب، حيث إنّ عدد سكّان العرب الفلسطينين داخل الخط الأخضر والضفّة وقطاع غزّة تجاوز ثلاثة ملايين نسمة، بينما عدد سكان إسرائيل هو ما قارب سبعة ملايين. وبما أن النمو السكاني للعرب الفلسطينيين أعلى من النمو السكاني الإسرائيلي، زاد الخوف الإسرائيلي من انقلاب الميزان السكاني لمصلحة العرب خلال العقود المقبلة. وما زاد من الرعب الإسرائيلي، هو مطلب عودة اللاجئين الذين تجاوز عددهم في الستينيات أربعة ملايين فلسطيني، فإذا ما عاد نصف هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم، فسيكون عدد الفلسطينيين الإجمالي ما يقارب خمسة ملايين فلسطيني، لتصبح النسبة 5/7، وهذا ما دفع الكيان الصهيوني إلى الفرار من هذه النتيجة والتخلص من الأعداد الفائضة سكانياً على مرحلتين:
ـــــ المرحلة الأولى: كانت بفعل الانتفاضة الفلسطينية التي أدّت إلى التخلّي عن قطاع غزة والضفة الغربية لمصلحة السلطة الفلسطينية، حيث كان الهدف الإسرائيلي التخلّص من العدد السكّاني الكثيف، ومن ضربات الانتفاضة وما ألحقته بالكيان الصهيوني من خسائر، بالإضافة إلى أنّها تمثّل حلاً مجتزأً للمطالب الفلسطينية يمكن بعدها دفن القضية وإنهائها.
ـــــ المرحلة الثانية: كانت برفع شعار «الدولة اليهودية» التي توفّر للكيان الصهيوني عدّة أهداف في لحظة واحدة حيث يتخلص من الجانب السكاني العربي داخل الخط الأخضر وشطب حقّ العودة للفلسطينيين.
وأحد أهداف طرح الدولة اليهودية وتهجير ما بقي من الفلسطينيّين ومنع اللاجئين من العودة وتوطينهم في لبنان مثلاً، أنّ ذلك يحقّق في لبنان التوازن الديموقراطي بين السنة والشيعة، حتى لو كان على حساب المسيحيّين، الذين سيكون مصيرهم مشابهاً لمصير المسيحيّين في العراق وفلسطين.
وفي تعديل طارئ على هذا المشروع، قامت حرب إسرائيل الثانية في تموز 2006 بهدف معلن هو القضاء على حزب الله، بينما الحقيقة كانت تهجير الشيعة نهائياً من لبنان إلى جنوب العراق، أو على الأقل إبعادهم عن الحدود الفلسطينية.
* سياسي لبناني