نظام مارديني
التقويم: معرفة تجريبيّة أو حكم معياري مطلَق؟

يقرأ هشام شرابي في هذا الكتاب فلسفة نيقولاي هارتمن وس.آي.لويس، ومشكلة القيم عندهما. ففيما مثّل الأوّل التراث الفلسفي الأوروبي بأعمق معانيه، كان الثاني يعبّر عن روح الفلسفة الذرائعية الأنغلو ــــــ أميركية بأقوى أشكالها. مشيراً إلى أنّ نقطة الاختلاف بين هذين الفيلسوفين كانت في نظرتهما إلى مشكلة القيم.
نظرة لويس إلى القيم هي نظرة نسبية، تقرّرها تجربة الفرد، الذي لا معنى له خارج التجربة المباشرة. ومع أنّ هذا الفيلسوف حاول الحفاظ على صفة الموضوعية للقيم من خلال الإصرار على أنّها ليست مجرّد أحكام ذاتية، فإنّه انتزعها من الأرضية الفلسفية التي ارتكزت عليها في نظرة هارتمن وأخضعها لمنطق تجريبي لا يقبل الموضوعات أو المثل خارج التجربة الحسّية المباشرة. وهذا يشير إلى أنّ موقف شرابي تجاه فلسفة لويس كان موقف الرفض المسبّق، وتجاه فلسفة هارتمن هي القبول المسبّق.
يعرّف لويس العلاقة بين «المعرفة» و«التقويم» في حدود «المعنى» و«الفعل». فالتقويمات، باعتبارها كذلك، تُعدّ صورة من صور المعرفة التجريبية، ومن ثمّ فهي، وعلى نحو أساسي، ليست متميّزة عن الأنواع الأخرى من المعرفة التجريبية، وذلك فيما يتعلق بتحديد صدقها أو كذبها، وما يحدّد صحتها أو تبريرها. ومن ثم فإن حلّ مشكلة الخير الأساسي basic good أو الطبيعة النهائية للقيمة، وبناء الأسس العامّة لتحليل متّسق للتقويم إنما يعتمد على هذه العلاقة، أعني علاقة التقويم بالمعرفة. ويظهر هذا بوضوح، وعلى نحو مباشر، في تطابق الأنماط الرئيسية الثلاثة للحمل القيمي مع الأنماط الرئيسية الثلاثة لمعرفة التجريبيّة.
إنّ تصوّر لويس للقيمة الأصلية intrinsic يمكن أن يكون أكثر وضوحاً عند قيامه بوصف «دلالة» هذا التصوّر في أحكام القيمة ومكانته في التحقّق التجريبي من هذه الأحكام في حدود الإجراءات المنطقية. ومثل هذا الوصف للإجراءات المنطقية يُعَدّ ممكناً عقلياً فقط عند قيامه بعملية توضيح للحدود مثار الاختلاف، ومثل هذا التوضيح تأكّد على نحو مكثَّف وشامل في مناقشة لويس لحدود القيمة وتصوّراتها كما هي مستخدَمة في كتاب شرابي. إن أيّ نسق استنباطي، مثل الهندسة الاقليدية، إنّما يتأسّس على فئة من بديهيات وقواعد الاستدلال، وهي القواعد التي يمكنها أن تستدلّ «المبرهنات» من «البديهيات». ومن ثم فإنّ أيّ «برهان» أو «تدليل» في هذا النسق إنما يتأسّس على «بديهيات» النسق وقواعده.
أمّا هارتمن، فقد أخذ مفهوم «القيمة الأصيلة» نقطة انطلاق له ومن ثم يسأل: ما هي خبرة الشيء الذي نقدّره تقديراً مباشراً؟ أعني الشيء الذي نعتبره قيّماً على نحو مباشر؟
وتأتي إجابة هارتمان عن هذا السؤال مقابلة لموقف لويس أي النقيض لموقف لويس، فإنّ الأشياء تكون قيّمة ليس لأننا نختبر ونعاني كيفية قيمية عندما تعرض الأشياء ذات قيمة. وهذا المعيار standard هو «الخير الأصيل» intrinsic good.
* كاتب سوري



العنوان الأصلي
مشكلة القيم في فلسفة هارتمن ولويس
إعداد:
هشام شرابي
الناشر
دار نلسن