عباس المعلّم
مجدّداً الضاحية الجنوبية، فبعد مجزرة 13 أيلول وأيار حيّ السلّم، مجزرة أخرى تُرتَكَب في مار مخايل، ثمانية شهداء وعشرات الجرحى برصاص الجيش والقوى الأمنية، وتأتي هذه الجريمة بعد تهديد وتهويل سلطة الهيمنة في السرايا بأن الاحتجاجات المعيشية للمواطنين سيتمّ التصدّي لها بالطرق المناسبة، وترافق ذلك مع نعوت وشتائم بحق أهل الضاحية وتصويرهم على أنهم مجموعة خارجين على القانون.
ولم يكفِ هذه المنطقة التي يصلح وصفها بـ«حزام البؤس» سياسة الحرمان والمعاقبة الجماعية، لأن ذنبها الوحيد أنها معقل المقاومة بوجه العدو الصهيوني.
منذ أيلول 1993 حتّى جريمة مار مخايل يتكرّر المشهد نفسه، وهو الرصاص المباشر على المواطنين العُزّل الذين يحتجّون بالصراخ والدواليب المشتعلة. لكن في المقلب الآخر نشهد اعتراضات شعبية من جانب أطراف ومناطق أخرى وتقطع الطرقات وتحرق الدواليب ويطلق الرصاص كما حصل في التشييع الشعبي المسلح للرائد وسام عيد أمام ضباط وجنود الجيش والأجهزة الأمنية من دون أيّ تدخل ولو خجولاً للقوى الأمنية، وخصوصاً للجيش اللبناني.
ليس جديداً على هذه المنطقة العزيزة الصمود والمواجهة، وهي التي واجهت أعاصير العدو الصهيوني وحلفائه، الذين لم يستطيعوا النيل من عزيمتها، فهي شرف وعزّة لبنان، ولم تتوانَ يوماً عن تقديم التضحيات في سبيل حرية الوطن وسيادته، وإذا كانت هناك دولة ووزراء ونوّاب ورئاسات وجيش وأجهزة أمنية ونجوم على الأكتاف، فهي بفضل أهل الضاحية المقاومة التي حمت بيروت ولبنان ومنعت تقسيمه ووحّدت الجيش.
فلمَن يهمّه الأمر، عليه أن يعلم أن طريق بعبدا تمرّ من الضاحية وبرضى أهلها وشعبها، وليست المجازر والاستعراض العشوائي ضدّ المواطنين الأبرياء العُزّل هي الطريق الصحيح بل هي الجحيم الملتهب، وما هو مطلوب اليوم وفي أسرع وقت ممكن أن تقوم قيادة الجيش بتوقيف الضباط والجنود الذين أطلقوا النيران المباشرة على محتجّين عُزّل وتسليمهم للقضاء وإنزال أشد العقوبات بحقهم مهما علا شأنهم، لأنهم لن يكونوا أرقى وأشرف من أهل هذه المنطقة التي قدّمت قوافل الشهداء لتحرّر الوطن من الاحتلال ولتحمي سيادته واستقلاله وتوحّد جيشه بدماء أبنائها.
هذه الضاحية وأهلها الشرفاء لن يستطيع أحد النيل منهم، ليعاقبهم على هزيمة إسرائيل في حرب تموز، ولن يستطيع أحد تركيع شعبها العظيم الذي منه تؤخذ الشهادة بالوطنية والعروبة.
وإذا لم يتمّ كشف ملابسات هذه المجزرة ومرتكبيها ومعاقبتهم، وجرى تمييع التحقيقات كما حصل سابقاً، فإن ذلك يعني سقوط كل الخطوط الحمر، وليتحمّل مَن وفّر الغطاء السياسي لارتكاب مجرزة مار مخايل وهو معروف لدى الجميع، عواقب وخيمة ستحاسب كلّ الذين نفّذوا وخطّطوا وتواطأوا بارتكاب هذه الجريمة على كل نقطة دم سُفكت لشهيد أو لجريح، لأن دماء الضاحية غالية وعزيزة وويل لمَن يتآمر عليها.