صاحب الغبطةطالما ان كل الدول شرقاً وغرباً أعلنت عدم ارادتها التدخل في انتخاب رئيس للجمهورية وتركت الأمر للبنانيين ظاهرياً. وطالما أن المسلمين في 8 آذار و14 آذار اجمعوا على احالة «المشروع الرئاسي» إلى أخوتهم المسيحيين. وبما أن ما بدا لغاية الساعة أن الخيار انحصر بين أقوى ممثلين مارونيين، ميشال عون وسمير جعجع. وطالما أنه انبثق عن تداعيات عدم الاتفاق على شخص الرئيس العتيد محاولات حثيثة لجمع هذين القطبين.

وفي حال اخفاقهما في حسم مشكلة الملف الرئاسي، نقترح اعتماد معايير التفريق بين شخصية كل من القطبين للخلوص إلى نتيجة ترتكز على المنطق والواقع وطبيعة الحال المستمدة من:
1 ـــ عدم الاحتكام إلى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس.
2 ـــ عدم الاحتكام إلى قرار الشعب بدليل رفض مبدأ انتخابه رئيس الجمهورية .
3 ـــ الاحتكام إلى نتائج آخر انتخابات نيابية.
وإذا سلمنا بمبدأ جواز التفريق بين شخصية وصفات كل من عون وجعجع على الساحة اللبنانية رسمياً وحزبياً انطلاقاً من معايير لا بد منها لتقرير حسم الخيار بالمنصب الرئاسي، يجب بداية:
أ ـــــ التسليم بأن الاثنين لهما الغيرة والمصلحة في حسم الخيار الرئاسي دون أفضلية على أحد.
ب ـــ إن المواصفات والسمات التي يتصف بها أحدهما عن الآخر لا تقلل من شأن أو حظ الثاني في تبوء المنصب لاحقاً.
ج ــــ إذا اختير أحد القطبين نتيجة اعتماد عملية التفريق ارتكازاً على معايير واقعية ومنطقية، فعلى الخاسر أن يتقبل هذا الخيار بكل ديموقراطية.
وإذا اعتمدت عملية التفريق بين شخصية المرشحين ومزاياهما السلبية والايجابية توصلاً لتغليب الايجابية منها لانجاح الأنسب لمصلحة لبنان، لا بد من معايير واقعية ومنطقية وعملية ومعلومة من غبطتكم ومن سائر اللبنانيين. فضمن هذا السياق، واستناداً إلى معيار الخبرة والتمرس وسني الخدمة في الحقل العام، انطلاقاً من ممارسة كل من القطبين لنشاطهما المعروف، يكون هذا المعيار لمصلحة عون. وفي المعيار المتعلق بنسبة التمثيل السياسي للساحة المسيحية بكافة ألوانها وتشعباتها، فإن من الثابت عملياً ورسمياً أن هناك فارقاً كبيراً لمصلحة عون من حيث عدد أعضاء كتلته البرلمانية المتنوعة. وانسجاماً مع نسبة التمثيل الأكبر، نجم عن هذا العامل منحى وطني أعم واشمل في الخطاب الصادر عن ميشال عون موجهاً لكافة تلاوين المجتمع اللبناني، وهو استثمر قاعدته الشعبية الموصوفة باللاطائفية انطلاقاً مما يسمى بثقافته العسكرية ذات الخطاب الموجه وطنياً، في توفير «جسر عبور» مانع للتشرذم المفترض في التركيبة داخل النظام يعول عليها لاحقاً في استلام مقاليد الحكم.
وضمن هذا المنوال، نجد في العلاقة السياسية والحزبية مثلاً التي جمعت بين التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل وتمتين تلك العلاقة، والحلف العلني على هذا الأساس بركيزة شيعية داعمة لميشال عون تكاد تتخطى أكثر بكثير مما يمثله الحلف المعلن مع سمير جعجع من الفريق السني ودعمه له لتبوء سدة الرئاسة. وضمن هذا الانطباع، لا نقف على قناعة راسخة من قبل تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري في دعم جعجع لسدة الرئاسة.
وإذا سلمنا جدلاً ان المرشحين يتناصفان التمثيل المسيحي اللبناني، فإن نسبة التأييد الإسلامي السني تمحض عون ثقتها بالرئاسة بما يؤهله للمفاضلة مع جعجع كون الأخير لا يستطيع الارتكاز مطلقاً على قاعدة شيعية تؤهله نسبة لما حصل عليه عون من قواعد سنية داعمة. وعلى ضفة أخرى موازية، يبقى الدور الملعوب من عون على صعيد نهضة الحالة المسيحية اللبنانية بالتضامن والتواصل مع الحالة المسيحية الشرقية الناجمة عن محاولات التذويب والاقصاء والتهجير أكبر وأفعل داخلياً وإقليمياً، بحيث أقرّت له حتى اشعار آخر صلاحية التعبير والتمثيل بصورة معلنة وراسخة عن لواعج وهواجس المسيحيين في الداخل والخارج.
تأسيساً على ما تقدم، وللخلوص بنتيجة ناجعة تنقذ الاستحقاق الرئاسي، نقترح ما يلي:
أولاً: اعتماد المعايير والمقاييس الآنفة الذكر، واختيار عون رئيساً للجمهورية.
ثانياً: التمني على المرشح جعجع تقبل هذه النتيجة بنبل.
ثالثاً: التمني إنسانياً وراعوياً أو معنوياً على المرشح الفائز على مواصلة التطبيع المتبادل مع الخاسر تمهيداً لايصال الأخير متى توفرت له ظروف داخلية أو إقليمية مؤاتية.
رابعاً: إدراج الخيار الرئاسي بتولي عون رئاسة الجمهورية «كدخان» مطلوب من المسيحيين ليكون المفتاح لنجاح الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله.
خامساً: تشجيع تيار المستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على المضي في التفاهم والتحاور في سبيل تخميد كل فتنة أو شر يتربص بهذا البلد.
يا صاحب الغبطة، قال ابو القاسم الشابي في زمانه:
«من يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر»
المحامي الياس بو غصن