أحمد بهاء الدين شعبان *■ أزمة حكم شاملة

هناك أزمة شاملة، مستحكمة، ممتدّة، تضرب بعنف كل مناحي الحياة في مصر، لا تستثني مجالاً أو منطقة أو طبقة. وهذه الأزمة ذات طبيعة اجتماعية حادّة، تمسّ مسألة توزيع الثروة في المجتمع، بعد أن اختطفت قلة محدودة من كبار «رجال الأعمال»، بفضل تداخلهم العضوي مع السلطة، كامل الملكية العامة التي كانت مملوكة اسمياً للشعب، وفعلياً للدولة، من مصانع ومرافق وأراض ومؤسسات وخدمات... بلا مقابل تقريباً. واحتاج تمرير هذا الوضع إشاعة مناخ ذي سمات خاصة، أبرز مظاهره الفساد، الأمر الذي مهّد الأرضية أمام هذه الجماعات لاختراق بنية النظام كلّه.
وتدرّ هذه الملكيات أرباحاً تقدر بمئات المليارات، رُحّل أغلبها للخارج، وما تبقى من فتات أُنفق بسفه على مشاريع باذخة لخدمة مزاج هذه الشرائح البالغة الضيق، التي تركت المدن المأهولة، وحتى أحياءها الغنية التقليدية، لـ«الغوغاء» من أبناء الطبقة الوسطى المتحدّرة بسرعة إلى مصاف الطبقات الدنيا، لكي تقيم في معازلها الحصينة غيتوهات أنشأتها ببذخ يفوق التصور على حواف الصحراء، بعيداً عن الضجيج والزحام والتلوث، ترفل بين حدائقها الغنّاء وقصورها الوارفة وملاعبها الخضراء وبحيراتها الاصطناعية، وتحيط بها أسوار عالية تحميها من التطفل. فرق «أمن» مدربة وكلاب حراسة تتصدى لرذالة الفضوليّين ووسائل الإعلام المتطفلة!

شعبان في بلد واحد

وفى مقابل هذه الطبقة، تتصاعد معاناة ما يقرب من ثمانين مليوناً من المصريّين، يعيش أكثر من ثلاثة أرباعهم تحت حدّ الفقر، وتعاني أغلبيتهم أزمات طاحنة في السكن والتعليم والعلاج والانتقال والعمل ومواجهة المخاطر البيئية، فضلاً عن مشاق توفير الحد الأدنى من احتياجات المعيشة الآدمية كالخبز ومياه الشرب وما شابه.
وتغرق البلاد في الديون (حسب النشرة الإحصائية للبنك المركزي لشهر أيار 2008، بلغ إجمالي الدين المحلي 670 مليار جنيه ــــ جرى تدوير الأرقام ــــ والدين الخارجي أكثر من 32 مليار دولار)، والتضخم (الذي بلغ 14 في المئة وفقاً لأسعار المستهلكين، و24 في المئة وفقاً لأسعار المنتجين)، وتعاني تداعيات انهيار مؤسسات الخدمات الرسمية في كل نواحي الحياة. وتعم الفوضى الشارع المصري، ويعجز النظام حتى عن تنظيف الشوارع من القمامة، ناهيك عما هو أعظم من مهمات ومسؤوليات، وفي مقدّمتها حماية الأمن المنفلت، ووضع حدّ لظواهر البلطجة والاعتداء على الأبرياء، والتعذيب «المنهجي» في أقسام البوليس وسجون النظام ومعتقلاته، الذي تغص بتفاصيل ممارساته البشعة صفحات الجرائد وملفات منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
وتضاعفت معاناة الملايين من المصريين إلى درجة غير مسبوقة، تتجاوز قدرتهم المشهودة على الصبر والاحتمال وطول البال، دون أن يبدو، ولو ضوءاً طفيفاً، في آخر النفق. وهكذا أصبحت قضية «التغيير» والبحث عن «بديل» ملحَّة، مطروحة بداية وسط النخبة المسيَّسة والمثقفة، التي خرجت تعبيراً عن تطلعاتها حركة «كفاية» منذ أواخر عام 2004، رافعة شعار «لا للتمديد، لا للتوريث»، ثم بدخول «الجماهير الغفيرة» من العمال والفلاحين، وقطاعات البرجوازية الصغيرة، وشرائح الطبقة الوسطى المتدهورة الأحوال، والمعدمين، إلى ساحة النزال، بشكل غير مسبوق، حيث تعدّت أشكال التحركات الاحتجاجية الألف خلال العام الأخير وحده!

... وأزمة معارضة مستحكمة

غير أن المشكلة في مصر لا تقف عند النظام، بل تتعداه إلى الضفة الأخرى. فالمعارضة المصرية لا تقل ضعفاً أو تفسخاً عن السلطة.
ــــ أحزاب السلطة: فبعد أكثر من 32 عاماً على تجربة «الديموقراطية المقيدة» التي بدأت سنة 1976 بتقسيم «حزب مصر العربي»، حزب السلطة ووريث «الاتحاد الاشتراكي» إلى ثلاثة منابر، يسار ويمين ووسط، ورغم وصول عدد الأحزاب إلى 23 حزباً (لا يعرف المواطن المصري أسماء معظمها)، لا تزال هذه التجربة قعيدة ظروف تكوّنها بيد النظام وميلادها ضمن شروط لعبته السياسية، المصممة لكي تخدم هيمنته وتكرّس سيطرته في المقام الأول.
1ـــ جماعة «الإخوان المسلمون» التي تملك قدرات تنظيمية ومادية كبيرة، ولها نفوذ ملحوظ في الواقع السياسي والاجتماعي، أثبتت على مدار الفترة الماضية جمودها هي الأخرى، وعجزها عن التطور، وداخلها غرور مقيت بعد فوزها بـ88 مقعداً في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، تصورت على إثره أنها قاب قوسين من السلطة، ووقعت في «خطايا» تكتيكية ذات دلالات خطيرة (مثل تدريبات «الميليشيا» بجامعة الأزهر، وتخليها عن التحركات الجماهيرية كإضراب أساتذة الجامعة وإضراب 6 نيسان / أبريل 2008... ونشر برنامج حزبهم السياسي بما تضمنه من أفكار لاقت اعتراضاً واسعاً من النخب الفكرية والثقافية والأطراف السياسية والأقباط)، الأمر الذي عزلها عن الجماهير وعن «حلفائها»، وتركها بلا أصدقاء أو مدافعين يحمون ظهرها من غدر النظام وشراسته في سعيه لتأمين وضعيته الانفرادية المستقرة.
2ـــ الحركات الاجتماعية ــــ السياسية الجديدة
لعبت هذه الحركات، وعلى رأسها «حركة كفاية»، دوراً تاريخياً مشهوداً فى تحريك المياه الراكدة وتثقيف الناس بثقافة الاحتجاج والدفاع عن الحق، وفتحت الطريق على مصراعيه أمام تدفق أكبر حركة احتجاجية جماهيرية ممتدّة في تاريخ مصر المعاصر، وانتشرت فكرتها من أساتذة الجامعة إلى القضاة والمهنيين والفنانين والشباب والمهمشين والتجمعات الشعبية... ثمّ اكتسبت زخماً ضخماً بانضمام العمال والطبقات المسحوقة إلى صفوف المحتجين على تدهور الأحوال. لكنها حتى الآن لم تتمكن من بلورة قيادة جماعية، أو تنظيم موحد يقود كفاحها، وما زالت تحركاتها جزئية ومتناثرة، تفتقد لبرنامج مشترك للنضال يوحّد جهودها ويرسم طريقها للتغيير.

إلى أين المسير؟

يواجه النظام وضعاًً متدهوراً وشديد الاحتقان، ويشهد كل يوم تصاعداً جديداً لوتيرة الاحتجاج الجماهيري، كان آخر تجلياتها ثورة أهل محافظة «دمياط» ضد بناء مصنع ملوّث للبيئة، لشركة «أجريوم» الكيماوية الكندية، وإجبارهم النظام على التراجع. إن حالة الإحباط المستشرية جراء الانتشار العميق للفساد في بنية النظام (وآخر «حدوتاته» تسرّب أسئلة امتحانات مرحلة الثانوية العامة في محافظة المنيا، واكتشاف عقد لجان امتحان «خاصة» لأبناء المسؤولين الأمنيّين وكبار رجال الحكم ومجلس الشعب في المحافظة!)، لا تكاد تترك مجالاً لإصلاح الأحوال وتقديم حلول ناجعة لمشكلات المجتمع المتراكمة، التي لم تعد تحتمل المماطلة ولا التأجيل.
وتشير كل الدلائل إلى أن الأزمة الاقتصادية، والغذائية بالتحديد، التي تضرب المجتمع المصري بقسوة هائلة، ستزداد تعقيداً بسبب الأوضاع العالمية، والسياسات النيوليبرالية التي تصر السلطة على التمسك بها رغم علامات فشلها الأكيد. وهو ما يضع السلطة أمام خيار وحيد: تصعيد حالة القمع، والمواجهة العنيفة لكل فئات المجتمع وطبقاته. ومن المعتاد الآن أن تتحوّل شوارع العاصمة والمدن الكبرى إلى ثكنات عسكرية. ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تتزايد أعداد المجندين في «الأمن المركزي» الموكل إليه مهمة السيطرة على الأوضاع الأمنية في البلاد، حتى تجاوزت جحافله أعداد القوات المسلحة العاملة بمرات (آخر رقم يشير إلى أن عدد جنود الأمن المركزي بلغ مليوناً وأربعمئة ألف). وهذا الأمر بدوره يزيد من وتيرة الاحتجاج المتصاعدة، ويدفع الأمور إلى لحظة مواجهة تتجمع في الأفق وتبدو مقدماتها واضحة.
وقد فجّر هذا الوضع داخل المجتمع المصري حواراً واسعاً عن المستقبل: إلى أين تتجه البلاد؟ وكيف سيكون مصيرها في المستقبل المرئي؟ وخاصة أن مبارك قد تخطى الثمانين عاماً، ولن يكون معقولاً ولا مقبولاً أن يستمر، أكثر من هذا، رئيساً لدولة كبيرة كمصر، تعاني الجمود ومتخمة بالمشكلات التي تراكمت بلا حل طوال حكمه الراكد المديد، وتحتاج، حتى تخرج من عثرتها، إلى طاقة جبارة وقوى جديدة وإرادة فولاذية. والأخطر الملحوظ أن مصر تدخل هذه المرحلة الحرجة من عمرها وعمر رئيسها، من دون أي علامات طريق واضحة تشير إلى مخرج (شرعي) من هذه الأزمة، أو إلى اتجاهات الريح في المستقبل القريب.

احتمالات المستقبل

ما هي الاحتمالات التي تطرح نفسها إذاً على الأوضاع في مصر؟ لا يخرج ما يطرحه الخبراء ورجال السياسة والفكر عن الاحتمالات الأربعة الآتية:
ـــ توريث السلطة
أصرّ مبارك على ألا يُعيّن نائباً له، يحلّ محلّه بشكل دستوري وطبيعي. وفى الوقت ذاته يُنكر، هو ومن حوله، نية توريث نجله السلطة، مع أن كلّ الشواهد اليومية تصفع الجميع بعكس هذا الكلام، حيث يمارس جمال مبارك العديد من المهمات السيادية التي تتجاوز كثيراً حدود دوره الرسمي كأمين لـ«لجنة السياسات» في «الحزب الوطني» الحاكم، وهي لجنة من لجان عديدة لم تكن لتعطيه أي ميزة لولا نفوذه كابن الرئيس ورئيساً محتملاً. الجديد هو تلميح جمال مبارك لصحيفة «العلم» المغربية، يوم 23/5/2008، عن رغبته في طرح نفسه كـ«خليفة» لوالده في المنصب الرئاسي، حيث نقلت الجريدة قوله في حوار مع قناة «فرانس 24» الفرنسية «أن هناك أصواتاً تؤيدنا، أو على الأقل، أفراداً مؤمنين بالاتجاه الذي نحاول طرحه، وهم أكثر ثقة في رؤيتنا للمستقبل والإصلاح، وساندونا في السنوات الأخيرة... إن الطريق أمامنا واعد، ليس فقط في مسألة الخلافة والانتخابات الرئاسية، بل في شأن أكثر أهمية وهو بناء المؤسسات على الجانب السياسي»، وهو كلام واضح، لكن يقف حجر عثرة في سبيله أمران: الأول، موقف المؤسسة العسكرية الغامض من تولّي رئيس مدني مقاليد السلطة التي تتحكم فيها منذ 1952. والثاني، الوضع «الشرعي» لجمال مبارك، الذي يؤهله لتبوّء موقع الرئاسة.
فبحسب الدستور، يتولى هذا المنصب فور خلوّه بالوفاة أو العجز، نائب الرئيس (إن وجد)، أو رئيس الوزراء في التعديلات الأخيرة التي أدخلت عام 2005 على المادة 76 من الدستور، وهذا يعني أن وضع جمال مبارك يحتاج إلى رافعة «شرعية» تجعله مهيأً لتولّي منصب الرئاسة، كأن يتولى موقع رئيس الوزراء، أو أن يعينه مبارك نائباً له، والأمران ليسا سهلين في كل الأحوال، وسيفتحان ملف التوريث المرفوض على أوسع نطاق. كما أن كلاً منهما يجب أن يحصل خلال حكم الرئيس مبارك، أي قبل حلول عام 2011، موعد نهاية فترة رئاسته الخامسة، لأن فرص إتمامهما ستتضاءل كثيراً بعد ذلك، وهو ما أكّده النائب في البرلمان والسكرتير السابق للرئيس في مجال المعلومات مصطفى الفقي: «إذا تقدم الحكم (الرئيس) في أثناء وجوده بشخصية معينة، فهنا أستطيع أن أجزم بأنه سوف يكتب لها التوفيق في حيازة منصب الرئاسة. أما إذا حدث ذلك بعد رحيل الحاكم، فالأمر يحتاج إلى إعادة قراءة... (لأن) مصر، رغم أنها فرعونية، فإنها لا تحكم من القبور... إذا اختير الرئيس القادم في ظل النظام القائم، فسيكون تأثيره قوياً للغاية، أما إذا انتهى النظام (الرئيس)، وما زلنا نبحث عن رئيس جديد، فسوف تكون مؤثرات النظام السابق محدودة» («الدستور» 1/6/2008 ).
ـــ الاحتمال الثاني: رئيس عسكري؛ وهو احتمال يحبذه بعض خبراء السياسة الذين يرون أن «المؤسسة العسكرية» في مصر، بتراثها وإمكاناتها وانضباطها، ما زالت هي «اللاعب الأول» والمؤثر الرئيسي في تقرير مسار التحوّلات في البلاد، منذ ثورة يوليو 1952، وحتى الآن. ومن هؤلاء الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية»، ورئيس «حزب الجبهة الديموقراطية»، الذي يرى أن المجتمع المصري الآن يمر بأزمة غير مسبوقة منذ أيام محمد علي، و«أغلب الظن أن الرئيس القادم لن يكون إلا شخصاً من القوات المسلحة»، (جريدة «الدستور»، 1/5/2008).
وهناك تصور آخر في هذا السياق، يرى أن المؤسسة العسكرية قد يكون لها دور في نقل السلطة إلى «رئيس مدني»، لن يكون على الأرجح سوى جمال مبارك (مصطفى الفقي في الحديث المشار إليه).

«سيناريو يوم القيامة»

اجتماع شروط التغيير الموضوعية، مع غياب الشرط الذاتي (القيادة والتنظيم)، قد يؤدي بالأوضاع إلى ذروة انفجارية خطيرة. وتعنت السلطة بتجاهلها للإرادة الشعبية الغاضبة ولعناصر الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتراكمة، قد تقود إلى «انفجار عارم لن يبقي ولن يذر» كما يتخوف الوزير السابق يحيى الجمل، ويشاركه الرأي رئيس حزب «التجمع» الرسمي رفعت السعيد، الذي حذر من «ثورة الجياع» المقبلة، مؤكداً أنّ الشعب «يتعامل مع حكومة ضعيفة، أضعف من مواجهة الجماهير، وهي حكومة ليس هناك من هو أغبى منها في العالم!» (جريدة «صوت الأمة» 2/6/2008 ). أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، يرى أن هذا هو أحد الاحتمالات المطروحة: «انفلات الوضع الأمني بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية من ناحية، وغياب غطاء سياسي وقيادة تنظيمية للحركة الاحتجاجية من ناحية أخرى، (ربما يدفع) الأمور إلى حالة من الفوضى، قد يستغلها الجيش للنزول إلى الشارع... وتسلم زمام الأمور في البلاد»، («المصري اليوم» 22/6/2008).
ـــ الاحتمال الرابع: انتقال سلمي للوضع
لكن هناك من يراهن على احتمال رابع آخر، هو نجاح الحركات الشعبية والاحتجاجية الجديدة في تجاوز أزمتها الراهنة، وبناء آلية فاعلة تهيئ الظروف لتصعيد الضغط المنظم والمدروس على النظام المتشبث بالسلطة دون استحقاق أو جدارة. ويساعد على طرح هذا التصور المتفائل أن المعارك الناجحة للعديد من هذه التحركات (كأساتذة الجامعات والقضاة والمهندسين والأطباء والعمال والموظفين الحكوميين والمستخدمين والفلاحين وسكان العشوائيات...)، قد أفرزت قيادات محلية محنكة اكتسبت خبرات كبيرة في لهيب الصراع. وفي هذا التصور، فالذي يؤخر النجاح هو الموقف المائع والملتبس للأحزاب السياسية (الرسمية) ولجماعة «الإخوان» من جهة، والصراعات الإيديولوجية المحتدمة بينها من جهة أخرى، معيقةً فرص توحدها على برنامج مرحلي للتغيير.
ويبقى وضع آخر آثرنا ادخاره لخاتمة هذا المقال، وهو احتمال أن يبقى الوضع على ما هو عليه! ولأن النكتة ليست مجرد توليف ذكي لجملة أو فكرة تنتزع البسمة وتطلق الضحكات، إنما هي جماع حكمة القرون الغابرة وفلسفتها، ومصدر للسخرية والانتقام من الظلم، ووسيلة ساحرة للتعبير عن الرأي عندما تصادر الوسائل الأخرى، وأداة باترة لقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر، وهي أقوى من أي سلاح، فقد كان من الطبيعي أن يبادر المصري آخراً بسؤاله: هل سمعت آخر نكتة؟ وآخر نكتة أطلقها المصريون تقول إنه بواسطة وسائل العلم الحديث، جُمّد ثلاثة أشخاص، أميركي وأوروبي ومصري، لمدة مئة وخمسين عاماً، ثم نهضوا من وضعهم المتجمد وبدأوا في ممارسة حياتهم الطبيعية. وكان أول ما فعلوه المسارعة إلى أجهزة التلفزيون لمعرفة ماذا حل ببلادهم وأهلهم في فترة غيابهم عن الوعي، فوجد الأميركي مذيع تلفزيون بلاده متأفغناً، والأوروبي وجده صيني الملامح، بينما استمع المصري إلى المذيع يقول «هنا القاهرة، ننتقل الآن إلى إذاعة خارجية لننقل لكم خطاب الرئيس حسني مبارك»! والمغزى واضح، فثاني أطول الحكام جلوساً على تخت الحكم في مصر بعد مؤسّس دولتها الحديثة محمد علي باشا، لا يريد أبداً أن يفكر في «اليوم التالي»، مع أن التداعيات كلها توجب هذا الأمر، وأهمها أن مرور الأيام يقضم ما تبقى من وقت، وتتبدى استحقاقات هذا اليوم المرتقب، وهي ليست بعيدة أبداً عن الأنظار!
* أحد مؤسّسي حركة «كفاية»