وسط كل التحليلات والتخمينات بشأن الاستراتيجية الاميركية حيال «داعش» هناك حقائق واضحة لا لبث فيها، ابرزها:ــ الضربات التي يشنها التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا لا تشمل ضرب اهداف تابعة للنظام السوري بل فقط تلك التابعة لـ«داعش» وغيرها من التكفيريين («خورسان» مثلاً). وذلك بغض النظر عن حجم وكثافة الضربات والعمل العسكري للتحالف ضد هذه التنظيمات.
ــ ليس على اجندة واشنطن ولا التحالف الذي تقوده العمل العسكري الهادف الى اسقاط النظام في دمشق. واكبر دليل على ذلك هو الاستياء التركي وعدم انضمام انقرة الى التحالف، وكذلك رفضها من البداية استخدام التحالف قاعدة انجرليك الجوية.
كون استراتيجية واشنطن لمحاربة «داعش» تشمل ضرب هذا التنظيم داخل الاراضي السورية، ما ادى الى حالة استياء وغضب كبيرين لدى ما يسمى المعارضة السورية المعتدلة المسلحة التي اتهمت واشنطن بالتواطؤ مع الرئيس السوري بشار الاسد، يعني ان واشنطن جادة، اقله في اضعاف «داعش». ويعود ذلك لاسباب عدة، من بينها حماية المصالح الاميركية في العراق الذي يستضيف اكبر سفارة اميركية في العالم اضافة الى ضرورة الرد على اعدام الصحافيين الاميركيين، وكذلك حماية الحلفاء القريبين مثل الاردن والسعودية. اذا ما سلمنا بأنّ الادارة الاميركية جادة بعض الشيء في حربها ضد «داعش»، ما تفسير العمل العسكري المحدود وغير الفعال نسبياً من قبل التحالف الدولي؟
ربما تكمن الاجابة في ارتباط واشنطن بحلفائها التقليديين الخليجيين الذين يتمتعون بنفوذ واسع داخل الولايات المتحدة، ان كان في الاروقة السياسية الاميركية او حتى في وسائل الاعلام. ففي شهر حزيران/ يونيو الماضي، قال السفير القطري السابق لدى واشنطن، ناصر بن حمد آل خليفة، إن اي تدخل عسكري اميركي في العراق دعماً لرئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي سيعتبر «حرباً» على السنة العرب كافة. عمل الاميركيون بعد ذلك على استبدال المالكي، وهو الذي يصنفه القادة الخليجيون برجل إيران في العراق. كذلك يسعى الاميركيون لبناء قوات حرس وطني «سنية» من اجل استعادة المناطق التي يسيطر عليها «داعش» ذات الغالبية السنية في محافظة الانبار وغيرها. وفي سوريا ايضاً، نرى أنّ العمل العسكري للتحالف الدولي يتقيد بالاجندة الخليجية. فتنوي واشنطن وحلفاؤها الخليجيون وكذلك تركيا، تدريب ما يسمى قوات معارضة سورية معتدلة والذي هو مطلب خليجي قديم. وذلك رغم ادراك الادارة الاميركية أنّ مثل هذه الخطة ستبوء بالفشل، حيث قال نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في كلمته الشهيرة في جامعة «هارفرد» التي حمل فيها تركيا وقطر والسعودية مسؤولية صعود داعش، ان لا وجود «لمعارضة معتدلة في الوسط» داخل سوريا.
هذه المقاربة الاميركية التي تتقيد بالاجندة الخليجية في سوريا بخاصة حيث لا يزال يجري الحديث عن ايجاد قوة قادرة على محاربة كل من «داعش» ونظام الاسد، هي التي تقف وراء استقالة وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل. وقالت مصادر اوروبية زارت بيروت أخيراً إنّ سبب استقالة هاغل هو ان الاخير اعتبر ان الاستراتيجية التي تستند على محاربة «داعش» مع مواصلة معاداة الرئيس السوري بشار الاسد هي من دون جدوى. وقالت هذه المصادر إنّ هاغل كان يعتبر ان الاستراتيجية الناجحة ضد «داعش» تقتضي التعاون مع الاسد. وما يعزز صحة ذلك هو ما ادلى به هاغل خلال جلسة استجواب امام الكونغرس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حين اعتبر ان الاطاحة بالاسد لن تزيل خطر «داعش».
يتبين يوماً بعد يوم ان تأخير الحل السياسي والقضاء الكامل على الارهابيين في سوريا يحمل معه أخطاراً لم يعد ممكناً تجاهلها، خصوصاً على دول الخليج. وهنا تجدر الاشارة الى اعادة فتح السفارة السورية في الكويت وكذلك التغير في تغطية وسائل الاعلام الخليجية، وتحديداً السعودية، للملف السوري. يضاف الى ذلك ان ابقاء الارهاب حياً في سوريا قد مكنه من ضرب دول الغرب مثل فرنسا واستراليا. واذا ما وقع هجوم كهذا على الاراضي الاميركية سيعد ذلك كارثة بالنسبة لاوباما الذي يسعى الى استكمال ما تبقى له من وقت في البيت الابيض بتحقيق الانجازات وتلميع إرثه الرئاسي الذي سيتعرض لضربة قاسية جداً في حال تم المس بأمن اميركا القومي.
* باحث لبناني