لا أنكر أنني ممن تعاطفوا مع ما حدث مع صحافيي «شارلي ايبدو». ولن أنكر أنني من المعجبين بالفنانين الضحايا. كذلك، لا أنكر أنني لم أفصح عن رأيي لأسباب يمكن أن لا تقنع غيري، ولكن لم أرد التسرع بالحكم لا على الإدارة الفرنسية ولا على هذه الجريدة المثيرة للجدل. كما أنني لستُ مرتبطا عاطفياً بأي شيء في فرنسا ولا يعنيني أمر ذلك البلد ذي السياسة التقلبيّة الإنقلابية.
لم أكن ضد قرار منع النقاب في الباحات العامة والجامعات، بل إنني أيدت هذا القرار لأنني من جماعة الإسلامو فوبيا ومن مسلمي الغرب بالذات. تلك الفترة أذكر أنني قلت لصديق مغربي مقيم في بريطانيا: يوماً ما سنصل الى مرحلة «ممنوع التلفظ بكلمة الله اكبر». فبعد فيلم ١١ أيلول، ها نحن اليوم نواجه مشكلة أكبر في أوروبا. الله أعلم متى سينقلب علينا الأوروبيون ويبدأون بتصفية العربي المسلم وغير المسلم.
سنين ونحن نرى الإسلام السياسي يغزو بلادنا، وكنا كلما نطقنا بحرف تنهال علينا الشتائم. يشتمون علمانيتنا، ويشتمون شيوعيتنا، ووصل بهم الامر ان يشتموا اهلنا وأصلنا وفصلنا. كثيرون من العرب، عانوا من تفاصيل ومشاكل كثيرة مع العرب انفسهم ومع الغربيين الذين يعتبرون أن كل العرب مسلمون، او أن كل العرب يشجعون ما ينتجه اليمين المسلم او الإسلام «الأمريـ ــــ سعودي».
غزتنا الوهابية والبستنا وشاحاً اسود. وأتى الربيع العربي (كما سمته اميركا واعوانها في المنطقة) وأصبحت عبارة «لا اله الا الله» تمثل للبعض «داعش» وللبعض الآخر التطرف الإسلامي بشكل عام. وانفجرت هذه العبارة في سوريا والعراق وأصبح ضحاياها، أطفالا رضّعاً ونساء قاصرات وشيوخاً، عاجزين عن تأدية الفروض الإسلامية او ما تفرضه عليهم هذه الجماعات من اوامر.
عبارة «الله اكبر» الأشهر
عالمياً على صعيد الإرهاب وليس الإيمان



انفجرت وجاء معها شبح اسمه «الله اكبر» التي أصبحت بعد ١١ ايلول تعبّر عن الإرهاب وعن انفجار قادم في غضون ثوانٍ. حتى وصلنا الى يومنا هذا الذي اصبحت فيه اكثر كلمة مكروهة عالمياً. إنزل الى الشارع في مدينتك واصرخ «الله اكبر»، واحص عدد من سيبدأ بالركض ومن سيركض ناحيتك ليفدي بجسده المارة، ومن سيسارع للإتصال ليبلغ عن «إرهابي مسلم».
تصدرت عناوين الصحف الغربية ومواقع التواصل صور وفيديوهات قتل وذبح لأشخاص عزّل. عبارة «الله اكبر» كانت نهاية حادثة شارلي، وكانت اللفظ الأخير لإنتحاريي تفجيرات الضاحية الجنوبية ومسجدي طرابلس وجبل محسن. عبارة «الله اكبر» الأشهر عالمياً على صعيد الإرهاب وليس الإيمان، والسؤال هنا، هل ستتصدر الكلمة مركز أكثر كلمة مكروهة بالعالم؟ أم سيختارها Oxford dictionary لتصبح كلمة القرن وليس السنة
ولأن رفاقي واصدقائي واحبابي الفرنسيين لم يقفوا مع أطفال غزة ولم يقولوا #JeSuisGaza، لن اكون شارلي، لأن رفاقنا الفرنسيين لم يقولوا #JeSuisTripoli لن اقول لهم انا شارلي، ولأنهم لم يقولوا #JeSuisSyrien لن أكون شارلي. سأكون انا اينما كنت رافضاً القتل بإسم الأديان كلها، سأكون انساناً يشعر بأخيه الإنسان وأرفض العنف كما كنت، وسأظل دوماً ضد العنف. سأكون عربياً لا أنتمي الى جنسية تحجب عني حق الدفاع عن اي قضية عربية. سأكون كل شيء الا شارلي، لأن من قتل شارلي هو من قتل أطفال سوريا ودمّر غزة وقتل أطفال قانا والضاحية وغيرهما...
توفيق المصري