«يا أبا عبدالله، كل من حاول الوقوف ضدك، أخذ طريقه إلى مزبلة التاريخ... وكل من يحاول أن يسقط لك راية، فسيسقط هو، وستبقى رايتك عالية خفاقة في البحرين وفي كل أرجاء المعمورة».(زعيم المعارضة البحرينية المعتقل الشيخ علي سلمان، ليلة العاشر من محرم 3/11/2014)


كما الكلمة والموقف ومطالب الإصلاح... الراية الحسينية في البحرين مُجرَّمة!
«مملكة البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة»، هكذا يُعرّف الدستور بشكل الدولة في البحرين، وهو ما يؤكد عليه الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة بقوله إنّ «راية البحرين ستبقى بإذن الله راية عربية مسلمة خفاقة جيلاً بعد جيل». إلا أن راية النظام «الاسلامية» لا تجتمع وراية حفيد نبي الاسلام (ص) في بلد رُد على مطالب الاصلاح فيه بهدم أكثر من 38 مسجداً.

ينقل موقع «سنوات الجريش» المهتم بنشر كل ما له علاقة بتاريخ وتراث البحرين، صوراً منذ ثلاثينيات القرن الماضي (1934)، تظهر مواكب العزاء البحرينية التي كانت تخرج في عاشوراء، وهي أقدم صور وثقها الأرشيف البريطاني عن اهتمام البحارنة بالمناسبة. إلا أن الموقع البحريني يلفت إلى أن «مواكب العزاء في البحرين كانت تقام في مختلف المناطق منذ مقتل الحسين وأهل بيته (ع) حتى يومنا هذا وقد مرت المواكب بتطور من حيث التنظيم والفن والادب وغيرها من الجوانب المتعلقة بالمواكب العزائية».
وعلى الانترنت تنتشر لوحة قيل إنه رُسمت بريشة تشارلز بلغريف، المستشار البريطاني لأهم الشخصيات السياسية في البحرين بين عامي 1926 و1957، تُظهر اللوحة مراسم إحياء عاشوراء البحرين، ليظهر فيها رجال يلبسون السواد، ونسوة يلطمون من على شرفات منازلهم، ورايات سوداء تُرفع وتلف جدران مئذنة.
ما يُقرأ في لوحة المستشار البريطاني أن احياء عاشوراء، سواء بتسيير المواكب أو برفع شعارات الحزن ورايات السواد متأصل في ثقافة وتاريخ الشعب بالبحرين منذ عقود. إلا التاريخ الذي يوثقه البريطانيون، ويتمسك به البحرينيون، يُراد أن له يُمحى اليوم. وفي الوقت الذي تحيي معظم دول العالم وبينها دول غربية المناسبة، تُنزع في المملكة «الاسلامية» الهوية شعارات المناسبة المقدسة.
وفي مذكراته ينقل بلغريف توظيف زعماء هيئة الاتحاد الوطني، التي نشأت في الخمسينيات وضمت سنة وشيعة، لخطاب عاشوراء توظيفاً سياسياً وطنياً: «الاثنين 18 أكتوبر/ تشرين الأول، 1954م، بعد الظهر تجمّع كبير في مسجد للشيعة، إنه أمر اعتيادي بعد مرور أربعين يوماً على محرم (ذكرى عاشوراء) ولكن تم توجيهه من قبل عدد من الشباب المناهض للحكومة إذ ألقوا خطابات عنيفة للمطالبة بـ (مجلس) وكذلك أبدوا بتصريحات متطرفة، منهم (بحر) الذي ألقى خطاباً. إنه لأمر مزعج حيث تضمّن الاجتماع شيعة وسُنّة بدوا جميعاً في رأي واحد».
يُحيل كلام المستشار البريطاني على نقطة مهمة لها علاقة بالقصيدة البحرانية المعتمدة في عاشوراء وغيرها من مناسبات إسلامية يهتم بها البحرينيون. العزاء البحريني يُعتبر مدرسة بحد ذاته، بعيداً عن الطور البحراني تتميز القصيدة البحرانية بغوصها بالواقع السياسي وهو ما تتجنبه مدارس عزائية أخرى. تزاوج هذه القصيدة بين الحاضر والماضي. تأخذ بقارئها أو المستمع إليها إلى التاريخ الذي يحيله بدوره على الحاضر. القصيدة نفسها كفيلة بأن تنقل له الواقع السياسي للبحرين: معتقلي الرأي، التعذيب في السجون، قضية التجنيس السياسي، والقمع الممارس بشكل يومي. فهل تخشى السلطة البحرينية من هذا التوظيف السياسي للمناسبة؟
منذ 5 سنوات، تحديداً بعد انطلاق الحراك الشعبي في البحرين، باتت ذكرى عاشوراء محل استهداف مباشر من قبل السلطة. ولو أنه ظل استفزازياً، إلا أنه لم يعد جديداً أن تُنقل صور قوات الأمن وهي تنزع رايات السواد من قرى البحرين، أو تسقط شعارات ترمز إلى المناسبة. يُسقط قوات النظام البحريني راية للحسين (ع) فترتفع عوضاً عنها رايات. تُنزع الشعارات عن جدران قرى البحرين فيخرج الشبان لصبغ هذه الجدران بالسواد.
وفيما يُعاد رفع يافطات «هيهات منا الذلة» العاشورائية، يخرج الشبان الملثمون في القرى لرفع شارة النصر التي باتت منذ انطلاق الحراك الشعبي في البحريني تعرف بأنها شارة «صمود».
وبعيداً عما يُمارس في المجال العام، تطال السياسات البحرينية الممتلكات الخاصة حتى. على مواقع الانترنت، ستظهر بسهولة بيانات استدعاء مواطنين بحرينيين إلى مراكز الشرطة على خلفية «الاعلام والشعارات المرفوعة» على منازلهم!
الاستدعاءات والتحقيقات التي تجريها السلطة تطال خطباء المنابر الذين يتولون سرد واقعة عاشوراء. يذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية بشأن الحريات الدينية لعام 2014 كيف استدعت السلطات المنشدين والخطباء الذين يشاركون في إحياء موسم عاشوراء لسؤالهم بشأن معتقداتهم.
عام 2012، استُدعي كل من الرادودَين (المنشدين) مهدي سهوان وعبدالأمير البلادي، والخطيب الشيخ مهدي الكرزكاني، والملا إلياس المرزوق وغيرهم إلى التحقيق.
عبدالأمير البلادي وُجهت له تهمة الازدراء بنظام الحكم من خلال قصيدة ألقاها في أحد مواكب العزاء، قصيدة العزاء أيضاً كانت سبباً في استدعاء مهدي سهوان.
الخطيب الشيخ مهدي الكرزكاني، جرت مساءلته عما قصده بذكره آية «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا». كان الاستجواب يومها: «من تقصد بالظالم»؟
إلا أن المثير للسخرية هو مطالبة خطباء آخرين خلال استدعائهم العام الماضي بعدم التعرض «بسوء إلى يزيد ابن معاوية»، وفق ما ينقل مسؤول الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان الشيخ ميثم السلمان.
يؤكد السلمان أن المضايقات التي يتعرض لها المواطنون الشيعة في البحرين اكتسبت صفة مؤسساتية تغلغلت في الكثير من الدوائر الرسمية، ليتطور الاستهداف الممنهج لمظاهر إحياء عاشوراء، وهو ما يتعارض مع ما تكفله المعاهدات الدولية التي وقعت حكومة البحرين عليها.
وهو يعتبر أن هدم اكثر من 38 مسجداً للمواطنين الشيعة في البحرين، «ساعد» جهات متعددة لممارسة أنواع عديدة من التضييقات على الشيعة خصوصاً في عاشوراء. وبالفعل فقد أحصى تقرير انتهاكات الحريات الدينية في 2014، الذي أعدته جمعية الوفاق البحرينية، وقوع 72 انتهاكاً للحريات الدينية في محرم الماضي.
في معرض رده على استياء السلطة البحرينية من قضية التوظيف السياسي للمناسبة، يؤكد السلمان أن التعديات لا تقتصر على إزالة المظاهر والاعلام وعلى تقييد المنبر الديني أو مساءلة رافعي الرايات في ممتلكاتهم الخاصة، بل تطال الاستهداف المباشر للمواكب العاشورائية وكل أشكال التعبير عن المناسبة، ويعيد ذلك إلى رفض السلطة الاعتراف بحقيقة أقرها حلفاؤها أيضاً، وهي أن الشيعة في البحرين يمثلون 65% من الديمغرافية الدينية، وفق تقرير وزارة الخارجية الأميركية.
يرى النظام البحريني في رفع الرايات السود والمظاهر اشهاراً لهوية المكوّن الأكبر في البحرين، وهي حقيقة لطالما عملت سياساته على تغييرها أو تزويرها، عبر سياسة التجنيس السياسي أو تزوير التاريخ.
عام 2006، أُثيرت ضجة كبيرة حول لافتة عاشورائية، تضمنت كلمة للشيخ عيسى قاسم، قال فيها: «معركة كربلاء قائمة بطرفيها اليوم وغداً... في كل ساحات الحياة والمجتمع... وسيبقى الناس منقسمين إلى معسكر مع الحسين (ع) ومعسكر مع يزيد فاختر معسكرك».
أُزيلت اللافتة التي وصفها مؤيدو النظام بالمستفزة... بما فُهم أنه اقرار بأن النظام الديكتاتوري كان اختار معسكره.

*اعلامية لبنانية