هي حرب العالم، لأن واقع الأمور منذ اندلاعها كان كذلك. ففي عام 1990 كان العالم كله يتهيأ للدخول الى نظام عالمي جديد، لكن قرقعة جدار برلين لم تكن كافية لو لم تكتمل بسقوط العراق. الذي ربح العراق ربح المنطقة وتربع على عرش العالم. لم يكن هناك من منافس، بل إن الاشطر هو من التحق بالقطار تحت مسمى التحالف الدولي. رفض وزير الدفاع الفرنسي جان بيير شفينمان تحالف ميتران مع الاميركيين فكانت حجة انصار الالتحاق: الحاجة الى حفظ مقعد على طاولة مدريد.
اليوم يتهيأ العالم للدخول في نظام عالمي جديد آاخر، لكن مقاومة التحول اشد، والنظام المرتقب لا تتوجه قوة واحدة بل تعددية قوى. مرة اخرى يتأرجح الفرنسيون – كنموذج اوروبي – بين الالتحاق بواشنطن الأطلسية أو الدخول في شراكة مع الروسي والصيني والبريكس وشنغهاي. فيكتب فرانسوا هولاند مرتين خطابه في الأمم المتحدة: الاولى في الاليزيه وفيها يعترف بالرئيس السوري كطرف في الحل، والثانية على الطائرة حيث يعود عن ذلك ويشن هجوماً حاداً، فاجأ الروس، من على منبر الأمم المتحدة. المحللون قالوا ان الخطاب الثاني هو خطاب «الكي دورسيه». هو الصراع القائم بين الشركات والاجهزة من جهة، وبين اصدقاء اسرائيل من جهة ثانية. الخضوع الى ضغط مالي يتمثل في حق الروس بالمطالبة بتعويض مليار يورو عن إلغاء صفقة الميسترال، واغراء قوى اخرى بتعويض يبلغ خمسين ضعفاً على شكل استثمارات. 32 شركة صناعية فرنسية اعلنت افلاسها خلال الاشهر الست الاخيرة، وكلام عن بيع «حديقة الامراء» الفرنسية الحكومية لقطر. ذلك رغم صفقتي المليارات من بيع الاسلحة للبنان. اما ميركل فتدخل في ازمة سياسية – اقتصادية مع الكشف بالارقام عن تراجع كبير في شعبيتها وبين فضيحة فولكس فاغن. أيقونة المانيا ومعلمها كما وصفها التلفزيون الفرنسي، وحاضنة مئة الف موظف عدا عن عاملي الباطن.

الخلاف بين القوى الكبرى يبدو على مسألة الاقتصار على ضرب «داعش»


اردوغان في مأزق قد يتفاقم خلال الاشهر المقبل وبوتين أعلن التراجع عن خط الغاز مع تركيا بدلاً من السيل الجنوبي. الحلم العثماني، المعبّر عنه بدلالة تسمية «جيش الفتح» ونشرة «مرج دابق»، بدا على مدى اليد، لكنه الآن يتراجع أمام التدخل الروسي.
الخلاف في الظاهر بين القوى الكبرى يبدو على مسألة الاقتصار على ضرب «داعش» او العبور الى التنظيمات الإرهابية الأخرى. والحقيقة أن المسألة هي بين القضاء على داعش او في مجرد تحجيمه وعدم خروجه عن السيطرة. تحجيم كي تعطى التنظيمات الارهابية الأخرى فرصتها في التمدد، وبالتالي في تأكيد حضور الدول التي تدعمها على الساحة العسكرية ومن ثم على طاولة التفاوض، وعدم خروجها عن السيطرة كي لا تلعب أكثر مما خطط لها. الروسي هنا أراد ضرب التنظيمات الأخرى في الوقت الذي يضرب فيه داعش – وهذا ما تدل عليه قائمة الضربات حتى الآن – وهدفه واضح: ألا يعطى أي منها فرصة النمو على حساب الآخر، وعلى حساب الجيش السوري.
عشية الضربات عرض التلفزيون السوري مرافقاً لخالد مشعل تحدث عن سيرته مع التنظيمات، فعدد حوالى عشرين منها كان يشملها التدريب بتخطيط واحد، وعلى ما يبدو تتوزع تسمياتها حسب المناطق: احرار الشام، لواء التوحيد، صقور ادلب، فيلق الشام، الجيش الحر، كتائب الصحابة، كتائب الهدى، الحبيب المصطفى، اكناف بيت المقدس، ابو هارون، مشروع امة، ابن تيمية، الاجناد، درع الغوطة، كتيبة الانصار، الجمعية الاسلامية في عكار، مقاتلو حمص، فيلق الشام، وأعدّوا، التدخل السريع في الجيش الحر، كتيبة عبد الله عزام، الخ... مسؤول كبير في المعارضة قال: للأسف هناك 69 فصيلاً. فهل يمكن ان يجلس سبعون ممثلاً الى طاولة التفاوض أو أن يتشاركوا في الحل؟ مؤسسة دراسات الحرب تنشر خريطة موضوعية لتوزع القوى العسكرية على الارض السورية، عشية التدخل الروسي، تؤكد ما يقوله المحلل معها ان سيطرة داعش هي على مناطق صحراوية، اخطرها مداخل القلمون ودير الزور، في حين ان سيطرة القوى الأخرى هي على مناطق مدنية وتتداخل تداخلاً صعباً مع الجيش السوري. فترد عليها جهات عربية بخريطة تقسيم سوريا – وبخطوط شبه مستقيمة لا تداخل فيها!
روسيا حسمت امرها، وقالت انا هنا! وانا من يحضر الحل خلال اربعة اشهر لا خلال ثلاثين سنة كما قال رئيس الاركان الاميركي أو سنوات كما قال الرئيس. رغم ان الجسر الجوي بين موسكو ودمشق لم يبلغ بعد إلا ثلث ما بلغته حمولته في حرب تشرين. وتوماس فريدمان يكتب في «نيويورك تايمز»: إن الرئيسين يتفقان ويختلفان، ويذكر بليبيا والعراق، في اشارة الى ان روسيا لن تلدغ من الجحر مرة ثالثة. وربما تكون المسألة مسألة اقتدار وتوازنات دولية. «غارديان» تتحدث عن تبديل قواعد اللعبة وتسأل: هل سيترك اوباما بوتين يلتهم سوريا؟
لكن الحل الاوكراني يرتسم بهدوء في اللقاء الاوروبي الثلاثي في حين انه من المفترض ان يكون ورقة ضغط. ووليد المعلم كان للمرة الاولى في الامم المتحدة وتحدث مستبقاً التفاوض: لن تأخذوا منا بالتفاوض ما لم تأخذوه بالحرب!
هيثم مناع يقول منذ شهرين: هناك ما هو تحت الطاولة وهناك ما هو فوق الطاولة. فماذا بقي تحتها لما بعد أربعة أشهر؟
* كاتبة وإعلامية لبنانية ــ عمّان