خالد صاغيةإلى جميع أهالي القرى،
مَن منكم رفض الانضمام إلى جيش النازحين إلى المدن، وفضّل البقاء في أرضه والاهتمام بزراعتها، وفضّل البقاء في قريته للتركيز على حرفة محليّة، وفضّل البقاء في بلدته وفتح فيها دكاناً ليساعد أهلها على الاكتفاء الذاتي... يريدون حرمانكم من الترشّح لرئاسة بلديّتكم.
إلى جميع أهالي القرى،
مَن منكم لم يملك المال الكافي لدخول الجامعات، ولا مَلَك والداه قطعة أرض باعاها ليدفعا نفقات تعليمه، ولا هاجر أخوه البكر إلى الخليج أو أفريقيا ليرسل له المال... يريدون حرمانكم من الترشّح لرئاسة بلديّتكم.
إلى جميع أهالي القرى،
لا يكفي أنّ الدولة تعاقبكم فتحرمكم من خدماتها الأساسية، من صحة وتعليم، بل إنّها تريد أن تعاقبكم مرّة ثانية، فتحرمكم من حقّكم في تمثيل أنفسكم لكونكم لا تملكون شهادات عليا.
فوفقاً لرزمة من «الإصلاحات» المتعلّقة بالانتخابات البلديّة، يجري التداول باقتراح يشترط على رئيس البلدية ونائبه أن يكونا حائزين شهادة جامعية معترفاً بها.
يؤكّد اقتراح كهذا مرّة أخرى حجم المسافة التي تفصل بين المسؤولين والناس، وقلّة درايتهم بأحوال القرى والبلدات النائية، عدا عن نظرة التعالي التي تجعل من الشهادة الجامعية شرطاً يفوق أهمية الخبرة العملية ومتابعة شؤون المواطنين. فأيّ منطق ذاك الذي يفترض أنّ أصحاب الشهادات هم أكثر دراية بحاجات الناس، وخصوصاً أنّ عدداً كبيراً من متخرّجي الجامعات يضطرّون إلى السكن خارج قراهم بحثاً عن فرصة عمل؟ يكاد الأمر يكون إلغاءً مقنّعاً للانتخابات البلدية، إذ يعيد للمراكز حقّ التحكّم بالأطراف.
المسألة ليست مسألة حقوق أو مساواة وحسب. فالشعب اللبناني إجمالاً من محبّذي الوجاهة، وغالباً ما تربط الوجاهة بالعلم. ووفقاً لذلك، انتُخب كثيرون من حملة الشهادات وقاطني المدن رؤساء بلديات في قراهم. فكانت النتيجة في كثير من الأحيان اعتبار أولئك أنّ آخر إنتاجات الفن هو محاولة محاكاة المدن، أو «تمدين» القرى، و«خُود على باطون». إشارات سير من هنا، مستديرات من هناك... وكلّ ذلك في طرقات هي أشبه بالأزقّة. وكلّ ذلك بحجّة التمدين والتنمية. لقد بات العمل البلدي في أحيان كثيرة مضاداً للتنمية المحلية، والبركة بـ«المتعلّمين».
الغريب أنّ الحكومة التي تبحث في فرض شرط الشهادة الجامعية على رئيس البلدية، هي نفسها التي تلعثم رئيسها وتأتأ مرّات كثيرة قبل أن ينهي بصعوبة تلاوة بيانها الوزاري!