إعداد وترجمة: ديما شريفنسي الإعلام الأميركي حادثة اقتحام جوزيف ستاك مبنى مصلحة الضرائب في تكساس بواسطة طائرة، بعد أيّام فقط على الحادثة. فهو ليس مسلماً، كما يقول بعض صحافيّي اليسار، ليوصَف بالإرهابي. لقد أصبحت هذه الكلمة مرادفاً للمسلمين في أميركا، ولا تنطبق على الأميركي المسيحي. في المقابل، استغلّ صحافيون محافظون هذه العملية، واحتجاج ستاك على مصلحة الضرائب، للاعتراض على رغبة الرئيس الأميركي في إغلاق معتقل غوانتانامو، لكونه رمزاً لتجنيد المجاهدين، فدعوا بسخرية إلى إغلاق المصلحة، لكونها مصدراً لإغضاب العديد من الأميركيّين

التلاعب بالكلمات



غلين غرينوالدرغم كلّ ذلك، يوثّق براين سلتر من صحيفة «نيويورك تايمز» الإحجام الكبير لمقدّمي البرامج التلفزيونية والمسؤولين الحكوميين عن وصف الحادث بـ«الإرهابي»، رغم أنّ الوضع مناسب جداً، فهو معبِّر بوضوح عن معنى هذه الكلمة. المسألة ليست صحة شكاوى ستاك أو شرعية تصرفاته، بل إنّ ما فعله ينسجم دون أدنى شك مع التعريف الرسمي للكلمة. لكن، كما قال مذيع شبكة «إن. بي. سي» بيت وليامز بشأن التشديد الرسمي على نفي صفة الإرهاب عن الحادث: «هناك أسباب عدّة لذلك... وأحدها أنّه مواطن أميركي». سألت مراسلة شبكة فوكس، ميغان كيلي، مراسلة القناة لشؤون الأمن الوطني كاثرين هيريدج «هل يتحدثون عن الإرهاب بمعناه الواسع الذي اعتدناه؟». أجابتها هيريدج «نعم، يتحدثون عن هذا الإرهاب».
كلّ هذا يوضح مرة أخرى أنّ كلمة «إرهاب» هي أكثر كلمة يجري التلاعب بها في المعجم السياسي الأميركي. لم يعد للكملة اليوم أيّ ارتباط بالفعل ذاته، بل باتت متّصلة اتصالاً وثيقاً وتامّاً بجنسية الفاعل، وخصوصاً بهويته الدينية. أصبح معنى الكلمة: «مسلم يحارب ضد الولايات المتحدة، أو يحمل عداءً تجاهها، وتجاه إسرائيل وحلفائها». لهذا السبب، كان هناك هذا الضياع والشك في تسمية شخص قام بعمل كلاسيكي إرهابي بالإرهابي. فهو ليس مسلماً، ولا يتصرف بناءً على مظالم إسلامية معتادة ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، ولذلك فهو لا يدخل ضمن «التعريف». قد يتنازل المرء ويقول إنّ هناك بعض المنطق التقني، الذي يمكن من خلاله تطبيق الكلمة على ستاك، لكن كما ركّزت شبكة فوكس نيوز: «هذا ليس إرهاباً بالمعنى الواسع الذي اعتاده معظمنا... الإرهاب بأحرف كبيرة». نعرف كلنا من يرتكب إرهاباً بأحرف كبيرة، وهؤلاء لا يكون اسمهم جوزيف ستاك.
أفكار ستاك تقارب الأفكار اليمينية المحافظة وبعض أفكار اليسار الشعبوية
قارن بين التردّد الجماعي في تسمية ستاك بالإرهابي، وبين الظروف المشكوك في أمرها، التي يطلق في ظلها التعريف على المسلمين. إذا هاجم مسلم قاعدة عسكرية سينطلق منها جنود للذهاب إلى الحرب لاحقاً، فسيكون إرهابياً. لو قال أميركي مسلم إنّ العنف تجاه أميركا (وخصوصاً الموجّه ضد أهداف عسكرية) يمكن تبريره نظراً إلى العنف الأميركي تجاه المسلمين حول العالم، يصبح هذا الشخص إرهابياً يستحق الاغتيال. وإذا اجتاح الجيش الأميركي بلداً مسلماً، يصبح المسلمون، الذين يعيشون في هذا البلد المحتل، والذين يقاومون الجيش الأميركي المحتل، عبر الهجوم على أهداف عسكرية فقط، إرهابيين. بالفعل، هناك العشرات من معتقلي غوانتانامو ممن اتُّهموا بأنّهم إرهابيون لأنّهم هاجموا عناصر في جيش أجنبي اجتاح بلدهم، ومن ضمن هؤلاء محمد جواد، الذي كان عمره 14 عاماً حين اعتُقل وقضى أعواماً طويلة في غوانتانامو بعد اتهامه برمي قنبلة يدوية على جنديين أميركيين في أفغانستان. بالطبع، فإنّ الخطط التي تستهدف المدنيين لقتلهم مثل أحداث 11 أيلول، ومحاولة تفجير طائرة مدنية، هي إرهاب صرف، لكنّ معظم الأفعال التي يقوم بها مسلمون، والتي توصف بالإرهابية، ليست كذلك.
في المحصّلة، المسلم الذي يهاجم أهدافاً عسكرية، حتى في الحروب، أو في بلاده التي اجتاحها جيش أجنبي، هو إرهابي. أمّا غير المسلم، ممّن يخترق بطائرة مبنى حكومياً تحقيقاً لبرنامج عمل سياسي، فليس إرهابياً، أو على الأقل ليس إرهابياً حقيقياً بأحرف كبيرة، وليس من النوع الذي يجب تعذيبه ورميه في قفص دون اتهام، واغتياله دون محاكمة. كما أنّ المسيحيين الذين يقفون خارج عيادات الإجهاض ويقتلون الأطباء وعمال العيادات ليسوا إرهابيين. كذلك الأعمال التي نقوم بها نحن، أو حلفاؤنا المفضّلون، والمخصصة لقتل أعداد كبيرة من المدنيين، أو التي تسبّب القتل في سبيل إرهاب الشعب مثل حملة «اضرب واهرب» وضرب غزّة، ليست إرهاباً. وباستثناء استعمالها لسبغ صفة الشيطان على المسلمين، تُستخدم الكلمة استخداماً كبيراً وتلاعبيّاً، لدرجة أنّها فقدت أيّ معنى حقيقي لها.
كلّ هذا قد يكون مسلّياً، لكن ليس مهماً لو لم تكن كلمة إرهاب تؤدّي دوراً جوهرياً في نقاشاتنا السياسية. هي الكلمة التي تُستخدم لتبرير كلّ ما تفعله الولايات المتحدة. اجتياحات، تعذيب، احتجاز دون محاكمة، لجان عسكرية، هجمات طائرات، مراقبة دون مذكّرة، سرية تامة، وحتى اغتيال مواطنين أميركيين يمكن تبريره بأنّه مخصص للإرهابيين الذين لا يملكون حقوقاً. وأسوأ من ذلك، يصبح المرء إرهابياً ليس بسبب عمل قام به، بل بعد قرار من السلطة التنفيذية. يُصدر الرئيس مرسوماً يصف فيه شخصاً ما بأنّه إرهابي، وتنتهي الأمور هنا. التابعون من الحزبين يبرّرون فوراً أي شيء يحصل لهذا الإنسان، على اعتبار أنّه إرهابي (يعنون بذلك أنّه متهم بأنّه إرهابي، ولا يميّزون بين التسمية والبرهان).
إذا كنا سنعطي الحكومة سلطات لا نهائية لتفعل ما تريد بمن تسمّيهم إرهابيين، فيجب على الأقل أن نعرف ماذا تعني الكلمة. لكن ليس هناك تعريف لها. لقد أصبحت كلمة مرنة، تعطي الولايات المتحدة شيكاً على بياض لتفعل ما تريده بالمسلمين الذين لا تحبّهم، أو لا يحبّونها. هي بالأحرى منوّم لا كلمة. فالتفوّه بها يؤدي إلى تصفيق الأمة لما يُفعل للمسلمين الذين هم مصنّفون تصنيفاً كبيراً.
سأضيف شيئاً أخيراً. كانت ردود الفعل الإعلامية والسياسية المباشرة بعد الحادث ستتجنّب أو تنكر أن يكون ستاك إرهابياً لأنّه ليس مسلما، لكن إذا كان مانيفستو ستاك سيبدأ بجذب الأنظار والمناصرين إليه، فأظن أنّه يمكن وصفه بالإرهابي لنزع الشرعية عما كتبه. فرسالته مناهضة للمؤسسات، وتحتوي على مظالم شعبوية من النوع الذي يمكن أن يتجاوز الانقسامات الحزبية والإيديولوجية. فالشكاوى التي تحدّث عنها ستاك نقطة مشتركة بين «حركة حفلة الشاي» اليمينية المتطرفة، ومناصري اليسار واليمين، وبالتالي، يمكن أن تعدّها المؤسسات (التي تستفيد كثيراً من الانقسام الحزبي) خطراً عليها، وتحاول شيطنتها. لا شيء أكثر تأثيراً وفعالية لشيطنة أيّ شيء، من وصفه بالإرهابي.
* عن «صالون»، مجلة إلكترونيّة ليبراليّة

■ ■ ■

درس في المسؤولية



جيفري لورديؤمن الرئيس باراك أوباما بأنّ غوانتنامو حيث يُسجن مقاتلون عسكريون اعتُقلوا في الميدان، كما نقلت مجلة التايمز، هو «رمز يستخدمه الإرهابيون لتجنيد عناصر جدد».
منذ أيام، اقتحم شخص يدعى جوزف ستاك بواسطة طائرة مبنى يضم مكاتب لمصلحة الضرائب. في رسالة طويلة عُثر عليها لاحقاً، ألقى ستاك باللوم على مصلحة الضرائب عمّا فعله. دفع ذلك إلى الواجهة السؤال الآتي: هل يخطئ الرئيس أوباما والليبراليون في ما يتعلق بعمل السيد ستاك؟
أوضح الرئيس وحلفاؤه الليبراليون، العام الماضي، أنّهم ينوون إغراق الأميركيين في دين إضافي، ولن يكون هناك حلّ غير زيادة الضرائب. بداية، مع من يكسبون أكثر من مئتين وخمسين ألف دولار في العام، وصولاً إلى كلّ شيء، فلن يعفى من الضرائب العصير مثلاً أو الجنس. هذا دون احتساب الضرائب الأخرى التي تأخذها الولايات، وضريبة الملك والمؤسسات والإرث في لائحة معقدة جداً. والضرائب بالطبع هي سبب وجود محصّل الضرائب (الرمز الأميركي)، أي دائرة تحصيل الضرائب. وهي هدف السيد ستاك. هذا منطق لا مفرّ منه. إذا كان غوانتنامو رمزاً يثير حنق الإرهابيين ويدفعهم نحو العنف، وهذا سبب لإقفاله، فأنت لا تريد أن تشجع الإرهابيين، أليس كذلك؟ ربما يجب إغلاق مصلحة الضرائب أيضاً لأنّها أغضبت السيد ستاك.
ويصبح بالتالي الرئيس مسؤولاً عن هذا الرمز. فهو يريد أن يجعل المزيد من مداخيل الأميركيين عرضة للضرائب لتحصيلها من قبل المصلحة.
صحيح؟ لا هذا خطأ. المشكلة هنا تبدأ مع السيد أوباما، لكنّها ليست محصورة فيه، وهي رفض الاعتراف بأنّنا يجب أن نتحمّل مسؤولية ما نفعله. هذا يعني أنه سواء كنت في كهف في أفغانستان، أو تعيش في البيت الأبيض، أو لديك مشكلة مع مصلحة الضرائب أو تعمل ضمن أي وظيفة، أنت مسؤول عمّا تفعله.
على عكس تأكيدات أوباما لا أحد في غوانتنامو مسؤول عن تجنيد إرهابيين
هؤلاء الذين سيتخلون عن المسؤولية يمكن ملاحظتهم بسهولة. «فلان أجبرني على فعل ذلك» أصبح المذهب الأكثر انتشاراً في الليبرالية الحديثة التي، في المقابل، دفعت بنجاح الحركة المحافظة التي يجتمع عدد كبير من ناشطيها في واشنطن لمؤتمرهم السياسي. في 1995 بعد تفجير أوكلاهوما، سعى الرئيس كلينتون إلى إلقاء اللوم على أعمال تيموثي مكفاي على برامج إذاعية محافظة. كان هذا غريباً ومثيراً للشفقة، ودليلاً على صعوبة تحمّل المسؤولية لدى الرجل. بعد ثلاث سنوات، تبيّن صحة هذا التقويم عندما حاول السيد كلينتون إلقاء اللوم بسبب مشاكله المتعلقة بمونيكا لوينسكي على الجميع، من اليمين المحافظ إلى هذه المطبوعة ورئيس تحريرها. وقد صدر كتاب منذ أسابيع عن أستاذ القانون في جامعة دوكان كين غورملي يؤكد فيه أنّ كلينتون لا يزال يقوم بالشيء نفسه. في الحقيقة، كانت أفعال الرئيس آنذاك هي التي سبّبت المشكلة، كما كانت أفعال تيموثي مكفاي لا أي شخص آخر، ما سبّب تفجير أوكلاهوما سيتي.
على عكس تأكيدات الرئيس أوباما، لا أحد في غوانتنامو مسؤول عن تجنيد إرهابيين. الإرهابيون مسؤولون عن تجنيد أنفسهم. لم يكن هناك معتقل في غوانتنامو قبل أحداث 11 أيلول، لكنّ الإرهابيين أتوا على كل حال.
كذلك لم يكن اليهود في عشرينيات القرن الماضي مسؤولين عن أعمال أدولف هتلر، المسؤول عن أكبر عمل شرير في العالم. لم تكن مناهضة جون كينيدي للشيوعية هي التي قتلته، بل لي هارفي أوسوالد. لم تكن نشاطات مارتن لوثر كينغ في مجال حقوق الإنسان هي المسؤولة عن موته، لكن كان جايمس إيرل راي هو الذي أطلق النار. وبالنسبة إلى الليبراليين الذين طرحوا التساؤل بشأن جورج بوش، فهو تحمّل في العديد من المناسبات مسؤولية قراراته بشأن العراق.
في خضم هذه المسألة التي كان السيد ستاك المسؤول الوحيد عنها، حان الوقت ليصعّد الأميركيون خطابهم بشأن أقدم المبادئ المحافظة: المسؤولية الفردية.
هذا هو المبدأ في جوهر نجاح السيناتور سكوت براون في ولاية ماساشوستس، كما هو في قلب خطاب الحاكم الجديد لنيوجيرسي كريس كريستي، كما كان أساسياً لفوز الحاكم الجديد لفيرجينيا بوب مكدونيل.
لا تخطئوا، فهناك اختلاف كبير في المسؤولية الفردية، وهي لكل شخص في العائلة، المجتمع، الولاية أو الدولة أو العالم. والكمال الإنساني، غير موجود أبداً، ولن يوجد.
الناس كلهم يخطئون. السؤال هو هل يستطيعون تحمّل مسؤولية هذه الأخطاء أو الاعتراف بها؟ تصحيحها؟ هل يستطيع هؤلاء تثقيف أنفسهم ليحاولوا عدم تكرار هذه الأخطاء، مرة بعد مرّة؟
فشل السيد ستاك في هذا الامتحان، فشلاً قاتلاً. يمكن أن يختلف الإنسان مع مصلحة الضرائب طيلة الوقت، أو مع الرؤساء أوباما، بوش، كلينتون، بوش الأب، ريغان، حتى وصولاً إلى جورج واشنطن. لا يمكنك أن تقتل عملاء مصلحة الضرائب أو الرئيس أو رئيسك في العمل أو زوجتك السابقة (كما يجب على الجهاديين الإسلاميين أن يفعلوا لكنهم لا ينتبهون إلى ذلك) أو الغربيين أو اليهود، أو أنفسكم. لكن إذا فعلتم ذلك، هناك شخص واحد يمكن لومه على ذلك. وهذا ليس الشخص الآخر، بل أنت. ليس مصلحة الضرائب. وليس غوانتنامو. إنّه أنت. هذا يسمى تحمل المسؤولية عن أفعالك.
الليبرالية الأميركية الحديثة تحاول تكراراً، لسبب لا نعرفه، إثبات أنّه لا قدرة لها على تحمّل هذه المسؤولية. ولهذا، فهي تفشل فشلاً كبيراً في حكم هذه الدولة. ولهذا، ستتحمّل مسؤولية هذا الفشل.
* عن «ذي أميركان سبيكتاتور»: مجلة محافظة شهرية