خالد صاغيةاليوم، كما هو متوقّع، سيسقط في المجلس اقتراح خفض سنّ الاقتراع إلى 18 عاماً. سيسقط من دون مسوِّغات مقنعة. ثمّة حجج طائفيّة لا تقال علناً أحياناً، وتقال بفجاجة أحياناً أخرى. لكنّ الحجّة الأكثر طرافةً هي أنّ طلاب الجامعات يحتاجون إلى تثقيف قبل منحهم حقّ الاقتراع. وهذه خرافة أخرى من خرافات الطبقة الوسطى التي باتت تثقل المشهد السياسي اللبناني. فقبل التثقيف، جاء الولع بالوجه الحضاريّ، ثمّ إظهار مكافحة الهدر كأهمّ فعل نضاليّ، ثمّ تصنيم ما يسمّى الخبراء ونصائحهم المستمدّة من وصفات جاهزة أو من مصالح خاصّة لموظِّفيهم، من دون أن ننسى طبعاً حزام الأمان الذي لا يُقدَّم كوسيلة حماية بقدر ما يُسوَّق كبطاقة انتساب إلى فصيلة الشعوب الراقية...
إذاً، المطلوب التثقيف قبل الحصول على حقّ الاقتراع. لنضع جانباً مسألة أنّ العديد من الشباب لا ينتسبون أصلاً إلى جامعات، ويكتفون بالتعليم الثانوي أو ما دونه. وهذا ما يجعل التثقيف السياسي عمليّة محدودة التأثير، إذ لا تطاول مجمل المقترعين الجدد. لنضع جانباً أيضاً المستوى الثقافي للمرشّحين الذين يتبنّاهم الزعماء على لوائحهم. فإذا كان على المقترِع الحصول على شهادة في التثقيف السياسي، فما المطلوب من المرشَّح؟ دكتوراه في علم النفس الاجتماعي؟ دراسات معمّقة في الفلسفة السياسيّة؟ طبعاً ليس المستوى العلميّ هو ما يحدّد أهليّة المرشّح، لكن هل نظر الزعماء أوّلاً إلى النوّاب الذين حملوهم إلى المجلس قبل أن يطالبوا بتثقيف الشباب؟
ليس هذا جوهر المسألة. الأساس هو أنّ ما نشهده في رفض خفض سنّ الاقتراع يُعدّ انقلاباً على الديموقراطيّة. انقلاب على مكسب ناضلت شعوب بأكملها قروناً من أجل الحصول عليه. فليس سرّاً أنّ حقّ الاقتراع حين ظهر للمرّة الأولى، لم يُمنَح للشعب كلّه. اقتصر هذا الحقّ على «نخبة» ما. تطلّب الأمر الكثير من الدماء كي يحصل العامل على حق الاقتراع، وكي تحصل المرأة على حقّ الاقتراع، وكي يحصل المهمَّش على حق الاقتراع. والآن، بعد هذا كلّه، وفي 2010، يعاد طرح مسألة التثقيف، ويعطي الزعماء السياسيون أنفسهم حقّ تصنيف مَن يحقّ له اختيار ممثّليه السياسيّين ومن لا يحقّ له؟
ليس هذا انقلاباً على الديموقراطيّة وحسب، بل انقلاب على النفس أيضاً. فاستخدام «القصور» الثقافي أو «القصور» الحضاري كان دائماً حجّة المستعمِر لحجب حقّ الشعوب في تقرير المصير.
المؤسف حقاً أنّ من سيمتنع عن تأييد خفض سن الاقتراع اليوم هو نفسه مردِّد قولٍ شهير: «ويل لأمّة تضحّي بشبابها من أجل شيبها».