خالد صاغيةمبروك للّبنانيّين عيد البشارة. يوم عطلة وطنيّة جديد يضاف إلى سلسلة من الأعياد الدينيّة. واللبنانيّون ليسوا بحاجة إلى التقليل من أيّام العطل. لعلّ العكس هو الصحيح. فأيّام العمل هي التي تبعث على الحيرة، حيث لا شيء يعمله الذاهبون إلى عملهم، وسط هذه الطبيعة المعتدلة على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط. وحيث البحر قريب من الجبل. وحيث اللبناني يحتاج إلى «ضرب» واحد في العمر كي ينتقل إلى «فوق».
للأمانة، كانت لنا في السابق محاولات للعمل، لكنّها توقّفت سريعاً.
ذات يوم، حلم بعض اللبنانيين بالزراعة. لكن سرعان ما اكتشفوا عبثيّة هذا العناء. فقابَ قوسين من الريف، ثمّة مؤسّسات أمنيّة تفتح ذراعيها لعضلات الشبّان، ونوّاب المناطق موجودون لوساطات من هذا النوع. اترك أرضك، أيّها المزارع، واتبعني.
ذات يوم أيضاً، حلم بعض اللبنانيين بالصناعة. لم نتعاطَ بإنتاج الطائرات، لكنّنا حاولنا مع ورق التواليت وصباغ الشعر وعلب الحمّص والمفروشات، وكان ماشي الحال. لكنّنا اكتشفنا، ببساطة، أنّ ثمّة من يعمل لأجلنا في هذا العالم، وأنّنا نستطيع أن نكتفي باستهلاك ما ينتجونه لنا ما وراء البحار.
ذات يوم أيضاً وأيضاً، كانت عندنا مصارف. لكنّها لم تشأ العمل كمصارف. وكانت عندنا فنادق. لكنّها لم تشأ العمل كفنادق.
وفي جميع الأحوال، وُفِّقنا منذ بداية التسعينيّات بسياسات قضت على أيّ أمل في الإنتاج. ومنذ ذلك الحين، ونحن نزيد العطل. ولمّا لم تكن لدينا مناسبات جامعة كافية، بدأنا بزيادة العطل الدينية. عيد للمسلمين وعيد للمسيحيين. كان ذلك قبل أن تتجسّد العبقريّة في ثلاثين وزيراً مجتمعين، قرّروا البحث عن عيد يوحّد المسلمين والمسيحيين. فوجدوها. إنّها مريم العذراء، وذكرى الحبل بلا دنس.
صحيح أنّ أصل هذا العيد مسيحيّ، لكنّ اللبنانيين المنقسمين مجمعون على «ستّنا مريم». وليعتبَر هذا العيد رشوة إضافية للمسيحيّين الشاعرين بالغبن. رشوة تضاف إلى عبارة «تربيح الجميلة» التي يزهو كلّما يردّدها فؤاد السنيورة: «في الطائف، وقّفنا العدّ». فها هو عدّاد القطعان متوقّف، فيما تضاء الشموع في عيد البشارة.
يوم حزين بالنسبة إلى جبران باسيل. يا ضيعان النضال في سبيل الجمعة العظيمة.