إعداد وترجمة: ديما شريفيدور سجال كبير بين مختلف الأطياف السياسية، الإعلامية والشعبية الأميركية، حول المحاكمات القريبة للمتهمين بالضلوع في أحداث 11 أيلول والتخطيط لها. فيرى البعض أنّ الإدارة تخطئ بمحاكمة المتهمين في محاكم مدنية، فمكانهم أمام لجنة عسكرية توقع بهم العقاب المناسب. لكنّ آخرين يساجلون بأنّ محكمة المجرمين المدنية هي المكان المناسب لهؤلاء، وليس المحاكم العسكرية الخاصة بالجنود. وزير العدل إريك هولدر اتخذ قرار مثول المتهمين أمام المحكمة المدنية. لكن هل يرضخ للمطالب الشعبية ويغيّر رأيه؟


خيارات أوباما: مع... ضد!كريس غود*
تدرس الإدارة الأميركية إمكان إحداث تغيير في سير محاكمتها لخالد الشيخ محمد والمتواطئين الآخرين، المتهمين بأحداث 11 أيلول. وكان وزير العدل إريك هولدر قد ترك الباب مفتوحاً أمام خيار اللجوء إلى المحاكمات العسكرية. كما قال بعض مسؤولي الإدارة إنّ الرئيس أوباما سيشارك في اتخاذ القرار. وفي الوقت الذي حاول فيه البيت الأبيض في عهد أوباما الابتعاد عن تسييس القرارات التي اتُّخذت في ما يتعلق بمحاكمات متصلة بالإرهاب، يجد المسؤولون أنفسهم اليوم أمام موقف سياسي بامتياز.
هاجم الجمهوريون الرئيس وحزبه بسبب قرار هولدر، الذي صوّره المدعي العام بأنّه قرار قانوني محض لم يتدخّل فيه مخطّطو البيت الأبيض. وأظهرت استطلاعات الرأي أنّ الجمهور يعارض القرار بقوة. لقد أصبحت المحاكمات الإرهابية كرة سياسية، وعائقاً أمام أوباما وحزبه في أحسن الأحوال. اليوم، وبعد جرى تحميل أوباما مسؤولية قرار المدعي العام، يجد الرئيس نفسه والبيت الأبيض أكثر تورّطاً. يتساءل المرء إذا كان سيتخذ أي قرار جديد ذي خلفية سياسية. لكن بما أنّ أيّ قرار يُتخذ، ستكون له تشعّبات سياسية، فسأعرض لائحة بإيجابيات الالتزام بالخطة وسلبياته، ومحاكمة خالد الشيخ محمد والمتهمين الآخرين في محكمة فدرالية، أو اللجوء إلى المحاكمات العسكرية.

إيجابيّات المحاكمات المدنيّة

من أهم الإيجابيات أنّ الإدارة ستكون قد التزمت بقرارها، ولم ترضخ لانتقادات الجمهوريين. ستستطيع التأكيد أنّ وزارة العدل ليست مسيّسة من أيّ ناحية، وأنّ هولدر اتخذ القرار باستقلالية اعتماداً على القواعد والأعراف القانونية، وأنّ الوزارة لم تعد إلى ممارسات الوزير السابق ألبيرتو غونزاليس، الذي كان يتصرف في سياق سياسي، ويتمتع بعلاقات وطيدة مع البيت الأبيض. ستستطيع الإدارة الادعاء أنّها رفضت «سياسات الخوف» الجمهورية. ستقول بثقة إنّها اختارت أن تحاكم الإرهابيين كما اختارت إدارة بوش أن تفعل، وأنّ البيت الأبيض لن يسمح لنفسه بأن يصبح ضحية سياسية لأن إدارته الحالية ديموقراطية.
ستفوز الإدارة بموافقة مجموعات الحقوق المدنية، التي تكره نظام الاعتقال العسكري، والتي انتقدت أوباما لأنّه لم يتخلَّ عن مفهوم المحاكمات العسكرية، بعدما أعلن في أيار الماضي أنّه سيحتفظ بها مع تغيير المقاربة الحكومية لها. في ما يتعلق بشكاوى هذه المجموعات، ستستطيع الإدارة تلافي سابقة المحاكمات العسكرية، والقول إنّها تخطّت أيام إدارة بوش الوحشية، التي تميّزت بالاعتقال غير المحدد. كما تستطيع القول إنّها ألقت الضوء على سياسة الإرهاب الأميركية وشرعيتها، مما سيمنحها نقاطاً إضافية تسمح لها بالوصول إلى المستوى الأخلاقي الذي حدّده أوباما في حملته.
ستظهر الإدارة أنّها رحومة بالنسبة إلى العالم أجمع عبر منح الإرهابيين حقوقاً نصّ عليها الدستور (قال هولدر لصحيفة الواشنطن بوست إنّ أهم جزء في المحاكمات، في رأيه، هو نظرة العالم إليها). ورغم أنّ بعض مَن في الكونغرس لا يحبّذ هذه الخطة، فإنّ الاستمرار فيها سيؤدّي ربّما إلى إجبار مجلسي النواب والشيوخ على إمرار قوانين تُعنى بكيفية محاكمة الإرهابيين، ممّا سيضع الحمل على المشرّعين لتحديد السياسة الصحيحة.

سلبيّات المحاكمات المدنيّة

لن يتوقف هجوم الجمهوريين. سيعودون بتصميم أكبر كلّما اقترب موعد الانتخابات والمحاكمات. يستطيع المرشحون لمجلسي النواب والشيوخ أن يجعلوا من هذه القضية محور حملاتهم الانتخابية، وربما سيربحون بضع نقاط في استطلاعات الرأي.
كما أنّ المحاكمات المدنية غير شعبية. فقد أظهر استطلاع رأي أجري أخيراً لمصلحة الواشنطن بوست وشبكة «آي بي سي»، أنّ الجمهور يفضّل المحاكمات العسكرية بنسبة 59 في المئة مقابل 35 في المئة. يوافق الأميركيون عموماً على أسلوب أوباما في التعاطي مع الإرهاب بنسبة 49 في المئة، مقابل رفض بنسبة 44 في المئة، كما أظهر الاستطلاع نفسه. لكن بما أنّ أوباما سيكون اليوم ضالعاً في القرار، يمكن أن تسبب له المحاكمات المدنية انخفاضاً في نسبة التأييد لسياسته تجاه الأمن القومي. يمكن أن يظهر أوباما كأنّه بعيد عن الشعور الجماهيري.
قد يظهر أوباما أيضاً كأنّه تجنّب القرار. إذا مرّ قرار هولدر دون تأييد علني من الرئيس، فسيظهر كما لو أنّ أوباما لم يتدخل في قضية مهمّة، وسيبدو ضعيفاً بالنسبة إلى بعض الناخبين جراء ذلك. خلال سعيه إلى إبقاء المسألة غير مسيّسة، يواجه البيت الأبيض انتقادات لعدم تدخل عقوله السياسية، ويستمر المحللون في السؤال «أين كان فريق البيت الأبيض السياسي في هذه المسألة؟».
قد يدفع الشيوخ المعارضون للمحاكمات المدنية باتجاه خفض التمويل لها، وسيمثّل ذلك لوماً مباشراً للبيت الأبيض. وإذا لم يخفض التمويل، فسيستمر الوضع الصعب بالنسبة إلى الإدارة، مع إمكان انقلاب بعض الديموقراطيين عليها، وهذا ما سيكون حدثاً بشعاً للرئيس وحزبه.

إيجابيّات المحاكمات العسكريّة

من إيجابيات المحاكمات العسكرية أنّ الإدارة ستكون قد اتخذت القرار الشعبي. هذا ما يريده الشعب الأميركي، وهذه خطوة سياسية جيدة. ستكون إشارة إلى استعداد الإدارة للّحاق بالرأي العام، والتراجع عن أفكار غير شعبية.
ستهدأ هجمات الجمهوريين، وستتوقف محطات التلفزة عن منح كلّ هذا الوقت لمناقشة مسألة صحة المحاكمات المدنية. سيتوقف الجمهور الذي استهلكته السياسة عن تلقي دفاع الديموقراطيين، الذين يكررون «هكذا حاكم بوش ريتشارد ريد!» (الرجل الذي حاول تفجير طائرة عبر متفجرة في حذائه).
سيكون القرار صفعة لمن يردد لازمة ضعف الديموقراطيين في ما يتعلق بالإرهاب، وهي التي يكررها الجمهوريون منذ الأزل. هذه اللازمة كانت جزءاً مهماً من سياسة الجمهوريين، مذ أعلن أوباما أنّه سيغلق معتقل غوانتانامو، وستوقفها المحاكمات العسكرية، ممّا سيحرمهم سلاحاً إضافيّاً قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2010.
من الممكن أن تعزّز المحاكمات العسكرية التعايش بين الحزبين. مال أوباما قليلاً إلى اليمين في قضايا عدّة في الأشهر الماضية، معلناً أنّه يريد العمل مع الحزب الجمهوري. يمكن أن يكون هذا مثالاً على التعايش الحزبي، وعلامة على أنّ أوباما منتفح الذهن في المسائل المتعلقة بالسياسات العامة.
من الممكن أن تكون المحاكمات العسكرية مفصّلة على قياس خالد الشيخ محمد ومتهمي أحداث 11 أيلول. هناك تساؤل دائم عن كيفية تنظيم المحاكمات، ويمكن الإدارة أن تفتحها أو تغلقها أمام الصحافة، كما تراه مناسباً، مما سيشبع نهم الجمهور للمحاكمات العسكرية قبل اتخاذ القرار بشأن شكلها النهائي.

سلبيّات المحاكمات العسكريّة

ستكون الإدارة قد تراجعت عن مقاربة أكّدت صوابيتها مراراً، وستظهر كأنّها استجابت لضغط منتقديها. القرار سيوحي كأنّ هناك اعترافاً بأنّ الخيار الأول، باعتماد المحاكمات المدنية، خاطئ. سيعدّ العديدون ذلك خسارة سياسية.
ستبدو الخطوة سياسية في الوقت الذي أصرّت فيه الإدارة على إبقاء قراراتها خالية من السياسة. ستتمحور النقاشات المتلفزة حول سبب تراجع الإدارة، وحول مسألة كون الخطوة سياسية، أو كون السياسات المتّبعة جيدة أو سيئة.

تستطيع الإدارة في محاكمة مدنيّة الادّعاء أنّها رفضت «سياسات الخوف» الجمهورية

ستستبدل هجمات الجمهوريين بعبارات «قلنا لكم مسبّقاً». وسيقولون إنّ الإدارة عادت إلى صوابها، واكتشف كم كانت مخطئة وضعيفة مع الإرهاب. سيستمر الجمهوريون في القول في الحملات الانتخابية إنّ أوباما حاول محاكمة خالد الشيخ محمد مدنياً.
القرار سينفّر مناصري الإدارة، ومن ضمنهم بعض الديموقراطيين من الكونغرس، ممن ساندوها في معركة صعبة. سيبدو القرار كصفعة للقانونيين الذين قالوا إنّ المحاكمات المدنية هي الطريقة الأفضل.
سيواجه البيت الأبيض ثورة من مجموعات الحقوق المدنية، الذين انتقدوا أوباما، في الوقت الذي خطت فيه إدارته نصف المسافة لملاقاة مطالبهم (حل موضوع معظم معتقلي غوانتانامو، لكن ترك الباب مفتوحاً أمام الاعتقال غير المحدد، التمسك بامتياز أسرار الدولة، وإبقاء نظام المحاكمات العسكرية). سيهاجم الليبراليون المؤمنون بالحقوق المدنية الإدارة مهاجمة شرسة.
في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه الفرصة سانحة لتفصيل المحكمة على قياس خالد الشيخ محمد وشركائه، يبقى على الإدارة أن تتّخذ قرارات مهمّة بشأن الأدلة المقدمة، ومثول محمد على منصة الشهادة.
من الممكن أن يفتح استكشاف عالم المحاكمات العسكريّة الباب أمام المزيد من الانتقادات، أكثر من المحاكمات المدنية المعترف بها قانونياً، ومن ضمنها هجمات مرتفعة الصوت من اليسار.
* عن «ذا اتلانتيك»: مجلة شهرية أميركية ليبرالية


صفة المقاتل لا يستحقّها الإرهابيّ



توم ماليناوسكي*ليس مفاجئاً أن يرغب أعضاء تنظيم القاعدة في اعتبارهم مقاتلين في حالة حرب مع الولايات المتحدة. فالمجموعات الإرهابية ترغب دوماً بأن تعتبر محارِبة. فكِّروا بالأسماء التي يخترعونها لأنفسهم: جيش الله المقاوم، عسكر طيبة، أو الجيش الجمهوري الإيرلندي. يساعدهم سحر المقاتل لتجنيد شباب يسعون وراء المجد لمصلحة قضيتهم. يساعدهم ذلك على تبرير قتل أعدائهم، ويصور كلّ ضحاياهم كخسائر حرب. يسمح ذلك لرجال من أمثال أسامة بن لادن بتصوير أنفسهم ليس كخارجين عن القانون يختبئون في كهوف، بل كقادة لجيوش عظيمة تواجه قوى العالم الكبرى في ساحات المعارك
العالمية.
عندما مثل خالد الشيخ محمد لأول مرة أمام لجنة عسكرية في غوانتانامو، استمتع بشراك العدالة العسكرية. بعد أن اعترف بتخطيطه اعتداءات 11 أيلول، قال: «فعلتها، لكن هذه لغة أيّ حرب». في الحرب، قال، «سيكون هناك ضحايا». بعد ذلك، قارن نفسه بجورج واشنطن، وقال إنّه لو اعتقل البريطانيون هذا الأخير، فهو أيضاً كان سيطلق عليه «مقاتلاً معادياً».
من المنطقي أن يريد شخص ما خطّط لقتل أبرياء من مخبئه البعيد آلاف الأميال، أن يُعتبر جندياً في حرب. لكن لماذا يجب على السياسيين الذين يدّعون أنّهم شرسون مع الإرهاب أن يعطوه هذه الصفة، كما يفعل العديد من الجمهوريين اليوم؟ لماذا يظنّون أنّ مواجهة العدالة في محكمة مدنية حيث تحاكم الولايات المتحدة القتلة، المغتصبين، تجار المخدرات، والإرهابيين (300 خلال عهد جورج بوش الابن) هي نوع من الامتياز؟
حتى لو حُكم على محمد بجرائم حرب، ليس ضرورياً أن نضعه أمام محكمة عسكرية. قانون جرائم الحرب الذي صدق عليه الكونغرس في 1996، يمنح المحاكم الفدرالية المدنية اختصاص محاكمة الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف لأوقات الحروب، أي جرائم الحرب. يقول السيناتور ليندسي غراهام الذي يقود الحملة الجمهورية المناهضة للمحاكمة المدنية إنّ الولايات المتحدة لم تحاكم أي مقاتل أُسر في أرض أجنبية في محكمة مدنية. هذا أمر خاطئ. فعلت إدارة جورج بوش الأب ذلك مع قائد القوات المسلحة البنمية الجنرال مانويل نورييغا الذي اعتقل خلال الاجتياح العسكري الأميركي لبنما. طلب نورييغا أن يحاكمه نظراؤه الضباط في محكمة عسكرية. اعترفت إدارة بوش بأنّه أسير حرب، لكنّها حاكمته في محكمة مدنية كي تثبت أنّه لم يكن أكثر من مروّج مخدرات.
لو اعتقل أسامة بن لادن حياً غداً، فأيّ صورة ستخدم أكثر الولايات المتحدة في صراعها السياسي ضد القاعدة؟ صورة بن لادن في لباس غوانتانامو البرتقالي أمام محكمة عسكرية، أم صورة رجل في ملابس عادية يحمل رقماً متسلسلاً في أحد السجون؟ أي صورة ستجعله يبدو أكبر، وأي صورة ستجعله أصغر في عيون مناصريه؟ أي صورة ستعكس ثقة أميركا بنفسها، ونظرة احتقارها لقاتلي المدنيين؟

لماذا يظنون أنّ مواجهة العدالة في محكمة مدنية حيث تحاكم الولايات المتحدة القتلة والمغتصبين وتجار المخدرات والإرهابيين، ستكون نوعاً من الامتياز؟

تصرفت إدارة جورج بوش الابن بطريقة صحيحة في 2003 حين حاكمت «مفجر الحذاء» ريتشارد ريد أمام محكمة فدرالية مدنية (قرار عارضه منتقدو أوباما الحاليون). يختلف ريد عن «مفجر اللباس الداخلي» بقطعة الثياب التي اختارها لإخفاء قنبلته، وأصر وقتها خلال محاكمته على أنّه جندي في حرب ضد أميركا. أجابه القاضي وليم يونغ: «أنت لست مقاتلاً معادياً. أنت إرهابي. أنت لست جندياً في أي حرب. أنت إرهابي. لو أعطيتك هذه الصفة، وأطلقت تسمية جندي عليك، فسأكون أعطيك منزلة رفيعة. لو أعطاك مسؤولون في الحكومة هذه الصفة، أو فعل ذلك محاموك، أو كانت هذه وجهة نظرك، فهذا لا يغيّر واقع أنك إرهابي... لذلك فإنّ الحديث عن الحرب لا مكان له في هذه المحكمة. أنت رجل كبير لكن ليس كبيراً إلى هذا الحد. لست مقاتلاً. أنا أعرف المقاتلين. أنت إرهابي. نوع من المجرمين المذنبين لارتكابهم جرائم قتل عديدة».
هذا ما يجب أن يعكسه خيار المكان في محاكمة جرائم 11 أيلول. هذا ما يجب أن تقوله إدارة أوباما للمنتقدين الذين يطالبون الحكومة بأن تعامل الإرهابيين مثل الجنود: أنتم تعطون القاعدة ما يريده. أنتم ترفعونهم إلى منزلة لا يستحقونها.
* عن «فورين بوليسي»: مجلة أميركية تصدر كلّ شهرين، أسسها صموئيل هانتنغتون، وتنشر مقالات لأكاديميين ومفكرين