حسام كنفانيالمصالحة أيضاً وأيضاً. الجزء ربما العاشر من مسلسل المحاولات يفتتح في هذه الأيام، مع اقتراب القمّة العربية، والحديث عن مساع ليبية لإنهاء الانقسام الفلسطيني قبل التئام لقاء القادة العرب في طرابلس، أو خلاله. الجزء بدأ مع زيارة نبيل شعث إلى غزّة قبل أسبوعين. الزيارة لا شك نوعيّة، والصور التي بثّت على شاشات التلفزة أيضاً. شعث يعانق إسماعيل هنية، وكل منهما يمسك بيد الآخر كعاشقين طال فراقهما. المشهد بثّ مظاهر «الحب الفلسطيني». حب ربما يذكّر بالوضع اللبناني خلال الحرب الأهلية، الذي لخّصه زياد الرحباني في إحدى مسرحياته، عند الحديث عن «الغريب» الذي يفرّق بين اللبنانيين، على اعتبار أن لا شيء جوهرياً يفصل بينهم لولا هذه التدخّلات الخارجية.
إسقاط يمكن استخدامه بحذافيره في الشأن الفلسطيني. انظروا إلى هنية وشعث، هما يلخّصان حال الوئام، لولا هذا «الغريب اللعين» الذي يدسّ أنفه في تفاصيل العلاقات الفلسطينية الداخلية، ويحرم الإخوة من الالتحام والتوحّد في مواجهة الخطر المشترك.
لكن من هو هذا «الغريب». كما حال الوضع اللبناني، فإن هذه الجزئيّة «البسيطة» مختلف عليها بأيدي الطرفين الفلسطينيين. بالنسبة إلى «فتح» هناك مروحة من «الغرباء» الذي يمنعون قيام الوحدة بين الفلسطينيين. مروحة تجلّت بعد اندثار الأجواء الودية فور خروج شعث من قطاع غزّة، إذ رأى أن «حماس» الداخل تريد المصالحة، بينما «حماس» الخارج، وتحديداً أولئك القاطنون في دمشق، لا يريدون ذلك.
إذاً، دمشق هي وجهة الاتهام الأولى بالنسبة إلى «فتح»، على اعتبار أنها تؤثّر على من تستضيفهم للحديث بلسان مختلف عمن هم في غزّة.
الاختلاف لا شك موجود، كل لاعتبارته الخاصة، ولا سيما في الحديث عن العلاقة مع مصر. «حماس» ترفض محاولات مصر لأن تكون «الوكيل الحصري للحوار الوطني الفلسطيني»، هذا التصريح للقيادي محمد نزّال. لكن في الوقت نفسه فإن كلاماً آخر صدر من غزة لرئيس المجلس التشريعي بالإنابة، أحمد بحر، رأى فيه أن «الشقيقة مصر هي راعية الحوار وحاضنة القضية الوطنية الفلسطينية».
هذا المثال يشير إلى حسابات الداخل المرتبط عضوياً بمصر عبر معبر رفح، والذي يؤدّي إلى تخفيف حدة النبرة في التعاطي مع مصر و«رعايتها» للقضية الفلسطينية. حسابات قد لا تأخذها قيادة «حماس ـــــ دمشق» دائماً في عين الاعتبار. وعلى هذا الأساس يكون الاختلاف في مرحلته الأولى، فيما قد تكون الثانية مرتبطة بحسابات سوريا لعلاقتها مع الأطراف الراعية لعملية المصالحة، وخصوصاً مصر. حسابات قيل الكثير عنها، وربطت بإتمام المصالحة بين القاهرة ودمشق، لتكون بوابة لإنهاء الانقسام الفلسطيني. سوريا بالنسبة إلى «فتح» هي «الغريب» الأساسي، تنضم إليها في السياق نفسه إيران وقطر، اللتان تربطهما علاقة نوعية بحركة «حماس». حجة «فتح» الأساس هي عدم قيام هذه الأطراف، التي تعتبرها راعية للحركة الإسلامية، بالضغط عليها لتوقيع الورقة المصرية، وبناءً على ذلك هي ضالعة في التعطيل. المسؤولون في السلطة و«فتح» لا يوفرون فرصة للتعبير عن انسياق «حماس» وراء الرغبات الإقليمية.
أما بالنسبة إلى «حماس»، فهناك أيضاً مروحة من «الغرباء» المعطلين للمصالحة. إسرائيل والولايات المتحدة يأتون في المقدمة، وتنضم إليهم مصر. الحركة الإسلاميّة أيضاً محقّة في اتهاماتها، ولا سيما أن المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين لا يخفون امتعاضهم من إمكان إقدام «فتح» على مصالحة «حماس»، من دون أن تغيّر الأخيرة من استراتيجيتها وميثاقها وأسلوب عملها، ولا سيما في ما يخص الشروط الدولية لنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة معها. ولا شك في أن الموقف الأميركي له تأثير كبير على السلطة الفلسطينية، ومن ورائها حركة «فتح». وبناءً على ذلك من حق «حماس» أيضاً الشك في دور «الغريب» الأميركي والإسرائيلي في تعطيل الاتفاق.
إذاً «الغريب» له دوره، لكن ماذا عن «القريب»؟ ماذا عن «حماس» و«فتح» نفسيهما؟ هل هما على هذه الدرجة من الانسجام السياسي في الرؤية والأهداف وأسلوب العمل لدرجة أن إزاحة العامل الخارجي ستؤدي تلقائيّاً إلى اتفاقهما؟
بالتأكيد الأمر ليس على هذا النحو. ورغم الدور الذي لا يمكن نكرانه للتأثيرات الخارجيّة، لكن العوامل الداخلية تمثّل أساساً للخلاف الثنائي على كل المواضيع، بدءاً من النظرة إلى الدولة الموعودة، مروراً بالأسلوب المتبع لإقامتها، وصولاً إلى العلاقة مع إسرائيل. وما بين هذه العناوين الكثير والكثير من التفاصيل الجزئية، التي لا يبدو أن هناك مجالاً لاتفاق الحركتين عليها.
مثل هذا الخلاف قد يكون طبيعيّاً في دولة ديموقراطية مكتملة الأوصاف، لكنه هنا قائم في مشروع وطني لدولة قيد الإنشاء، وبالتالي فلا مجال لسير النهجين المتناقضين على سكة واحدة.
العامل «القريب» قد يكون أعقد من «الغريب» لرسم النهاية الفعلية لمسلسل المصالحة الفلسطينية في جزئها الجديد، الذي لا شك سيفضي إلى جزء آخر في دوامة لا تنتهي من الحلقات.
من الأفضل إطفاء التلفزيون والتوقّف عن المتابعة.