خالد صاغيةحين انطلقت حركة 14 آذار للمرّة الأولى، استعار التيّار الوطني الحرّ اللون البرتقالي من «الثورة» الأوكرانيّة. سرعان ما خرج التيّار من الحركة، ولحق به بعد أربع سنوات ونيّف الحزب التقدّمي الاشتراكي. أمّا مَن بقي داخل 14 آذار، فاختار هذه المرّة لعق شعاراته السابقة، واختراع إضافة وحيدة هي استعارة شعار المعارضة الإيرانيّة: «أين صوتي؟». كأنّ اللبنانيّين، بإصرارهم على استيراد شعاراتهم، مقتنعون بأنّ حركاتهم السياسيّة مصطنعة. وحين استُدعيَتْ عبقريّة الدعاية اللبنانيّة، لم تفلح إلا في استنباط شعارات تقسيميّة تميّز بين اللبنانيّين وثقافتهم كما تميّز بين الحياة والموت.
والواقع أنّ رافعي شعار «أين صوتي؟» هم أنفسهم تائهون في معناه. فهو تارةً موجّه إلى «الفريق الآخر» الذي تصرّف، بحسبهم، كأنّه لم يخسر الانتخابات النيابية فحاول فرض شروطه، والأنكى من ذلك أنّه تمكّن من فرضها. وهو موجّه تارةً أخرى إلى قادة فريق 14 آذار نفسه، الذين خذلوا جمهورهم، وارتكبوا في السياسة عكس ما وعدوا به خلال الحملة الانتخابيّة. فلم يعد معروفاً مَن صادر حقوق أصحاب الأصوات الضائعة.
لكنّ الانتقال من محاكاة أوكرانيا إلى محاكاة إيران شديد الدلالة. فقبل خمسة أعوام، وُضعت انتفاضة الاستقلال في سياق عالميّ، سياق الثورات الملوّنة التي انطلقت في بلدان رضخت طويلاً لحكم غير ديموقراطي قبل أن يأتيها دعم المحافظين الجُدد وسياسة ادّعاء «نشر الديموقراطية» ولو بالقوّة. الاحتضان كان عالمياً. والزمن زمن حروب وانقلابات، من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق إلى العراق وأفغانستان. سَكِرَت الحركة بهذا الجوّ، وبدأت تكافح بقوّتها وقوّة غيرها، ولم يعد يكفيها استقلال لبنان، بل رفعت شعار «نهضة عربية جديدة». لم يكن الاختلاف السياسي مع 14 آذار وحده الذي يدعو إلى الوقوف ضدّها. فلعلّ احتكارها للوطنيّة وبناءها قصوراً مكلفة فوق الغيوم، كانا هما الأكثر خطورة.
الانتقال إلى الشعار الإيراني هو دليل انتهاء عصر التفاؤل. إنّه إدراك بأنّ حركة 14 آذار تتأرجح بين بلوغ سنّ التقاعد والعمل الطويل الأمد لإحداث تغييرات تدريجيّة. لكنّه أيضاً استمرار للخلط بين الواقع والخيال. فتماماً كما اكتشف الإيرانيون أنّ ندا، أيقونة تظاهرات المعارضة الإيرانيّة، ليست تماماً ندا، قد يكتشف اللبنانيّون ذات يوم أنّ ثورة الأرز لم تكن تماماً ثورة الأرز.