خالد صاغية«سأطلب المساعدة من أيّ كان، مهما كان عدد البواخر التي سنستعين بها، والتي ستدفع أجرها الدولة، حتى ولو اضطررت إلى دفع أجرها من مالي الخاص، فأنا مستعدّ لذلك. المهمّ عندي هم الناس، ولا تهمّني الحملات ولا التلفزيونات... لقد قمنا بواجبنا ونقطة على السطر».
هذا التصريح لرئيس الحكومة سعد الحريري، وفيه يعرض أداءه في أوّل امتحان صعب يواجهه أمام مواطنيه منذ ترؤّسه الحكومة. قبل ذلك، كان قد وضع نفسه أمام امتحان السَّيْر، فعقد اجتماعاً في فترة الأعياد وأطلق وعداً، قبل أن يستقلّ طائرته الخاصّة لقضاء إجازة خاصّة، ويكتشف أنّه لا حاجة إلى الإشارات الضوئيّة في السماء.
في هذه الجملة القصيرة التي وردت خلال حديث للـ«بي. بي. سي»، نستطيع أن نتبيّن الآتي:
يريد رئيس الحكومة التأكيد أنّه وفريق عمله الوزاري يملكان نيّات طيّبة. وهذا حسن. لكنّ المشكلة تكمن تحديداً في هذه النيّة الطيّبة التي سرعان ما تنقلب إلى نقيضها.
فإبداء الاستعداد للدفع من المال الخاص هو في أحسن الأحوال استغلال لكارثة إنسانية من أجل الترويج لشخص يحتلّ موقعاً عامّاً. وهذا الأمر ليس تفصيلياً، وخصوصاً حين يُلعلع الإعلام بأنّ الصندوق الأسود نُقل إلى فرنسا على متن طائرة خاصّة يملكها رئيس الحكومة. إنّها الدعاية الأقلّ كلفة في التوقيت الأغلى ثمناً.
لكن، على ما يبدو، ورث الحريري عادة التصرّف كأنّ ما يجري حوله في البلاد هو مجرّد أحداث تدور داخل أروقة شركته الخاصّة. ولذلك ربّما، انقلبت النيّة الحسنة أيضاً إلى نزعة لكمّ الأفواه المعترضة، من الإعلام ومن أهالي المفقودين. فقد قال الرئيس إنّ الدولة قامت بواجباتها وكفى! لا مكان للتشكّك أو المساءلة أو حتّى محاولات طرح الأسئلة.
وفي لفتة لا تليق برئيس حكومة في بلادنا، يُستعان بألاعيب أي ديكتاتور صغير، فيُستدعى «الناس» فجأة، فهم، ولا أحد سواهم، من يهمّون الحريري. وما كان ينقص إلا استدعاء التاريخ، كالقول مثلاً إنّ التاريخ انتدبه للقيام بهذه المهمّة الإنسانيّة، وهو لن يتراجع عنها مهما كلّف الأمر. و«الناس» سيصفّقون. لا حاجة إلى الهراوات. العصبيّات وحدها تكفي.