امشِ بهدوء واحمل معك رسالة عن الاحترام المتبادل. هذه كانت مقاربة إدارة أوباما الأساسية تجاه الصين، وهي جزء من سياسة أكبر مفادها السعي إلى حوار حول القضايا الصعبة مع الأصدقاء والأعداء على السواء. بهذه الروحية، زارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودام كلينتون الجمهورية الشعبية في رحلتها الأولى إلى الخارج، وتفادت أي تصريح علني عن قلق من الانتهاكات الصينية لحقوق الإنسان. أجّل الرئيس أوباما لقاءه بعدو الصين، الدالاي لاما، قبل زيارته لبكين، آملاً تركيز الاهتمام على مخاوف الولايات المتحدة الجوهرية مثل الانتشار النووي في إيران وكوريا الشمالية، العلاقات التجارية والتغيّر المناخي. عقد لسانه حين خطّط مستضيفوه رحلته تخطيطاً جيداً يمنع لقاءه بالمعارضة، وأصدر الطرفان بياناً مشتركاً أشار إلى تعاون وثيق إلى درجة أنّ المحللين السياسيين بدأوا بالتكهن حول حقبة «مجموعة الاثنين» تعالج فيها القوتان المشاكل العالمية معاً.كان ذلك العام الماضي. بحلول كانون الثاني، أطيحت الهمسات المتعلقة بالتغيير في العلاقات الصينية ـــــ الأميركية بواسطة ضوضاء الاحتكاك الثنائي حول مجموعة من القضايا. بداية، ساندت كلينتون علانية تهديد غوغل بالانسحاب من الصين بسبب الرقابة على الإنترنت، وحذّرت من «ستار معلوماتية» نسبة إلى «الستار الحديدي» في الحرب الباردة. ردّت الحكومة الصينية بسرعة قائلة إنّ الموضوع هو خلاف تجاري وليس من شأن الحكومتين. وزادت الأمور سوءاً، موافقة أوباما على صفقة بقيمة 6.4 مليارات دولار لبيع أسلحة إلى تايوان، التي تقول الصين إنّها جزء منها. ردّت بكين عبر قطع التعاون العسكري الأميركي ـــــ الصيني، وللمرة الأولى، هددت بمعاقبة الشركات الأميركية المشاركة في الصفقة.
عندها، نصحت كلينتون الصين علناً بأنّها تجازف بعزلة دبلوماسية وقطع لإمدادات الطاقة إذا لم تساعد في منع إيران من تطوير أسلحتها النووية. ردّت الصين علناً أيضاً أنّه إذا التقى أوباما بالدالاي لاما، هذا الشهر كما كان منتظراً، فسيكون لذلك «ضرر كبير» على العلاقات الثنائية. والأسبوع الماضي، رغم أنّه وضع رسوماً جمركية عالية على واردات الإطارات من الصين، وعد أوباما الديموقراطيين بـ«ضغط مستمر» على الصين من أجل فتح أسواقها للبضائع الأميركية، ومن أجل أن ترفع قيمة عملتها. رد مسؤول صيني رفيع الخميس الماضي بأنّ الصين لن تخضع للضغط من أجل إعادة تقويم عملتها.
ماذا حصل؟ هل أصبحت الصين متعجرفة، كما يقول البعض، أو نزقة وحسب؟ هل فقدت أميركا صبرها، أو أضاعت طريقها؟ الإجابات سلبيّة على كلّ هذه الأسئلة.
فهذه الصدامات يجب عدم اعتبارها أمراً مفاجئاً. الصين والولايات المتحدة عرضة لسوء التفاهم، ولا يمكن حلّ القضايا الخلافية الجدية حول تايوان والتيبت بين ليلة وضحاها، كما لن تحل في المستقبل القريب. يقول بعض المراقبين إنّ أوباما كان ساذجاً لاعتماد مقاربة تصالحية تجاه الحكومة الشيوعية، وإنّ افتقاره إلى النجاح يتطلب موقفاً قتالياً. نحن لا نظن ذلك. تتناوب الولايات المتحدة مراراً على استخدام العصا والجزرة في سياساتها الخارجية، وكلتا الطريقتين لا تعمل وحدها. العلاقة مع أكبر منافسينا، وليس صدفة أنّ بكين هي أكبر دائنينا، هي مسعى طويل الأمد يتطلب نضجاً من الطرفين. ربما لن ينفع الاحترام المتبادل بداية، لكن اتخاذ مواقف حادة والتوبيخ العلني، ليسا فعّالين دائماً.
صفقة أسلحة تايوان هي مثال واحد عن انقطاع التواصل في الرغبات والتصورات. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بيع الأسلحة الدفاعية هو استكمال لسياسة عمرها أربعون عاماً في مساندة تايوان، ويجب ألا تجد الصين ذلك مفاجئاً. رفض أوباما الموافقة على إرسال طائرات «إف 16» التي يطالب بها التايوانيون منذ فترة، لكن إلغاءه صفقة الأسلحة برمّتها، كما تريد الصين، كان سيعرّضه لتهم بالفشل في الترقّي إلى التزامات الدفاع من قبل من يرونه اليوم أنّه ضعيف مع الصين.
بالنسبة إلى أوباما، جاء توقيت الإعلان منطقياً. فقد جاء بعد رحلته إلى الصين، وقبل الرحلة المرتقبة إلى واشنطن للرئيس الصيني هو جينتاو هذا العام. لكن بكين رأت أن الموضوع غير مؤات لأنّ العلاقات بينها وبين تايبيه في تحسّن. بالنسبة إلى الصينيين، عنت الصفقة استمرار التدخل الأميركي في مسألة سيادية، وهو تراجع بعد تعهد أوباما خلال زيارته بالتركيز على القضايا المشتركة. يضع الصينيون الصفقة في سياق أكبر مع عدد من التصرفات الأميركية، مثل إعادة انتشار القوات الأميركية في أفغانستان ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، والعلاقات الوثيقة بين الهند وأميركا. وتستشفّ بكين من كل هذا استراتيجية أميركية لاحتواء صعود الصين. في هذا المعنى، تبدو تعليقات كلينتون عن الإنترنت بالنسبة إلى الصينيين كأنّها تعلن حرباً باردة بدلاً من أن يروا أنها سعي إلى التفاوض من أجل الأمن المعلوماتي، الذي سيكون في مصلحة البلدين.

تعتمد الصين على أسواقنا من أجل النمو ونحن نعتمد عليها من أجل الاستقرار المالي
يلتقي الرؤساء الأميركيون مراراً بالدالاي لاما ليظهروا مساندتهم لحقوق الإنسان في التيبت. لكن بالنسبة إلى الصينيين، التيبت قضية داخلية أخرى. فالزعيم الديني يريد الحكم الذاتي وهم يخشون الاستقلال. وفي جميع الأحوال، لا يرون أنّ على الولايات المتحدة أن تتدخل. اعتقدت الإدارة أنّها طمأنت قلق الصين عندما أجّلت اللقاء، فيما ترى الصين أنّ لقاء الرجلين في أي وقت هو تحدّ.
إلى جانب السيادة، يقع النمو الاقتصادي في صلب اهتمامات الصين، وهذا هو السياق الذي تنظر منه بكين إلى إيران، المصدر الأهم للنفط الذي تستهلكه. لا تعتقد بكين أنّ إيران تمثّل تهديداً، لكن قطع النفط هو التهديد. حاولت كلينتون بشكل أخرق أن تصوّر قضية فرض عقوبات على إيران كأنّها في مصلحة الصين. لكن بدا الأمر تهديداً عندما قالت إنّ الصين ستجد نفسها معزولة إن لم تجارِ أميركا وأوروبا وروسيا، وإنّ احتياطها من النفط سيهدد بالاضطرابات في الخليج العربي إن شنّت إسرائيل هجوماً عسكرياً على إيران.
ما الذي يمكننا فعله إذاً؟ لا تريد كلتا الدولتين أن تتدهور العلاقة بينهما، وخصوصاً أنّها كانت تتحسن تدريجاً خلال السنوات الثلاثين الماضية. تعتمد الصين على أسواقنا من أجل النمو، ونحن نعتمد عليها من أجل الاستقرار المالي. إذاً يحتاج الطرفان إلى العودة إلى بناء احترام متبادل وثقة استراتيجية، رغم الانقسام السياسي الذي لا لبس فيه بينهما بشأن دور الحكومة. بالتأكيد، علينا فعل ذلك مع احترامنا الجوهري لحقوق الإنسان. على الصين أن تنمو لتصبح لاعباً دولياً وشريكاً محتملاً للولايات المتحدة. في هذا الوقت، يجب أن يمتنع أوباما عن اللجوء إلى حمائية ديموقراطية في سنة انتخابات. تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أن يبرهنوا للصين أنّ من مصلحتها فرض عقوبات على إيران، وإعادة تقويم عملتها وفتح حدودها أمام المزيد من البضائع.
(افتتاحية «لوس أنجلس تايمز» في 7 شباط 2010)