حسام كنفانيانفضّ اجتماع القمة العربية، وذهب «الزعماء» كل في حال سبيله. ماذا فهمنا من القمة، وعلى ماذا اتُّفق؟ ربما الأمر بحاجة إلى منجّمين وعرّافين لشرح طلاسم العبارات الغامضة التي وردت، ولم ترد في البيان الختامي، ولا سيما أن الزعيم الليبي، ملك ملوك العرب حاليّاً، معمر القذافي، كان حريصاً على إخراج القمّة «من دون زعل».
وفق هذه المعادلة، وبالنظر إلى حال «الوئام» الصوري العربي، لم تعد القرارات، أو اللاقرارات، مستغربة. القراءة المتأنية لمجمل ما صدر عن القمة العربية لا تنبئ بأي قرارات حقيقية. فهي اسم على غير مسمّى. جردة القضايا التي كان يجب أن يتخذ العرب مواقف في شأنها بقيت كما هي.
عمليّاً، لم تقرّر القمة العربية شيئاً. جلّ ما صدر عنها هو مواقف وإدانات وشروط، كان سبق أن جرى التداول فيها خلال الأيام السابقة لالتئام الاجتماع العربي. ولننسَ قليلاً «قرار دعم القدس» بـ500 مليون دولار، وهو مبلغ لا يقدّم ولا يؤخّر في معركة تهويد المدينة (هذا إذا دُفع أساساً)، لم نلحظ إجراءً فعلياً من القادة العرب للتصدي للملفات
المطروحة.
لنبدأ من المفاوضات ومصيرها. هل فهم أحد على ماذا رسى السجال الذي دار خلال الجلسة المغلقة بين الرئيسين السوري بشار الأسد والفلسطيني محمود عبّاس؟ البيان الختامي للقمة لم يحدد موقفاً من عملية التسوية برمّتها، واكتفى بالحديث عن المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وربطها بوقف البناء الاستيطاني، وخصوصاً المشروع الأخير في القدس المحتلة.
موقف كانت قد أعلنته لجنة متابعة المبادرة العربية للسلام. موقف خاص بجزئيّة معينة من عملية التسوية. لكن ماذا عن التفاوض عموماً، هل لا يزال خياراً استراتيجياً؟ ربما للمرة الأولى، منذ عقد على الأقل، لم يتضمن بيان القمة الحديث عن «الخيار الاستراتيجي»، لكنه في الوقت نفسه لم يتضمن إسقاط هذا الخيار. ما يمكن فهمه من البيان أن القرار رحّل إلى القمة الاستثنائية، التي قد لا تعقد من الأساس، أو قد تعقد على عجل للاستعاضة عنها بالقمة العادية المقبلة، للالتفاف على الاستضافة العراقية، التي لا يرغب فيها أحد.
الترحيل كان عنوان «رابطة دولة الجوار»، وخصوصاً في ما يتعلّق بالحوار مع إيران. هناك من لا يزال يظن أنه في موقع قوّة لفرض شروط حواره على الآخرين، رغم أنه لم يفعل ذلك حين عرض «السلام» على إسرائيل.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تطوير الجامعة العربية، وهو العنوان الذي ينتقل من قمة إلى أخرى من دون أي إجراء فعلي. زحمة مبادرات في ما يخصّ الجامعة، لا يبدو أن هناك مجالاً لتتقاطع، وخصوصاً أن الليبيين واليمنيين متمسّكون بما يرونه أفضل لـ«العمل العربي المشترك».
وباستثناء بيانات الدعم والتضامن والتأييد والاستنكار وما إلى ذلك من عناوين مرحلّة من بيان إلى آخر، يمكن بكل أريحية إطلاق مسمّى «قمة اللاقرار» على الاجتماع العربي في سرت.
مسار «القرارات» كان واضحاً سلفاً، وبالتالي كان الشعب العربي في غنىً عن عناء متابعة هذا الاجتماع العقيم. لكن ربما تكون القمّة مناسبة فقط لتذكيرنا بهوية أصحاب الزعامة العرب، الحاضرين والغائبين. هويّات تكفي لفهم مأساة القمم، كلّ منهم له مآرب خاصة من الاجتماع. فهذا الذي يريد غطاءً عربيّاً لمسيرة تنازلاته (أبو مازن)، وذاك الذي يريد دعماً في مواجهة اتهامات جرائم الحرب (عمر البشير)، وآخر يرغب في إلقاء تبعات ديكتاتوريّته على التدخلات الإقليمية (علي عبد الله صالح). النسج على هذا المنوال يشمل غالبية من كان حاضراً في قاعة «واغادوغو» في مدينة سرت.
أما الغائبون فلهم أعذارهم. حسني مبارك لم يسمح له وضعه الصحي بالمشاركة. فالمرارة التي زرعها على مدى 30 عاماً في الشعب المصري بدأت تطاله، استأصلها لكنها لا تزال حاضرة شعبيّاً. أما الملك السعودي عبد الله، فتغيّب لأسباب «فنيّة»، على اعتبار أنه مرتبط بعقود «رقص» في مهرجان «الجنادرية». والرئيس العراقي جلال الطالباني لم يستطع الحضور لأنه مشغول بمعركة «البقاء» في سدّة الرئاسة. معركة لا يمكن قيادتها إلا من طهران، صاحبة الكلمة الفصل في مسار «العراق الجديد». الغائبون الآخرون معتادون، وهم الذين في الأساس يترفّعون عن المشاركة في القمم، ربما انسجاماً مع الاقتناع بأنها «لزوم ما لا يلزم».
على هذا الأساس يمكن فهم القمّة وقراراتها، واستيعاب الضحك الجماعي في الصورة التذكارية. من الصعب معرفة الضحك على ماذا أو على من، لكن المؤكد أنه ضحك بلا إجماع.