سارة أبو غزال*نشرت جريدة «الأخبار» في عدد الأربعاء ١٧ آذار ٢٠١٠ مقالتين في صفحة رأي عن «تسلّط المرأة» و«نسوية على مقياس العالم العربي». ورغم عطشنا إلى المزيد من المواضيع والمعرفة المتعلقة بالنسوية العربية وأخبار ناشطاتها وآرائهن، فإنّ هذين المقالين تضمّنا بعض الأفكار التي تستوجب الردّ، إذ تناولت النسويّة العربية ومطالبها باتهامات خاطئة.

تسلّط المرأة أم ذوبانها في قضايا لا تنتهي؟

كتب السيد عبد العلي حامي دين عن وضع المرأة في العالم العربي، وقد فعل حسناً حين نقل عن البعض قولهم إن العائلة هي حصن الإسلام الأخير، ففي هذا القول كثير من البوح. غير أن الإشكالية التي كتب انطلاقاً منها، تكمن في النظرة الإصلاحيّة لـ«وضع النساء» في المجتمعات الإسلاميّة، التي غالباً ما تهمل الجانب الجندري/ السلوكي الذي يجب أن يترافق مع هذه الإصلاحات. فالدعوات التي تناصر قضايا النساء في العالم العربي لا تجدي نفعاً ما لم تنطلق من نظرة لادينية إلى المرأة، وتبتعد عن مفهوم المرأة كقياس لتقدّم دين ما أو تخلّفه. وفي زجّ المرأة وتطلعاتها بمستقبل الأمة/ الأمم الإسلامية، نذيبها في قضايا لا ينتهي الحديث عنها، ولا تنفع في تغيير وضع النساء بشيء.
النساء ربات الأعمال في العالم العربي لا يمثّلن مثلاً أيّ رقم نستطيع أن نأخذه على محمل الجد. فإذا افترضنا أن النساء العاملات يهربن من تسلّط المرأة عليهن، يجب أن ننظر إلى النظام الاقتصادي الذي وضع الرجال المنتجون شروطه وقوانينه معزّزين بذلك النظام الأبوي، إضافةً إلى الصورة النمطية التي «تُسلَّط» على النساء اللواتي استطعن الوصول إلى مراكز مؤثرة. وهذا كله لا يقول لنا سوى إنّ النساء في العالم العربي، يعيش عليهن الامتثال إلى القيم والأخلاق الذكورية في الأسواق الاقتصادية، التي غالباً ما تؤدّي إلى إعادة إنتاج مواقف متسلطة كما أسّس لها رجال الأعمال في السابق، وقبل استيعاب السوق للنساء كصاحبات أعمال. لا نستطيع أن نضع نظّارتين بزجاج مصنوع من قيم ذكورية، ونحاول أن نرى «أين التمييز ضد النساء». إنّ الأفكار التي وردت في مقالة السيد عبد العلي «تتسلط» على الحركات النسائية في العالم العربي من خلال وضع أفكار عن المرأة في كادر فكري إسلامي، وهو نقاش يضع النسويات في منطقة «الما بين». فإذا جرى اعتبار النساء وأفكارهن عن تحرّرهن من النظام الأبوي الذكوري ضمن النقاشات الواقعة في إطار التأسلم، ننفي جهد اللواتي ناضلن في أوائل الثلاثينيات من أجل حقّهن بعدم اختيار الزي الإسلامي (الحجاب) كجزء من ملابسهن. كما ننفي عن اللواتي جاهدن ضمن الحركات الوطنية القومية أو اليسارية في العالم العربي في سبيل أنظمة علمانية ديموقراطية جهد انخراطهن في هذه الحركات. وبالتأكيد، نقفل باب الحرية أمام النساء في بناء نظرية تقوم على تحلّل الجنسانية والجسد والجندر وآثارها في بناء النظام الذكوري.

لا نستطيع أن نضع نظّارتين مصنوعتين من قيم ذكورية، لنرى «أين التمييز ضدّ النساء»
حين يناقش الكاتب إمكان تحرر النساء داخل حدود الدين، فإنه يعيد التأكيد على عدم تقبّل الإسلام السياسي أيّ حركة تحريرية تخرج عن الحدود السياسية لتصوره «المسلّط» على تحرر المنطقة من أنظمتها الحالية. إنّ النساء في العالم العربي في حالة وعي مستمر لموقعهن في «الحصن الأخير» للمنطقة، الذي هو نظام عائلي قائم على انعدام المساواة بين الرجال والنساء، والمصدر الأساسي لتغذية أفكار الذكوريّين بإعطائهم سلطة، حتى لو كانت هذه السلطة مستمدّة من قهر منظّم للنساء العربيات على مدى قرون. والسلطة التي يمارسها الذكور ضمن النظام العائلي تحفظ لهم «ماء الوجه» في عملية ذلّهم وقهرهم وقمعهم من جانب أنظمة حاكمة «متسلطة على شعوبها».

نسوية على قياس العالم العربي لأن «القالب غالب»

في عدد «الأخبار» نفسه، أقدمت الأستاذة نجلاء حمادة على كتابة مقال يبدو كأنه قصف عشوائي للنسويات العربيات اللواتي حكم عليهن في مقالة الأستاذة نجلاء بأنهن «مقلّدات للغرب»، وهو يهين كل من يحلو لها أن تسمّي نفسها نسوية، وكأن النسويات جمعاً كنّ أو مفردات لا «ذكاء مستقلاً» لديهن، يعشن في تبعية للنسويات الغربيات دون أن ينظرن إلى «قياس العالم العربي»، ودون قولبة نسوية تتماشى مع هذا العالم كما هو عليه لا كما يتمنّين أن يصبح. لا أحد يخالف بديهيّة اختلاف الأحوال بين الغرب والمنطقة العربية وغيرها من المناطق في العالم. كما لا يستطيع كائناً من كان أن يقلّد مفهوماً نظرياً لا نستطيع أن نطلق عليه صفة البسيط، دون أن يحاول فهم هذا المفهوم بأعين محلية. والحديث عن تقليد «أعمى» لنسويات الغرب لا يسهم إلا في دعم الخطابات الفكرية غير القادرة على تصوّر مجتمع عربي تعيش فيه نساء متساويات ومتحررات ومثليات كما يعيش الذكور الرجال المؤمنون والملحدون والمثليون معاً، لأنها (الخطابات) عاجزة عن تصديق أنّ الشعوب في هذه المنطقة قادرة على تغيير نفسها إلى الأفضل.
لا شك أنّ ورود أمثلة عن المثليات والمثليين في المقال كدليل قاطع على الطاعة العمياء للنسوية، لم يكن سوى تخوّف من الحرية الجنسية والجسدية التي تنادي بها النسويات أينما كنّ، وخصوصاً أنّ هناك من يناهض النسوية في العالم العربي، معتبراً أنها مرتع للمثليات. غير أنّ المثال روّج للمثلية على أنها في قاع سلم الأولويات التي تعبّر عن حاجات المرأة العربية. وهنا يصح أن نسأل هل سلّم الأولويات هذا مصنّف حسب الهوية الجنسية والوظيفة الإنجابية، هل نحرّر وندعم النساء المغايرات (الأمهات العربيات) ومن ثم النساء المغايرات (العزباوات العربيات) ومن ثم النساء المغايرات (المطلقات)، إلى أن نصل إلى القاع، وبعد تحرر النساء المغايرات نعمل على حقوق المثليات؟ ويصح السؤال أيضاً عمّا إذا كان هناك سلّم للحقوق. إنّ النسويات العربيات، وتحديداً شابات هذا الجيل والجيل الذي سبقه، واللواتي ما زلن في بدايات تجربتهن، قد تعلّمن من التجارب السابقة، وخصوصاً تلك التي اعتمدت على الأولوية في العمل وتفصيل المفاهيم على قياس المجتمع العربي الذكوري، واستنتجت أنّ النسوية العربية هي تلك التي لا أولويات لها إلّا تحرر النساء بغض النظر عمّن يكنّ ومن أين يأتين، وإذا كن مغايرات أو مثليات. كما أنّ تحرر العاملات الأجنبيات يقع في الأهمية نفسها لتحرّر «المدامات»، والعمل السياسي النسوي قادر على الإيمان بمجتمعات عربية قادرة على السير نحو المساواة والعدالة والحرية.
مقال الدكتور أسعد أبو خليل («الأخبار»، 8/3/2010) في حديثه عن الأمومة، لم يكن يحرّض النساء أو المجتمعات على «هجر الأمومة»، ولكنه نجح في إبراز الخانات الاجتماعية التي تُسجن فيها النساء وتقف حاجزاً بين رؤيتهن كفرد مستقل وبين آلة منتجة لأطفال. هل هناك من يستطيع أن يلوم الدكتور أسعد فيما أكثر من نصف الجمعيات في العالم العربي التي «تعمل على حقوق المرأة» تُدعى «المرأة والطفل»؟ لا أنكر أنّ للأمومة كعملية بيولوجية وعاطفية واجتماعية أهمية شديدة في حياة النساء العربيات لكونها الدور الاجتماعي الرئيسي الذي يؤدّينه، والذي يتوقّع منهن. لكنّ الأمومة خيار لا هدف في حياة النساء، والمرأة حرّة في أن تختار أن تكون ماذا تريد. ولمن لا تختار الأمومة، الحقّ أيضاً في ألّا تكون منقوصة في أعين نساء أخريات أو في أعين المجتمع.
* ناشطة نسويّة
(www.Sawtalniswa.com)