حسام كنفانيالترقّب سيّد الموقف. هكذا هو الوضع دائماً بالنسبة إلى الفلسطينيّين. لا جديد يقدّمونه أو يعلنونه باستثناء انتظار ما سيأتي من خارج الحدود، هذا إذا اعتبرنا أن للسلطة الفلسطينية حدوداً. الانتظار هو سمة «الحكم الرشيد» للرئيس محمود عبّاس. هو المتلقّي الدائم لمبادرات التسوية والخطط السلاميّة، والمتجاوب الأبدي مع الضغوط الدولية للسير إلى المفاوضات بخطى حثيثة. لا يمكن ذكر خطوة خاصة من أبو مازن، وخصوصاً في الملف التفاوضي، باستثناء موقفه الأخير في ما يخص الاستيطان، الذي هو أساساً موقف أميركي التحق به الرئيس الفلسطيني.
حاليّاً يجلس أبو مازن وصحبه في رام الله بانتظار انقضاء الأعياد اليهودية، المترافقة مع المماطلة الإسرائيلية، لاستبيان رد حكومة بنيامين نتنياهو على المطالب الـ 11 التي حمّله إياها الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وفي فترة الانتظار، لا بأس من التلهّي قليلاً بلعبة «المقاومة الشعبيّة» وتصويرها من جانب مسؤولي «فتح» على أنها حركة ثوريّة ونقلة نوعيّة في العمل الوطني الفلسطيني. «مقاومة» هي عبارة عن تظاهرات سلميّة موسميّة لا تلبث أن تبدأ حتى تنفض.
أسلوب جديد لتقطيع الوقت، وربما صناعة أبطال جدد. هذه كانت الحال مع عبّاس زكي، الذي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى مناضل كبير وأسير تُرفع صوره في التظاهرات، ويُرفع على الأكتاف بعد اعتقال قوات الاحتلال إيّاه يومين. ولم يكن ينقص إلّا أن تنتشر صوره مكبّلاً بالأصفاد، على غرار الصورة الشهيرة للأسير مروان البرغوثي.
ليس الأمر تقليلاً من شأن زكي أو استخفافاً بتجربة اعتقاله القصيرة، لكن ما هكذا يُصنع الأبطال، وخصوصاً أنه لم يعرف لعبّاس زكي هذا الدور النضالي الكبير. كما أنه ليس كل من يخضع للأسر يُرفع إلى مصافّ المناضلين، وإلّا لكان محمد دحلان رائداً في هذا المجال.
في كل الأحوال، فإن الانتظار الفلسطيني يقترب من النهاية. وموعد القرار لن يكون بعيداً. الإجابات من تل أبيب بدأت تتّضح معالمها. إجابات التفافيّة تسعى إلى إرضاء الإدارة الأميركية، واحتواء الأزمة مع باراك أوباما. تسريبات الحكومة الإسرائيلية لا تتحدّث عن رفض المطالب، لكنّ محتواها يوحي بذلك. ما سُرّب من مصادر إسرائيلية هو الموافقة على «معظم» المطالب الـ 11 التي وجّهها أوباما إلى نتنياهو.
لم يقل الإسرائيليون ما هي «معظم» النقاط التي وافقوا عليها، لكن ما رُفض بات شبه معلن، سواء بالقنوات الرسمية أو عبر التسريبات الإعلامية. المرفوض هو وقف البناء في القدس المحتلة، وتحديداً «في الأحياء اليهودية»، على اعتبار أن هذه هي السياسة المتّبعة على مدى الحكومات المتعاقبة.
بالحسابات المنطقيّة، من شأن هذا الرفض أن ينسف المطالب عن بكرة أبيها، ولا سيما أن هذه المطالب جاءت نتيجة لعمليات الاستيطان في القدس، لا على هامشها. لكنّ المنطق والسياسة لا يجتمعان في العادة، وبالتالي قد تجد الردود من يتبنّاها في الإدارة الأميركية ويروّج لها على أنها مقبولة، تماماً كما كانت عليه الحال حين أعلن نتنياهو التجميد لمدة عشرة أشهر في المستوطنات من دون القدس.
الردّ الإسرائيلي سيأتي مبهماً، وحمّال أوجه، وخصوصاً مع الإشارة الإسرائيلية إلى حصر البناء في «الأحياء اليهودية»، وهو المشروع الذي روّج له أساساً شمعون بيريز.
عبارة «الأحياء اليهوديّة» مطّاطة وخاضعة للتأويل. فمن يحدّد ماهية هذه الأحياء وحدودها؟ هل التفسير خاضع للرواية التوراتية أم لمزاج ما يسمّى بلدية القدس؟ أم أن الأمر مرتبط بعدد السكان في هذه الأحياء وهويتهم الدينية؟
جميع الاحتمالات في هذا المجال تصب في الخدمة الإسرائيلية لتجعل الرد فارغاً من مضمونه، كأنه لم يكن. أمّا في ما يتعلق بباقي المطالب الـ11، والمخصّصة لإجراءات «بناء الثقة»، فهي مزاجيّة أيضاً إلى حد كبير. فطالما أن جيش الاحتلال يسيطر على الأرض في الضفة الغربية، فالاعتقالات تتساوى مع الإفراجات، وإقامة الحواجز تماثل إزالتها، ومفاوضات الوضع النهائي خاضعة للمماطلة.
هذا الردّ لن يعفي الفلسطينيين من الانتظار المعتاد. فهم سيترقّبون موقف الإدارة الأميركية وتعاطيها مع محتوى ما سيحمله نتنياهو إلى واشنطن. لكن من الأفضل للسلطة ألّا تترقّب تصعيداً أميركيّاً، بل ربما تلجأ واشنطن إلى التبنّي الجزئي للرد الإسرائيلي. وحينها، وكالعادة أيضاً، الضغط سيكون على الطرف الفلسطيني للعودة إلى طاولة المفاوضات.
هنا قد يكون على السلطة إظهار «البطولة» الحقيقية، والإعلان صراحةً أن طاولة المفاوضات تكسّرت، بدل التلهّي بـ«نضال وهمي».